fbpx
صدور كتاب (الأسلحة التقليدية في الشعر الشعبي اليمني)
شارك الخبر

تأليف – د.علي صالح الخلاقي
الشعر بشكل عام من بين المصادر التاريخية التي يمكن الرجوع إليها في دراسة الأحداث والوقائع التاريخية ومعرفة أحوال المجتمعات والتعرف على المسميات للآلات والأدوات المستخدمة في المراحل المختلفة.
وليس هناك من شك في أن الشعر الشعبي في بلادنا اليمن، شمالاً وجنوباً، سواء قبل الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في عام 1990م، أو بعد تلك الوحدة المتسرعة والفاشلة التي تحولت إلى احتلال للجنوب بعد حرب اجتياح الجنوب وإلغاء الشراكة في يوليو 1994م، يعتبر مصدرًا مهماً من مصادر التاريخ الحديث، بما يشتمل عليه من وقائع وأحداث ومسميات، ويُعَد خير عون لنا في  التعرف على الكثير من المظاهر الحضارية العسكرية التقليدية في بلادنا، التي نفتقدها نظراً لغيابها في المؤلفات المتخصصة، وندرتها في الشعر الفصيح، وذلك من خلال الرجوع إلى قصائد الشعراء الشعبيين التي نظموها في حقب مختلفة وفي أغراض متعددة منها الفخر والحماسة والهجاء منذ أن كان الفرسان يتبارزون بسيوفهم ورماحهم وحتى دخول البندقية البدائية ذات الفتيلة ووصولا إلى البنادق النارية الحديثة، بل ونجد ضالتنا حتى في قصائد الغزل من خلال تشبيهات الشعراء لعشيقاتهم بضروب من تلك الأسلحة التقليدية التي راجت وشاعت في عصرهم أو بأجزاء منها، وهو الأمر الذي حفظ لنا الكثير من تلك المسميات المحلية والأجنبية.
ولا بد لنا في البدء من تعريف السلاح بشكل عام، ثم السلاح التقليدي. ومن المعروف أن السلاح هو أداة تستعمل لغرض الدفاع، الهجوم، أو التهديد أو أثناء القتال لتصفية أو شل الخصم أو العدو، أو لتدمير ممتلكاته أو لتجريده من موارده. وعلى الصعيد العملي فان تعبير السلاح يمكن أن يطلق على كل ما يمكن أن يحدث ضررا ماديا وبذلك تتفرع الأسلحة إلى عدة أنواع من البسيطة انطلاقا من الهراوة مروراً بالسلاح الأبيض وصولاً إلى الصاروخ العابر للقارات.
والسلاح التقليدي هو بصفة عامة سلاح تنبع قدرته وضرره من الطاقة الحركية أو الحارقة أو الطاقة المتفجرة ويستبعد استخدام أسلحة الدمار الشامل (مثل الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية). وأي سلاح يستخدم في الجرائم أو الصراعات أو الحروب يصنف كأسلحة تقليدية ويشمل الأسلحة الصغيرة والدروع الدفاعية والأسلحة الخفيفة والألغام البحرية والبرية وكذلك القنابل والقذائف والصواريخ غير المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والذخائر العنقودية.
ومنذ العصور الأولى التي عرفها الانسان استخدم السلاح لسببين، سبب يتعلق بالدفاع عن النفس وتفادي الأخطار، وسبب يتعلق بتحصيل احتياجاته ومكاسبه من الصيد وغيره. وخلال مسار التاريخ تطورت صنوف الأسلحة من الأبسط إلى الأعقد، وكانت واحدة من أهم العوامل التي حددت مسار التاريخ وصقلته. وفي التاريخ العربي كانت السيوف والرماح أشهر الأسلحة الحربية المعروفة، وعُدَّة الفارس والمحارب لأزمنة طويلة خلت، ولذلك زخر الشعر العربي الفصيح بالحديث عن السيف والرمح وكل ما له صلة بهما من المرادفات الشعرية التي رددتها الألسن، وسارت بها الركبان، وعتقها الزمن حتى صار التغني به أحد أغراض الشعر الرئيسية في الأدب.
ولم يفلح البندق منذ ظهوره في منافسته لاحتلال المكانة التي تبوأها القوس والسيف والرمح في قلوب الناس، أو التسلط على وجدانهم، ولم يلهم الأدباء والشعراء كما عمل السيف والرمح. ولم يَقُل أحد فيه أي شيء يشبه تلك الملاحم التي قيلت في السيف وألهبت مشاعر الناس آلاف السنين. وسبب ذلك أن البندق يفتقر إلى تلك المفردات التعبيرية التي اكتسبها السيف، كما أن اللغة لا تشمل مرادفاً لكلمة البندق نفسها، مقارنة بالسيف الذي توفرت له عشرات المرادفات المعبرة. وإذا ذكرت أنواع البندق فإنما هي كلمات تميّز مصدر صنعه. وعندما دخلت البنادق الحديثة صارت أسماؤها هي نفس الأسماء الأجنبية التي استورد باسمها.
لذا فإنه ليس غريباً أن لا يشتمل الشعر الفصيح في بلادنا وفي غيرها إلا على إشارات وشواهد قليلة في ذكر البندق، وأغلبها ألغازاً، وإذا ذكر البندق في الشعر فإنما للإيحاء بالمنعة والقوة، ولكن ليس للشجاعة قطعاً، ويفتقر إلى عنصر المبارزة والمواجهة والمهارة التي يتميز بها السيف وحامله( ).
بيد أن الشعراء الشعبيين عوَّضوا فيما قصر فيه شعراء الفصحى. وكان لدخول البندقية لأول مرة في حضرموت نقطة تحول هامة في تاريخ حضرموت عامة حيث سجل بداية التحول من السيف والرمح والجنبية إلى البندقية التي جاء بها الأتراك (العثمانيون) في عهد السلطان بدر أبي طويرق الذي اتفق معهم على تجنيد جيش منهم يخضع به حضرموت ويلقّح بهمته وشجاعته أرواح رجاله، فوردت إليه الجنود التركية وهو بالشحر في شهر جمادي الآخرة سنة (926هـ/1519م). يصف ابن هاشم دخول الأتراك حضرموت، وما أصاب أهلها من رعب، جراء إدخال البندق معهم بقوله:”ومما زاد في رعب أهل حضرموت هو ما يحمله جيش الأتراك مع بدر بأيديهم وعلى أكتافهم من الاختراع الغريب في ذلك العهد، ما يسمعه الناس من الصوت المزعج الذي يصم الآذان خارجاً من فم تلك الآلة القاتلة، وهو اختراع جهنمي ليس لحضرموت عهد بمثله قبل قدوم جند الأتراك به، وذلك هو بندق (أبو فتيلة) فكان لظهوره دوي عظيم بين كل الطبقات”( ).
 وأطلق الحضارم على بنادق العُلُوق (أبو فتيلة) اسم بندق (روم)، لأنهم كانوا يسمون الأتراك بـ(الروم ). وعززت تلك الأسلحة من قوة الجيش الذي بناه السلطان بدر أبو طويرق والمكون في معظمه من عناصر من خارج حضرموت من يافع والعثمانيين والموالي الأفريقيين وغيرهم، وذلك حتى يضمن ولاءهم، وعدم تمردهم عليه( ). وكان لتلك الأسلحة التي أمدها به العثمانيون أثرها الفعال في استخدامها ضد معارضيه من القبائل ومنافسيه من آل كثير واحراز النصر المؤزر ضد خصومه حينها( ).
 وأحدث ظهور البندق لأول في حضرموت أثراً كبيراً على شكل وأساليب الحروب، بل وعلى المجتمع الحضرمي بشكل عام، بطرق لم يحدثها أي سلاح آخر تقريباً. وبمرور الوقت حلت البنادق محل أسلحة الحراسة القديمة، لكن ببطء لأنها كانت أكثر كلفة من الناحية الاقتصادية. وسرعان ما أجاد الحضارم استخدام البنادق وأصبحت، تقريباً، حتى منتصف القرن العشرين جزءاً لا يتجزأ من عتاد القبائل( ).
لا شك أنه توفر للشاعر الشعبي ذخيرة لا بأس بها من المفردات والكنايات العامية للبارود والرصاص والبنادق والأسلحة ما ترفع عن استعمالها شاعر الفصحى الذي ظل مرتبطاً بمدح السيف والرمح. والتفسير المعقول لهذه الظاهرة، كما يقول المؤرخ عبدالله محيرز هو أن الطبقة التي تعاملت مع البندق اختلفت عن تلك التي اقتنت السيوف. فقد حمل السيف الخلفاء والوزراء والملوك والأدباء والمثقفون جميعاً إلى جانب العسكر وعامة الشعب.  وبرز في استعماله كثير من الأدباء والشعراء وذوي الرئاسة. بل ندر أن يبلغ الرئاسة من لم يحسن استعماله. وعلى عكس ذلك بالنسبة للبندق، فقد قلَّ أن حمله هؤلاء. بل انحصر تداوله في العسكر، والقبائل البدوية، والحرفيين من صناع البندق والذخيرة( ).
وهكذا انعكس تأثير ظهور البندق بصورة واضحة في مضامين الشعر الشعبي،  ووجد الشعراء الشعبيون في البندقية بصنوفها ومكوناتها مادة خصبة للمفاخرة وبث الحماسة، كما استخدموها أيضا في التكنية والتشبيه في قصائدهم الغزلية، وسرعان ما استأثرت البندقية والأسلحة النارية الحديثة بكل صنوفها بنصيب وافر في نتاجاتهم، وحلت في المرتبة الأولى في الاستشهاد والتشبيه والفخر والتهديد مقارنة بالأسلحة البيضاء (السيف والرمح والجنبية)، حيث اتاحت اللهجة لهم استخدام وتوظيف المسميات المحلية والأجنبية للبنادق النارية ومرفقاتها دون قيود معينة أو تحفظات، بعكس شعراء الفصيح، ولذلك يجد المتابع للشعر الشعبي حصيلة وافرة من مسميات تلك الأسلحة التقليدية في الأبيات والقصائد التي تصف أو تتغنى بالبنادق والأسلحة التقليدية أو المفاضلة فيما بينها وهو ما لا يمكن العثور عليه في أي مصدر آخر.
ما يجب قوله إن أساس هذا البحث كان ورقة عمل تقدمت بها إلى الندوة العلمية التي نظمها مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر في مدينة شبام حضرموت 27-28 أكتوبر 2018م تحت عنوان “المظاهر الحضارية العسكرية التقليدية في حضرموت”. وكان عنوان بحثي (الأسلحة التقليدية في الشعر الشعبي الحضرمي)، وضم 100من صنوف الأسلحة التقليدية وملحقاتها، كما تتبعتها في مضان الشعر الشعبي الحضرمي، فكان ذلك فاتحة شهية دفعتني للتفكير والبدء في توسيع إطار البحث، بحكم اهتمامي بالموروث الشعري وتتبعي لنتاجات الكثير من الشعراء الشعبيين، خاصة في المحافظات الجنوبية ومحيطها، لا سيما وأنني وجدت مادة مغرية، تتعرض لمسميات كثيرة من صنوف الأسلحة التقليدية والحديثة لم أصادفها في نتاجات الشعراء الحضارمة.
وهكذا سعيت جاهداً في تتبع ورصد الإشارات والشواهد المتناثرة، هنا وهناك، التي تعرضت للأسلحة، قديمها وحديثها، وبمختلف أنواعها وأجزائها، من خلال عشرات المصادر والمراجع التي حوت نتاجات عشرات من الشعراء الشعبيين في مختلف مناطق بلادنا، حتى وصلت إلى هذا العمل الذي يضم 265 من مسميات الأسلحة قديمها وحديثها، بما في ذلك الأسلحة البيضاء، والأسلحة التقليدية القديمة والحديثة، وقد انتقيت ما يناسب البحث من الشواهد الشعرية الكثيرة التي أتيح لي الاطلاع عليها والابحار في مضانها لأجد ضالتي، وهو عمل استغرق مني وقتاً وصبراً وجهداً لا يدرك كنهه إلا المشتغلون في البحث العلمي. وقد أوردت صنوف الأسلحة مرتبة حسب الترتيب الهجائيّ أو الألفبائيّ لسهولة تتبعها من قبل القراء والمهتمين، كما أوردت اسماء المصادر والمراجع التي استندت إليها في قائمة متسلسلة نهاية الكتاب.
**************
(مقدمة الكتاب)
أخبار ذات صله