fbpx
ثورة ١٤ أوكتوبر ومرضى عقدة النقص
د. عيدروس نصر
يقول المختصون النفسيون، أن إكثار المرأة من الحديث عن جمالها يؤكد أنها تشعر بالقبح، وأن الإنسان الذي يكثر من الحديث عن نزاهته وعدم تورطه في أعمال مخلة بالسمعة والشرف، إنما يخفي هذا التورط أو يغطي على خوفه من الانكشاف، وتلك حالات نفسية يتوقف أمامها الأطباء النفسيون باهتمام شديد.
* * *
في الأيام الأخيرة ومع الاحتفالات بالذكرى السابعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، غمرت المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وصفحات الصحف الحكومية (لحكومتي الرياض وصنعاء اليمنيتين) ومؤيديهما سلسلة من المقالات والمنشورات التي لا تتحدث عن ثورة أكتوبر إلآ وتربطها باليمنية، والوحدوية، فيكتب أحدهم “ثورة أكتوبر وحدوية” ويكتب آخر “ثورة أكتوبر يمنية” وما شابه ذلك، وهذه حالة لم نعتد عليها منذ أول احتفال بذكرى الثورة الأكتوبرية عشناه أو عايشناه.
لماذا يصر الزملاء الكتاب والوزراء والسفراء، على أن هذه الثورة يمنية ووحدوية؟ بل لماذا لم يكتشفوا أنها يمنية ووحدوية إلا هذه المرة ولم يتسنَّ لهم هذا الاكتشاف على مدى ثلاثة عقود خلت؟
التشديد على “وحدوية” و”يمنية” ثورة ١٤ اكتوبر، يعكس هاجس نفسي خفي عند أصحاب هذه الإسقاطات يخشون انكشافه ، ولو لم يؤرقهم هذا الهاجس لما احتاجوا لهذه الضجة التي لا معنى لها.
وحتى لا تدخل المزايدات المألوفة والمعهودة عن هؤلاء وأشياعهم لا بد من التعرض لحقيقتين يدركهما الجميع لكن الكثيرين يقفزون عليهما، والحقيقتان هما:
* أولاً أن مقولات” اليمنية” و”الوحدوية” و”العربية” و”القومية” و”الإسلامية” كانت وما زالت تدخل في نطاق الشعارات والأحلام والتطلعات والتمنيات الجميلة للشعوب العربية التي واكبت مرحلة ثورات التحرر الوطني ومواجهة الاستعمار التقليدي من قبل هذه الشعوب الموغلة في ثقافة تقديس الشعارات، حتى لو اصطدمت بأحجار الواقع وصخوره الجارحة والقاتلة احياناً، وهذا يقتضي التأكيد أن الشعارات والهتافات وحتى التمنيات والآمال ليست نصوص ملزمة لأحد حتى أصحابها الذين يضطر بعضهم لمراجعتها والتخلي عما يمثل حرقا للمراحل واحتراقا فيها، وتصادما مع حقائق الأمور على ارض الواقع.
* وثانيا ومن هذا المنطلق فإن مفاهيم الوحدوية واليمنية، قد كانت شديدة الجمال والجاذبية عند كل الشماليين والجنوبيين يوم ان اطلقوها، لكن البعض وقع في فخ تصديق نفسه معها، وعندما أُخضِعت للامتحان اكتُشِف أنها غير قابلة للتطبيق ولو بعد عقود، ولهذا جرى ما جرى من قتل للحلم وتحويله إلى كابوس مع مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم، وما ترتب على كل ذلك من تداعيات ما تزال جراحها تنزف قيحا وصديدا على طول وعرض أرض البلدين وفي حياة الشعبين الشقيقين.
إن المقولات والشعارات لا بد ان تكرس مصالح وآمال الغالبية العظمى ممن يفترض أنهم شركاء فيها، فلو كانت ناجحة في هذا الامتحان فإنها لا تحتاج إلى اية مهرجانات دعائية وبرامج تحريضية، لأن ثمرات نجاحها على الواقع تمثل دعاية كافية لها، لكن عندما يتغنى قبيحو الصور بجمالهم فإنهم لن يستطيعوا إخفاء صورهم الحقيقية في وعي الناس، أما عندما يكون هذا القبح مصدرا لآلام ومعاناة ملايين البشر، فإن معلقات الشعر ومهرجانات الكونسرت المليونية لن تعوض المتضررين في شيء عن خسائرهم جراء هذا القبح.
وأخيرا:
لجميع الزملاء (وغير الزملاء) الذين ما يزالون مصرين على تسويق أوهام “الواحدية” و”الوحدوية” و”الاتحادية” أقول:
لقد مررتم بثلاثة عقود من الزمن كانت كافية للبرهان فيها على “واحديتكم” و”وحدويتكم” و”اتحاديتكم”، لكنكم فشلتم في الامتحان منذ اليوم الأول وبرهنتم أن هذه المفاهيم عندكم لا تعني سوى التسيد والهيمنة والاستحواذ والإلحاق وكل ما يترتب على هذا من كوارث وجرائم ما يزال الشعبان في الجنوب والشمال يدفعان فواتيرها الباهظة الكلفة، وأنتم ترفلون في عوالم هذه الأوهام الخائبة، وأدعوكم إلى الكف عن اتباع نهج تبادل الاتهامات المعتادة حينما يقول هذا إن السبب هو “عفاش والعفاشيون” ويقول الآخر إن السبب هو “الإخوان والإخوانيون” لأن هذه الثنائية لم تعد تعني للجنوبيين شيئا سوى ما مفاده “دعونا نعيد التجربة عليكم ثلاثة عقود أخرى لنبرهن لكم كم نحن جميلون ونزيهون بعكس تلك المسكينة المريضة بعقدة النقص وذلك المحتال المتستر وراء شعار النزاهة خشية اكتشاف امره”.
 من صفحة الكاتب على الفيسبوك

تعليق
مشاركة