fbpx
إخوان الكويت يختبرون مزاج طاقم الحكم الجديد حفاظا على وضعهم المريح في الدولة
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

 يتابع قادة ورموز الفرع الكويتي من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بحذر التغيير الذي حدث مؤخّرا على رأس هرم السلطة في البلاد بوفاة الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وتسلُّم أخيه الشيخ نواف الأحمد زمام الحكم واختيار الشيخ مشعل الأحمد لمنصب ولي العهد.

ويدرس الإخوان بعناية أوجه التأثير الممكن لذلك التغيير على وضعهم في الكويت، إن سلبا أو إيجابا، حيث يأملون في أن تتدعّم مكانتهم في البلد وأن يرتقوا أكثر في مدارج صنع قراره، لكنهم يرجون في أقل السيناريوهات طموحا أن يحافظوا على وضعهم الحالي المريح حيث يتمتّعون بحرية الحركة والنشاط ويضمنون لهم وجودا في السلطة التشريعية الممثلة بمجلس الأمّة، بينما يواصلون مراكمة الثروات عن طريق العمل الخيري الذي اكتسبوا خبرات طويلة في اتّخاذه ستارا لممارسة العمل السياسي، وكل ذلك بالتوازي مع مشاركتهم في إدارة شؤون الدولة عن طريق عناصرهم المنتشرة في مختلف الإدارات والوزارات برتب ومناصب متفاوتة الأهمية.

ملفات مثقلة

تعتبر أوساط سياسية كويتية أن ذهاب منصب ولي العهد للشيخ مشعل الأحمد مثّل إشارة سلبية للإخوان بالنظر إلى أنّ الرجل قادم من خلفية أمنية حيث سبق له أن تولى رئاسة جهاز أمن الدولة قبل أن يقضي الست عشرة سنة الأخيرة في منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير.

وبذلك يكون الشيخ مشعل على دراية موسّعة ودقيقة بتحرّكات إخوان الكويت في داخل البلاد وصلاتهم بالعديد من الجهات خارجها بما في ذلك مع كبار قادة التنظيم الدولي، وحتى مع مسؤولين وقادة دول باحثين عن جسور ومداخل إلى الساحات الداخلية لبلدان الخليج على غرار الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي الذي أظهر تسجيل صوتي تسرّب وانتشر قبل أشهر أنّه كان يقيم صلات مع إخوان الكويت ممثّلين بمبارك الدويلة وأنّه ناقش معهم إمكانية استخدام القبائل في زعزعة أمن الخليج وتحديدا أمن المملكة العربية السعودية.

وعلى صعيد داخلي لا تخلو سجلات أمن الدولة الكويتية من ملفات مثقلة بالمعلومات الموثّقة عن تحركات الإخوان منذ مطلع العشرية الحالية تفاعلا مع أحداث “الربيع العربي” الذي ركبت فروعُ الجماعة في عدد من الدول العربية موجته للوصول إلى السطلة وهو ما حاول الفرع الكويتي محاكاته عندما انخرط مع تيارات سياسية أخرى في محاولة لتأجيج اضطرابات بالشارع وصلت ذروتها في أحداث ما عرف بـ”الأربعاء الأسود” وهو الوصف الذي أطلقه الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد على يوم السادس عشر من نوفمبر سنة 2011 الذي شهد قيام العشرات من الأشخاص بينهم برلمانيون سابقون وأعضاء في مجلس الأمّة المنتخب قبل سنتين من ذلك التاريخ باقتحام مقرّ المجلس للمطالبة بحل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء آنذاك الشيخ ناصر المحمد الصباح الذي لم يكن على وفاق مع الإسلاميين في الكويت بإخوانهم وسلفييهم.

وكان إخوان الكويت يخطّطون آنذاك لإحداث فراغ في السلطة يكون مدخلا لإعادة تشكيلها على طريقتهم، وهو السيناريو الذي حاول التنظيم الدولي للإخوان تطبيقه بالفعل وبدرجات متفاوتة من النجاح في كلّ من تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن بدعم قطري سياسي وإعلامي ومالي قويّ.

بل إنّهم لم يخفوا رغبتهم في تغيير طبيعة النظام في الكويت إلى نظام برلماني كامل، ما يعني أنّهم كانوا يطمعون في انتزاع سلطات أمير البلاد وتحويل المنصب إلى منصب صوري، وقد وضع قادتهم البارزون توقيعهم على وثيقة “مشروع الإصلاح السياسي الوطني” التي تنص بصريح العبارة على طبيعة النظام المراد إرساؤه.

صناع قرار في الكويت يميلون إلى مهادنة الإخوان وعدم استثارتهم والحفاظ عليهم كعنصر توازن مع العلمانيين

ورغم فشل محاولة إخوان الكويت في الدفع بذلك السيناريو، فإنّهم لم ينقطعوا لاحقا عن محاولة زعزعة الاستقرار في البلد عبر تسميم الأجواء السياسية بالخلافات فاعترضوا بشدّة على التغيير الذي أدخله الشيخ صباح الأحمد بمرسوم أميري على النظام الانتخابي من نظام تعدّد الأصوات للناخب الواحد إلى نظام الصوت الواحد وانخرطوا في مقاطعة دورتين انتخابيتين أجريتا باعتماد النظام الجديد قبل أن يعودوا عن قرارهم في انتخابات سنة 2016 عندما لاحظوا أن الأحداث بصدد تجاوزهم وأنّ مقاطعتهم لم تعطّل الحياة السياسية كما كانوا يأملون، بل جرّت عليهم خسارة مواقعهم في مجلس الأمّة الذي لطالما استخدموه منبرا للضغط والمساومة وعقد الصفقات السياسية ومواجهة الخصوم.

ولتجاوز الحرج الذي تسببت به العودة عن مقاطعة الانتخابات رغم عدم تحقيق الهدف منها وهو إسقاط نظام الصوت الانتخابي الواحد، برّرت الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” التي تمثّل الإطار السياسي لفرع جماعة الإخوان في الكويت قرارها الذي أغضب حلفاءها السياسيين بأنّه جاء “استشعارا من الحركة لمسؤولياتها الوطنية تجاه التحديات الكبيرة المحلية والإقليمية والأمنية والاقتصادية، ورغبة منها في فتح مسارات أخرى للخروج من حالة الجمود السياسي والتنموي التي وصلت إليها البلاد، وسعيا نحو المشاركة بإيجابية لتصحيح المسار”.

على هذه الخلفية لم يكن إخوان الكويت يرغبون في صعود الشيخ مشعل إلى منصب ولي العهد، وكان السيناريو الأفضل بالنسبة إليهم ذهاب هذا المنصب بالغ الأهمية في منظومة الحكم الكويتية إلى الشيخ أحمد الفهد الذي جمعته دائما علاقات وتنافس شديد مع العديد من الأعضاء البارزين في الأسرة الحاكمة، في ظلّ أنباء عن علاقات قوية تربطه بقطر الداعمة الأبرز لعملية التمكين لجماعة الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي.

وتقول مصادر كويتية إنّ مأتى ريبة الإخوان من الشيخ مشعل الأحمد، ليس فقط خلفيته الأمنية، ولكن أيضا قوّة شخصيته وميله إلى العمل في صمت وهدوء وهما سمتان يتوقّع أن تنعكسا على طريقة ممارسته لمهام منصبه وأن يمنحاه دورا أكبر في قيادة الكويت وصنع قرارها.

لا أفق لتغيير العلاقة

 

ولي العهد الجديد الشيخ مشعل الأحمد القادم من خلفية أمنية على دراية موسّعة ودقيقة بتحرّكات إخوان الكويت في داخل البلاد وخارجها

في ظل هذه المعطيات يتساءل محلّلو الشؤون الخليجية، إن كانت علاقة السلطة الكويتية بالإخوان ستشهد تغييرا جذريا في عهد الأمير الشيخ نواف الأحمد وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد. وهل يمكن أن يصل التغيير حدّ الحسم في الجماعة على غرار دول عربية أخرى ونزع المشروعية عن عناصرها ومنعها من ممارسة النشاط السياسي، استنادا إلى تورّطها في أنشطة مجرّمة قانونا من التآمر على النظام إلى السعي إلى تسميم علاقة الكويت ببلدان جوارها الخليجي والعربي من خلال الإساءه إلى تلك البلدان والتدخّل في شؤونها الداخلية، إلى الانخراط في أنشطة مالية غير مشروعة لتمويل تنظيمها الدولي.

ويجيب البعض بالنفي، مؤكّدا وجود ميل لدى طيف واسع من الطبقة الحاكمة وصناع القرار في الكويت إلى مهادنة الإخوان وعدم استثارتهم والحفاظ عليهم كعنصر توازن مع العلمانيين والقوميين، فضلا عن تأثّر بعض الشخصيات الكويتية ذات المواقع الهامّة بما في ذلك شيوخ من الأسرة الحاكمة بفكر جماعة الإخوان بعد أن تشرّبوه في المدارس والجامعات على أيدي رجال تعليم وافدين بالأساس من مصر.

وفي ظلّ الفساد المستشري في الكويت وحالة الامتعاض السائدة من سوء إدارة شؤون الدولة وهدر مواردها الوفيرة، يجد إخوان الكويت الأرضية ممهّدة لممارسة لعبتهم التقليدية المتمثّلة في ارتداء جبة “وعاظ السلطان” ومرشديه إلى الإصلاح.

ولم تمض أيام على وفاة الشيخ صباح الأحمد وتسلّم الشيخ نواف منصب الأمير حتى سارع الإخواني البارز عبدالله النفيسي بوضع وثيقة اشترك في إعدادها مع النائب السابق عبيد الوسمي تحت مسمّى “وثيقة الكويت” متضمنة تشخيصا للوضع في البلاد من وجهة نظر إخوانية ودعوة إلى “الإصلاح الشامل” وفق تصور الإخوان وغير بعيد عن منظورهم لتغيير نظام الحكم في البلاد في اتجاه يخدم مصالح الجماعة.

ولم تخل الوثيقة من توصيفات قاسية جاءت أقرب إلى المحاكمة التاريخية لتجربة الحكم في الكويت أجملتها ديباجة الوثيقة بالقول إنّ “التجارب التاريخية للشعب مع السلطة في مراحلها المختلفة وبما تضمنته من تعهدات متكررة لم تكن في يوم من الأيام محلا للتقدير من السلطة أو الاحترام الذي ينعكس على أداء الدولة ومؤسساتها”.

كما اتهمت وثيقة النفيسي والوسمي السلطة الكويتية بـ”الانقضاض على الدستور وتفريغه من محتواه ما أدى إلى إضعاف الرقابة الشعبية وتوظيف القانون وتعطيل فعالية المؤسسات”، وبمنتهى الجرأة هاجم محررا الوثيقة أسرة آل الصباح الحاكمة متهمين أفرادها بـ”تجنيد الأعوان والأدوات في صراعات النفوذ والمال ورعاية الخطاب الطائفي والفئوي، الأمر الذي أدى إلى خسارة الأسرة رصيدا كبيرا من قبولها الشعبي”.

وحمّلت “وثيقة الكويت” السلطة مسؤولية “تفشي الفساد بكل صوره وألوانه حتی طال جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها وأفقد الناس الثقة بها والقائمين عليها، وبما عرض ثرواتها الوطنية للسرقة والنهب المنظم والمتنامي عبر السنوات”.

وبعد جملة من المقترحات المستلهمة من البرنامج الإخواني القديم الهادف إلى تغيير طبيعة نظام الحكم في الكويت من بينها تشكيل “حكومة إنقاذ وطني” وإقرار “نظام انتخابي انتقالي”، مرّ النفيسي والوسمي مباشرة إلى طرح المطالب الإخوانية الآنية المباشرة متمثّلة في “إعادة تشكيل السلطة القضائية ومؤسساتها العاملة وأجهزتها ومحاكمها وإجراءات التقاضي فيها، وإنجاز إجراءات فورية وعاجلة لإغلاق ملف الملاحقات والسجناء السياسيين”.

ثمار فورية

 

رغبات في تغيير طبيعة النظام في الكويت

كان إخوان الكويت قد خاضوا بالتنسيق والتعاون مع السلفيين وتيارات أخرى معركة سياسية وإعلامية من أجل تبييض الملاحقين من قبل القضاء، ومن بينهم القيادي الإخواني جمعان الحربش المحكوم عليه بالسجن في قضية اقتحام مقرّ البرلمان سنة 2011 والفارّ إلى تركيا.

وحاول الإخوان وشركاؤهم الدفع نحو إصدار قانون للعفو الشامل يستفيد منه الحربش وغيره من المدانين في القضية ذاتها، لكنّ السلطة تمسّكت بالنظر في قضية هؤلاء كل حالة على انفراد مشترطة تقديم كل منهم الاعتذار وطلب عفو خاص من أمير البلاد.

وبعد أيام قليلة من تسرّب محتوى وثيقة الكويت إلى الإعلام، أعلن عن قرار محكمة التمييز الكويتية إطلاق سراح النائب الإخواني السابق ناصر الدويلة المسجون في قضية تتعلّق بـ”إساءة استخدام الهاتف”، بعد أن تمّت في وقت سابق تبرئته من تهمة الإساءة للسعودية.

وردّ الدويلة الجميل مثنيا على أمير البلاد الجديد على قراره بقطع برامج القنوات التلفزية الحكومية لدى حلول أوقات الصلوات لرفع الأذان، قائلا في تغريدة على تويتر “عهد جديد وأمل واعد وروح وطنية مؤمنة بالمستقبل المشرق وتحافظ على ثوابت المجتمع الكويتي.. فشكرا يا صاحب السمو زادك الله سموا”.

أما عبدالله النفيسي فقد استفاد بدوره من القضاء الكويتي الذي انتقده في وثيقته ودعا إلى إعادة تشكيله، حيث برّأته محكمة الجنايات من تهمة الإساءة لدولة الإمارات، والموجهة إليه في القضية المرفوعة ضدّه من وزارة الخارجية الكويتية.

وكان العامل البارز في الحكم الصادر لمصلحة النفيسي أنّه أول حكم قضائي يصدر باسم أمير البلاد الجديد الشيخ نواف الأحمد، مثلما سجّلت ذلك وسائل إعلام كويتية، ما أثار تساؤل بعض خصوم إخوان الكويت ومنتقدي طريقة تعاطي الدولة معهم حول ما إذا سيكون عهد الشيخ نواف أيضا “عهدا جديدا من مهادنة الإخوان ومجاملتهم”.

أخبار ذات صله