fbpx
وسائل التواصل..بين الإيجابية والسلبية
شارك الخبر

بقلم – محمد مرشد الحوشبي.
موجة التطور التكنولوجي والحضاري تأتي الى اي مجتمع بحسناتها وسيئاتها بشكل يصعب معه الإنتقاء والفلترة، والواقع انه الى حد قريب لم يكن مفهوماً لمجتمعاتنا العربية المحافظة كيف لهذه الأدوات ان تؤثر على سلوكياتنا كأفراد وكمجتمعات، فتوسع التكنولوجيا ورخصها النسبي وجعلها في متناول ايدي الجميع وانتشار تطبيقات وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وإدمان الشعوب على تلك التطبيقات جعل الصورة تتضح اكثر فأكثر لتبين لنا التأثير الهائل للتقنيات الحديثة ودورها في اعادة بناء وتشكيل وصياغة الشعوب من جديد.
ومع انتشار وسائل التواصل الإجتماعي بكافة اشكالها وتجاوز مستخدميها الى نصف الكوكب، صار لزاماً التعامل معها من قبل الدول والمؤسسات والمكونات والشركات وحتى من قبل التنظيمات الإرهابية والخلايا الإجرامية المتطرفة، فلم تعد هنالك فعاليات على كوكبنا إلا وأمكن العمل عليها من خلال السوشيال ميديا وتطبيقاتها المتشعبة.
لقد وجدت الأجهزة الإستخبارية ان السوشيال ميديا هو سلاح ذو حدين فمن جهة المخاطر كان يمثل وسيلة خطيرة للنشر السريع وللتلاعب بالعقول وبث اي منتج دون اي رقابة او ضوابط وسيطرة، كما كان وسيلة هائلة الإنتشار لتسريب الأسرار والوثائق بلمح البصر الى كل ارجاء الكوكب بضغطة زر، وتجري من خلاله عمليات هكر وإبتزاز وتجارة سرية للسلاح والمخدرات وتجارة الرقيق ونشر الإباحيه والترويج للممنوعات والمحظورات وإثارة الفتن والشائعات وخداع المجتمعات، عدا عن انه كان يمثل وسيلة خطيرة لنشر إفكار الغلو والتطرف والإرهاب، بالاضافة الى الكثير من المخاطر التي تحيط بالمجتمع من خلال وسائل التواصل.
اما من ناحية فوائده الإستخبارية فإنه يعد وسيلة معاصرة وفعالة للرقابة والتتبع والرصد، كذلك هو وسيلة ناجعة في تحريض مجتمعات العدو ونشر الشائعات وكل اساليب الحرب الباردة التي تحتاجها الأجهزة الإستخبارية من اجل الإنتصار على اعدائها.
في العام 2011م تنبه العالم الى “السوشيال ميديا” ودورها كأداة لإسقاط الأنظمة عبر التأثير الهائل للبوستات والصور والتهييج والتعبئة والإستنفار، وقد تنبهت أجهزة الإستخبارات الى ان انتشار وسائل التواصل في ووصولها الى متناول الجميع جعل منها أدوات منفلتة يمكن لمن له القدرة ان يوجهها الى الوجهة التي تحقق مصالحه وغاياته بحكم فقدان الرقابة الأمنية والحكومية عليها وضعف تحليل الكم الهائل مما يجرى فيها من معلومات متداوله وضعف الكثير من الأجهزة الرسمية في ضبط تسريب المعلومات الى وسائل التواصل وبحكم الإفراط في استخدام وسائل التواصل بلا ضوابط وكذا عدم التنسيق بين اجهزة الحكومة وشركات الفيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب وغيرها.
وتجلت خطورة أدوات التواصل الإجتماعي بشكل ملفت وكبير حين غزت بلداناً تمتاز مجتمعاتها بالضياع والتخلف والتجهيل، فصارت مصداقاً مشابهاً لقول “صامويل كولت ” : ان اختراعي للمسدس قلص الفارق بين الشجاع والجبان، فكذلك كان الأمر مع وسائل التواصل التي الغت الفارق بين العاقل والجاهل والمثقف وغير المثقف وصار تأثير “السوشيال ميديا” مضاعفاً في دول العالم الثالث والدول العربية والإسلامية لاسيما تلك التي كانت ممنوعة من تلك الوسائل من قبل أنظمتها الدكتاتورية، فالشعوب التي تتخلص من الحكم الدكتاتوري تكون اكثر رغبة لخوض السياسة  من الشعوب الأخرى، لكن الشعوب العربية بالذات تعتبر الأكثر خوضاً للسياسة بجاهلها وعالمها، فالكل يتكلم في السياسة حتى الأطفال، وهذا خلل كبير في وعي المجتمع وإدراكه، ومن يتصفح التعليقات على الفيس بوك يجد العجب العجاب فمثلاً يقول احدهم ان حزب “الناتو” اقوى حزب في العالم، وحين يرد عليه آخر بان “الناتو” ليس حزباً يرفض بشدة ويصر على رأيه الخاطئ، وترى العجب العجاب والكثير منهم لايزالون يكتبون بلا فهم لقواعد النحو والإملاء والبعض يخوض في غير ما يعرف والآخر ينسخ المنشورات بلا تثبت او تصحيح، ففي هكذا مساحات كان يسهل اصطياد الناس وتحريف افكارهم حتى غدت وسائل التواصل تستخدم للتجنيد العام او التجنيد السري ولغسل عقول وأدمغة العوام.
وبرزت مظاهر أخرى للتخلف في وسائل التواصل الإجتماعي من قبيل التخفي في أسم مستعار للمستخدم او القيام بإنتحال الصفات او تقمص دور الشخصية والجنس الآخر، او ان يكن للشخص اكثر من حساب منه حساب علني رصين وآخر سري للشتائم والتهجم وإيذاء الناس او للإباحية والأمور الأخرى الشاذة وغير الأخلاقية.
ومع تزايد تنبه الأجهزة الإستخبارية والحكومات والقوى السياسية والخلايا والتنظيمات الإرهابية الى خطورة وسلاسة “السوشيال ميديا” كبساط الريح في السرعة والقدرة الفائقة في إقتلاع الأفكار وابدالها بغيرها والتلميع والتطبيل او الإساءة والتشهير جرى اللجوء الى فكرة الجيوش الإلكترونية سواء البسيطة منها او المحترفة، واستغلت جهات إستخبارية محترفة فكرة هذه الجيوش الإلكترونية من خلال تقنيات حديثة ومتطورة وقادرة على ربط آلاف الحسابات مع بعضها البعض بحيث يبدو الأمر وكأنهم اشخاص حقيقيون، حيث تجري من خلال تلك الحسابات عمليات التسقيط والهجوم او الدفاع والتلميع او القرصنة وعمليات إجتثاث قناعات وابدالها بأخرى عن طريق شدة شيوعها بحيث تبدو وكأنها آراء اجتماعية وسياسية عامة وراسخة، وهو امر له الكثير من المصاديق في عدد من البلدان العربية والإسلامية، حيث يجري تمجيد شخوص مشبوهين وإبرازهم وإظهارهم للملاء في مقابل تسقيط أبطال حقيقيون يضحون بأنفسهم وأرواحهم وبحياتهم من أجل قضاياهم الحقوقية والسياسية العادلة، وتحريف مفاهيم وقواعد وثوابت الوطنية لصالح طرح أفكار تخدم مبدأ العمالة والخيانة والإرتزاق.
أخبار ذات صله