fbpx
مصر والحراك الجنوبي/ عادل الجوجري
شارك الخبر

مصر والحراك الجنوبي

عادل الجوجري

وسط زحمة الاستغراق في الشأن المحلي وانهماك التيار الإسلامي الذي حصد أصوات الناخبين فوجد نفسه مسيطرا على البرلمان، وقد يشكل الحكومة ،وسيؤثر في انتخابات رئاسة الجمهورية ،بدا واضحا أن القضايا العربية تراجعت في سلم اهتمامات البرلمان، بل وتعاطي النخب السياسية بصفة عامة ،ناهيك عن ارتباك وتسرع شاب موقف البرلمان من القضية السورية فقرر قطع العلاقة مع البرلمان السوري وأيد سحب السفير المصري من دمشق وسفر السفير السوري من القاهرة في حين أن السفير الصهيوني لازال موجودا في مصر يأكل من خبزها المدعم، ويشرب من نيلها،وهذه المفارقة توضح إلى أي مدة ساد الارتباك العقل السياسي المصري المنزوي في كهف همومه الداخلية دون أفق عربي.

من هنا لم يأت ذكر اليمن في أي حديث سياسي في البرلمان ،ولاعلى لسان رئيس الحكومة وباستثناء معالجات خجولة من الصحف والفضائيات لأخبار يمنية متناثرة لاتكاد تجد حضورا للشأن اليمني فكيف الحال مع القضية الجنوبية؟

القضية الجنوبية هي القضية الأكثر حضورا في الساحة اليمنية ،وهي لها عندي اعتبارات عديدة لذلك أردت أن اكتب هذا المقال كرسالة إلى الأشقاء في جنوب اليمن ،نقول لها نحن معكم، نشد من أزركم ونشد على أياديكم، وممتنون لدوركم في تحريك المد الثوري العربي ،وانقل فيها انطباعاتي عن مدن زرتها، ومشاعري عن أصدقاء بصفاء السحاب عرفتهم،واكتب عن  قطعة من أرض العرب ورحيق العروبة فوجدتني احفر السطور فوق جبين الزمن السطور التالية:

( هي الجنة الموعودة في سير الأولين ،هي الحلم بعيد أو قريب المنال،هي الكحل التي به تتسع حدقة العين فأرى الكون غير ماكان ولا كان،هي الواقع والحب الحلال ،هي الأرض الطيبة هي الضالع وعدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت وكل الأسماء التي علمها الله لآدم،هي  شبر من أرض الجنوب،هي الصداقات الخضراء ،هي العفة والعفيف ،هي المسبح والمسبحة ،هي آيات الكتاب السماوي ،وهي ديوان شعر لم يمسسه بشر،هي الانحياز الايجابي وعدم الحياد،هي ثروتي من  أخوة وأخوات من أبناء لم تلدهم بطن أمي لكنهم ظلوا في ضميري أغنية فيها مافيها من شجن ،يتسلل كالندى عند الفجر على جدران هذه المدن التي لها في التاريخ تاريخ،وهي التي كلما سمعت عنها حكايات ظننت أنها الأساطير ،وحتى أسماء قياداتها مثل الأساطير،وكل ماجرى فيها مثل الخل الوفي  الذي راحوا يبحثون عنه في صنعاء فما وجدوا إلا الغدر يكمن في جوف القصر ،وخلف الجدار وأن أنصار نظرية (عودة الفرع إلى الأصل)حاضرون، متربصون ،مدججون بفقه القبيلة ودسائس العسكر،يحيكون المؤامرة وفي كل المؤسسات بغية التهام كعكة الجنوب.،وتراب الجنوب وعطر الجنوب.

وأجمل مافي الجنوب شبابه ،فهناك 60%من أبناء الجنوب تحت سن الخامسة والعشرين ،وهذا يعني أنه مجتمع شبابي يضج بالحيوية والقدرة والرغبة في الإنتاج ،والحماسة لصنع مستقبل لهذا الجيل الذي يحلم بالحداثة والتنمية، والأهم من ذلك كله الكرامة الوطنية.،فليس هناك لدى الجنوبي أغلى وأنفس من الكرامة حتى النفس تهون أمام الكرامة.

من هنا يمكن أن نفهم لماذا اعترض الجنوبيون على عبد ربه منصور مع أنه جنوبي أو شبه لهم ،فهم يريدون مجتمعا حديثا وشفافا، ولا يريدون هذه الوحدة البائسة التي لم تنتج إلا الفقر والتهميش وإهدار الكرامة ومع أنني وحدوي الفكر والمسلك إلا أن ماجرى في جمهورية اليمن لاسيما بعد حرب صيف 94ليس وحدة ، ولا تضامن ولا تكامل ،وإنما ضم ونهب وإلحاق وفيد واستنزاف لثروات الجنوب، والأهم استنزاف طاقة شعبه وقدرته على الحياة الحرة الكريمة.

لقد اثبت الجنوبيون مجددا أنهم أصحاب حضارة وثقافة وإرادة ،وليس عندي شك أنهم سيحققون هدفهم الذي تتجمع حوله إرادة الأغلبية وليس عندي أي اعتراض على ماترتضيه الأغلبية ،فهذه هي الديمقراطية، كما أن سيدنا رسول الله”صلعم ” قال  فيما معناه ” أن أمتي لا تجتمع على خطأ”،لذلك أيدت قرارهم في مقاطعة ورفض الاستفتاء على انتقال السلطة إلى عبد ربه منصور في تمثيلية مفضوحة ومكشوفة لا تنطلي على أحد فضلا عن الشك أصلا في الجهات الدافعة إليها والمتحمسة لها وهي مجلس التعاون الخليجي الذي صاغ مبادرة من حجم ونوع المؤامرة التي صادرت حق الشعب اليمني في اختيار النظام السياسي الذي يريده والقيادات التي تعبر عنه،ومن هنا انحزت إلى قرار أهل الجنوب وأعلنته في “قناة الحدث” التي اعمل فيها مستشارا سياسيا ،وحرصت القناة على استضافة قيادات الجنوب من كل الأعمار والاتجاهات من المهندس حيدر عطاس إلى الدكتور  حسين عاقل مرورا بقيادات من كافة الحساسيات السياسية الجنوبية إدراكا لحقهم في التعبير عن قناعاتهم التي يحاول كثيرون مصادرتها.

إن الحل الوحيد للقضية الجنوبية –في اعتقادي- يكمن في معرفة رأي الشعب بأي طريقة سواء استطلاعات الرأي الصادقة أو الاستفتاء أوالحوار المباشر مع أبناء الجنوب ومن كل الفعاليات ومنها القيادات التاريخية بكل تجلياتها وبدون استبعاد أحد ،وصولا إلى قيادات الحراك الشعبي التي ألهمت الثورات العربية فن العمل النضالي السلمي مهما كانت استفزازات السلطة،ومهما كان القصف المدفعي ، ومرورا بكل الأحزاب المشاركة في صياغة القرار.

إن اكبر خطأ سيرتكبه عبد ربه منصور وأي قيادة بما في ذلك الحزب الاشتراكي وأي حزب له منشأ جنوبي هو استبعاد رأي الشارع أو ادعاء أنه يمثله فقد ثبت جليا أن الشارع أصدق أنباء من الكتب ومن السياسيين ،ومن مجلس التعاون الخليجي ومجلس الأمن الذي ابتلع قراريه الخاصين بالجنوب 924و931رغم أنهما ينصان بشكل واضح على عدم الاعتراف بأي واقع ترسمه الحرب في الجنوب.

ومن البديهي أن مستقبل شعب الجنوب يرسمه شعب الجنوب بدون وصاية ،ولا استعلاء أيديولوجي ولا هيمنة من أي طرف،لأن من ضحى هو شعب الجنوب ومن حوصر هو شعب الجنوب ومن نهبت أراضيه وممتلكاته، وأهينت مشاعره الوطنية هو شعب الجنوب، لاسيما من فقراء القرى ،وبسطاء المدن وهؤلاء لايمكن تعويضهم بمال الدنيا في اتساعها، ولا ثروات  الأرض في دورانها وعمقها،ولا بمجلس النواب الذي لايجتمع ولا صناديق الاقتراع الملونة والملوثة ولا عبد ربه ولاعلي عبدالله صالح ولا أي كائنا ماكان إلا مايراه شعب الجنوب الذي ترابه من فضة ،لكن كرامته من ذهب،لذلك أقولها بكل حب واحترام للجميع:أيها المارون من أرض الجنوب ،والعابرون والمارون والفارون  من أرض الجنوب ، قفوا احتراما لشعب الجنوب،وقدموا قصائد الامتنان للحراك الجنوبي،وافتحوا كل النوافذ ،فغضبة أبناء الجنوب آتية لامحالة، وهي كالريح تقتلع كل الأشجار الواهية وتنزع الجدران من ثوابتها وتطيح بالعروش إن ظنت أنها راسخة ،والاهم من هذا كله أنها ترسم فوق قرص الشمس ابتسامة طفل ولد في الصباح وفي يده زهرة من أرض الجنوب.

* رئيس تحرير مجلة الغد العربي-مصر

أخبار ذات صله