fbpx
همس اليراع .. الكرة في ملعب الشقيقة الكبرى

 

كتب – د. عيدروس نصر.
(1)
أسئلة كثيرة يثيرها موقف الأشقاء في التحالف العربي وعلى الأخص الأشقاء في المملكة العربية السعودية مما يجري على الساحة من صناعة مشاهد سريالية وتركيب معادلات عبثية، من تلك الكوميديا السوداء التي تمارسها الشرعيات اليمنية.
المملكة الشقيقة رعت حواراً جنوبياً شمالياً، في جدة، أو لنقل حوارا بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية (الشرعية)، انتهى باتفاق الرياض الذي أكرر مرارا أن المجلس الانتقالي قدم فيه تنازلات كبيرة تقديراً لجهد الأشقاء، وأملاً في نزع فتائل الاحتقانات التي يصنعها متهورو الشرعية، لكن السؤال أين وصل الاتفاق؟
لقد خرقته الشرعيات ورفضت أن تنفذ أبسط بنوده وهو دفع المستحقات الشهرية للموظفين الجنوبيين المتوقفة منذ عدة أشهر، كما ازدادت الخدمات الأساسية في عدن وجاراتها الجنوبيات انهيارا فوق انهيارها ما قبل الاتفاق، وهو إفشال متعمد للبند الأول من اتفاق الرياض؟
لم يسحب (الشرعيون) القوات القبلية (الشرعية) التي دخلت شبوة وأبين غازيةً وقتلت وفتكت ونهبت ودمرت وما تزال تواصل سلوك العصابات الإجرامية وتحت عباءة الشرعية، وعلى مسمع ومرأى من الأشقاء في السعودية.
أيها الأشقاء الكرام!
 لقد قلنا مراراً إن الشعب الجنوبي لن ينسى لكم الدور الذي قمتم به في مساندته ودعمه في دحر الغزو وتحرير الأرض في العام 2015م، بالمشاركة الفاعلة من قبل الأشقاء في دولة الأمارات العربية المتحدة، وبالتأكيد بآلاف الأرواح وأنهار الدماء الجنوبية التي بذلها أصحابها عن رضىً وقناعة في سبيل الحرية والكرامة، لكن هذا لا يمنعنا من التساؤل، والتساؤل مشروع: هل تعتقدون أيها الأشقاء أن لدينا مزيداً من الصبر حتى نتحمل عبث العابثين وألاعيب المتلاعبين، الذين يسلمون المواقع للحوثيين في الشمال ويحشدون حشودهم باتجاه  الجنوب؟ وفي هذا السياق : هل تشاهدون ما يفعلون؟ وهل أنتم راضون عنه؟ أم أنكم لا تعلمون ما يعلمه تلاميذ الإعدادية والابتدائية من أفاعيل هؤلاء الشركاء غريبي الأطوار والسلوك؟؟
أننا نعجز عن التمييز بين حكمتكم التي تحدث عنها المؤرخون، وبين المرونة المفرطة التي تبدونها تجاه من أفشلوا عاصفة الحزم واستدرجوكم إلى الوقوع في أخطاء ما يزال العالم يثير الصخب الإعلامي بشأنها بين حينٍ وآخر، وهي أخطاء كان يمكن عدم حصولها لو أنكم راهنتم على من يستحقون الرهان.
أعتذر لصراحتي معكم ـ أيها الأشقاء ـ لكنني أقول لكم ومن منطلق الحب والحرص عليكم، لقد خسرتم المعركة في الشمال بسبب الغش والخداع الذي يمارسه عليكم من راهنتم عليهم من حلفاء الاتجار بالحروب والاستثمار في الفتنة، الذين استمرأوا الاضطجاع على الأرائك، وتقاضي المليارات مقابل ما لم يفعلوه من الواجبات، واكتشفتم بعد خمس سنوات، أنهم عاجزون حتى عن حماية النصر الصغير الوحيد الذي تحقق بحسمكم والأشقاء في دولة الإمارت، فعادوا القهقرى إلى مأرب وها هم يتفاوضون مع الحوثيين على كيفية تسليم مأرب والجوف بدون مواجهة.
لقد استجبتم لطلبهم بعودة القوات الإماراتية بعد أن قدمت ما قدمت من التضحيات وحققت ما حققت من النجاحات (وهذا موضوع سنتناوله في مكان آخر) فانظروا ماذا أنجزوا بعد انسحاب القوات الإماراتية من مأرب، وراقبوا كيف ستسير الأحداث والكل يتطلع منهم إلى برهان واحد يثبتون فيه أنهم لا يخدعونكم ولا يبتزونكم ولا يتواطأون مع أعدائكم، لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا.
لقد خسرتم المعركة في الشمال فهل تنوون أن تخسروها في الجنوب؟
صحيح أن الجنوبيين صادقون ومخلصون ولديهم كمٌ مفرط من البراءة ، ولا يجيدون اللعب على الألوان وخلط الأوراق، لكنهم واقعيون ولا يطلبون من أحد السقف الأعلى لتطلعاتهم فذلك ستفرضة حتمية الصيرورة التاريخية في أوانه المناسب، بيد أنهم (الجنوبيين) وقد قدموا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وهزموا المشروع الفارسي على أرضهم في أقل من مائة يوم، لن يقبلوا أن يستدرجهم أحد مرة أخرى إلى الإذعان لفلسفة الفرع والأصل، والأغلبية والأقلية، أو جرهم إليها بالإكراه، والتفريط بالأهداف التي ضحى من أجلها الشهداء والجرحى والأسرى والمخفيين قسراً، وسيقاومون من يحاول إكراههم على ذلك حتى لو كان من أعز أعزائهم.
لقد نفد صبر الجنوبيين وبلغ مداه الأقصى وإذا كان الضغط يولد الانفجار فلطالما راهن نظام 7/7 على تركيع الشعب الجنوبي عن طريق الضغط والكبت والترهيب، وقد لاحظتم كيف انفجر الضغط في وجه أصحابه وكيف كان الشعب الجنوبي أقوى من ألاعيب المتلاعبين ومكائد الكائدين.
لم يقل أحد ولن يقول أن شعب الجنوب مجموعة من الملائكة، فهو مثل كل الشعوب لا يخلو من بعض التافهين والمتواطئن، لكنه كشعب عانى من الظلم والإقصاء والقمع والتمييز والحرمان، لا يقبل أن يخضع للابتزاز أو الترهيب، وعلى من يفكر في إجبار الشعب الجنوبي على تقبل التعايش مع الإرهابيين وتجار الأديان وبائعي الشعارات “الوطنية” و”الوحدوية” و”العروبية” المزيفة أن يعلم أنه سيخسر شعباً وفياً صادقاً يقابل الجمائل بمثلها ويتصدى للأباطيل والمكائد بأقوى منها، أما أولائك قد خبرناهم على مدى ثلاثة عقود وذقنا من تعاملنا وتعايشنا معهم ما هو أمر من الأمرين.
للأشقاء في السعودية نقول، لقد وقع ممثلونا اتفاق الرياض تلبيةً لدعوتكم واحتراماً لجهدكم، وليس طمعاً في أي مصلحة موسمية مما لا نبحث عنه ولا نأبه به، فهل تستطيعون ردع الطرف الآخر وإجباره على تنفيذ ما تعهد به، وهل تستطيعون لجم من يتبنون الجماعات الإرهابية وإدراجها في قوام ما يسمونه “القوات الشرعية”؟
إن الكرة في ملعبكم أيها الأشقاء فبعد انقضاء فترة اتفاق الرياض تبقى النوافذ مفتوحة والطرق سالكة لكل الخيارات الممكنة، لكن خياراتٍ غير مستحبة قد تفرض نفسها رغما عن الجميع إن لم تسارعوا إلى وأد الفتنة التي يعد لها المتمردون “الشرعيون” بضربهم اتفاق الرياض عرض الحائط والرهان على صناعة معطيات جديدة تمكنهم من إعادة السيطرة على الجنوب من بوابة أنهم “الشرعيون الوحيدون” وأن الشعب الجنوبي متمردٌ وانقلابي وغير شرعي، حتى لو كلفهم ذلك أن يسلموا كل الشمال لمشروع إيران، وحتى لو أدخلوا الحوثي إلى الأراضي السعودية، فماذا أنتم فاعلون؟؟؟
حبنا لكم يدفعنا إلى دعوتكم إلى الحذر ثم الحذر ثم الحذر من التصادم مع الشعب الجنوبي وتطلعاته، فهذا لن يكون في صالحكم فلا تخسروا الشعب الجنوبي بعد أن أوقعكم “الشرعيون” في فخ خسارة الشعب الشمالي.
والله على ما أقول شهيد.
(2)
أعود وأُأَكد مرةً أخرى أن موقف الأشقاء في المملكة من التطورات الأخيرة في الجنوب (وحتى في الشمال) يثير تساؤلات بقيت وما تزال معلقة، دونما إجابات وقد يطول انتظار إجاباتها إذا ما استمر الموقف الغامض للأشقاء مما يجري من الأحداث التي تلحق الضرر البالغ بالجميع، وبدرجة أولى بالمملكة نفسها.
لا أدري هل سأل الأشقاء، (أصحاب أكبر مركز في العالم لمكافحة الإرهاب)، السلطات الشرعية في اليمن التي ينفقون على بقائها على قيد  الحياة مئات المليارات سنويا، هل سألوها: كيف جرت استضافة قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لدى السلطات المحلية في محافظة مأرب العاصمة الفعلية للشرعية، وبقائه هناك لعدة سنوات متواصلة آمناً مؤَمناً محمولاً مشمولاً (كما تقول العرب) حتى قضى نحبه بضربة من طائرة أمريكية بدون طيار؟
لا يمكنني التشكيك في جدية الأشقاء في المملكة في محاربة الإرهاب، لكن التساؤل مشروع، وأحد بواعثه، هو: كيف نفهم حرب السعودية على الإرهاب وهي تدعم شرعيات تحتضن الإرهابيين وتأويهم وتتستر عليهم والأكثر من هذا تعينهم في مناصب قيادية رفيعة، وبمكافآت باهظة، وعلى حساب الدعم المقدم من الخزينة السعودية؟، وبعبارة أخرى إن السعودية تنفق أموالاً طائلة لمن يهددون السلم والأمن في أرضها ويكرسون نشاطهم ضد حكومتها.
يمكننا فهم تلك الحالة الحميمية بين بعض شرعيات الشرعية اليمنية وبين جماعات داعش والقاعدة وأنصار الشريعة فجذور هذه العلاقة تضرب عميقا في تاريخ السياسة اليمنية، لكننا لا نستطيع فهم التقاعُس السعودي تجاه هذه العلاقة والسكوت عما تختزنه من ألغام وما تقود إليه من تفجيرات مدمرة لن تكون المملكة في مأمنٍ من تداعياتها.
يقول بعض المشككين في موقف السعودية من الأزمة اليمنية أن سقوط شبوة بيد قبائل بن معيلي وآل طعيمان في أغسطس الماضي قد جاء برضى السعودية ودعمها، ويبالغ بعض المشككين إلى القول أن المملكة ليس من مصلحتها خلق حالة من الاستقرار والتنمية في اليمن، (شمالا وجنوباً) وإلا كيف تنفق مئات المليارات على العمليات الحربية الفاشلة وعلى تجار الحروب المحترفين وتزهد في إقامة محطة كهرباء أو مستشفى أو رصف طريق للربط بين مدينتين أو ثلاث مدن من الأراضي المحررة وهو ما لا يكلف رُبع ما تنفقه في اليوم الواحد على الجبهات التي تتساقط بأيدي الحوثيين يوما بعد يوم؟
نحن ننقل هنا ما يقوله المتسائلون الذين لا نشاطرهم بالضرورة كل ما يقولون لكننا نعجز عن تفسير مواقف الأشقاء الكرماء جداً مع الجميع والأكثر كرماً مع القتلة والمجرمين ومن يتآمرون على المملكة نفسها ومن داخل فنادقها وقصورها.
وبالعودة إلى اتفاق الرياض، أعيد التأكيد بأن هذا الاتفاق لم يلبِّ شيئا من مطالب الجنوبيين، ولا يقدم أقل القليل مما يناضل من أجله الجنوبيون منذ ربع قرنٍ ونيف، لكن تمسكنا به هو التمسك بالحد الأدنى من وسائل نزع فتيل الفتنة التي أشعلها ويعيد محاولة إشعالها المقيمون في العليا والناصرية بمدينة الرياض، لكن إذا ما تحول هذا الاتفاق إلى سبب من أسباب فتنة جديدة تلوح بوادرها في أفق الشرعيات، فإن الجنوبيين سيكونون في حلٍ من أي التزام قطعوه على أنفسهم لأن الآخرين لم يفعلوا شيئا مما تعهدوا به، بل راحوا يعدون العدة ليس فقط لإسقاط الاتفاق فقد أسقطوه يوم رفضوا تنفيذه بل للعودة إلى نقطة ما قبل الاتفاق واستئناف مخطط السيطرة على ما منعهم الاتفاق من السيطرة عليه.
أيها الأشقاء!
أنتم من أعد الاتفاق ورسم المراحل الزمنية لتنفيذ خطواته، وتعلمون أن من يعرقلون تنفيذه يقيمون في دياركم وتستضيفونهم لسنوات قد تطول وتطول، وهم لا يسخرون من الشعب الجنوبي ولا من جماهير الشعب الشمالي التي يزعمون تمثيلها، بل يسخرون منكم وبكم ويتبجحون أن قراركم بأيديهم، وأن لديهم من الأوراق ما يجبركم على الإذعان لمطالبهم.
اتفاق الرياض هو اتفاق من صنعكم ونجاحه هو نجاح لكم وفشله هو فشل لكم فاختاروا النجاح أو الفشل فقد أوقعكم ضيوفكم في أكثر من فشل وهم يحرصون على استمرار هذا الفشل لأنه يمثل الحنفية التي لا ينفكون عن ملء أوعيتهم مما يسيل منها من مكاسب لهم ولشركاتهم ولاستثماراتهم وأولادهم وأحفادهم، أما  الحوثي والحوثيين فهم إخوتهم ومن أهل البيت كما قال قائلهم وأمعاء الإنسان تتضارب داخل بطنه لكنها لا تستغني عن بعضها كما قال آخر.
أيها الأشقاء الكرام!
الكرةُ في ملعبكم وحدكم فلا تفرطوا باتفاق الرياض حتى لا تدفعوا الشعب الجنوبي إلى البحث عن خيارات بديلة هي في المتناول ولن يثنيه عنها أحد إذا ما فشل هذا الاتفاق على أيدي محترفي الفشل والإفشال.
والله من وراء القصد.