fbpx
الديمقراطية آلة لإدارة الدولة وليست إيديولوجيا
شارك الخبر

بقلم / طارق الكلدي

هناك ثلاث شبه دينية يطرحها بعض من يرفض الديمقراطية من مشايخ المسلمين وهي:
١- أن الديمقراطية ظهرت في بلاد وثنية.
٢- لا يجوز العدول عن الشورى إلى الديمقراطية لقول الله: (( وأمرهم شورى بينهم )).
٣- أن الديمقراطية تعني حكم الشعب وهي بهذا المعنى كفر لأنها تقع في مقابل حكم الله القائل (( إن الحكم إلا لله )).

وللجواب على هذه الشبه أقول مستعينا بالله:

أولا: من العجيب أن ترد الديمقراطية بسبب نشأتها في بلاد وثنية!! فما علاقة مكان النشأة في الحكم على الأشياء؟! فالخير يبقى خيرا وإن نشأ في بلاد الكفر كما أن الشر يبقى شرا وإن نشأ في بلاد التوحيد. ونحن كمسلمين مطالبون -شرعا- بأن نبحث عن الحكمة لننتفع بها من أي مكان جاءت (( الحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجدها فهو أحق بها))، والمصلحة حيثما وجدت فهي شريعة إذا لم تعارض النص الصحيح الصريح، ولنا في كتب التراث الإسلامي ما يؤكد لنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام استفادوا من الأمم الأخرى في جوانب حياتية كثيرة ذكرها يستدعي حديثا مطولا.
إن رفض بعض المشايخ للديمقراطية بحجة أنها نشأت في بلاد وثنية انتقاء لا مبرر له، إذ كيف يرفضون الديمقراطية وحدها بهذه الحجج الواهية مع أن بقية أشكال الحكومات (الملكية والجبرية والأرستقراطية) يمكن أن يقال فيها ما قيل في الديمقراطية بدون أي فرق، كونها جميعا نشأت في بيئات وثنية؟!، فلماذا لا يرفض الحكم الأرستقراطي بنفس الحجة التي رفضت بها الديمقراطية؟ ألم يكن هو الآخر قد نشأ في بلاد الهند أو روما ويعني حكم جزء من الناس فيقع في مقابل حكم الله؟!، فما الفرق بين حكم الشعب ( الديمقراطية ) وحكم جزء من الشعب ( الأرستقراطية ) حتى يفهم من الأول بأنه يقابل حكم الله دون الثاني؟!، وهكذا قل في الملكية وسائر أشكال الحكم الأخرى فهل يكون حكم الفرد في الملكية يقابل حكم الله أم لا؟!. من أجل ذلك يتبين لنا بأن رفض الديمقراطية وحدها بهذه الحجج دون سائر أشكال الحكومات الأخرى انتقي بعناية.

ثانيا: الشورى قيمة و مبدأ رباني، وآليات تنفيذ ذلك المبدأ اجتهاد إنساني، ولم يفرض الشرع صورة تنفيذية ملزمة لتطبيق ذلك المبدأ ولهذا تعددت أشكال الشورى واختلفت عند التنفيذ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين. ولذلك نقول بأنه لا تعارض بين الشورى والديمقراطية إذ يجوز لنا أن نعتمد الديمقراطية كآلة تنفيذية نطبق بها مبدأ الشورى الذي أمر الله به بقوله تعالى: (( وأمرهم شورى بينهم ))، فالشورى هي المبدأ الرباني والديمقراطية هي الاجتهاد الإنساني في تطبيق ذلك المبدأ، وبعبارة أخرى الشورى هي الغاية التي يجب تطبيقها والديمقراطية هي الوسيلة في تنفيذ تلك الغاية، والوسائل لها حكم المقاصد، فتدخل في دائرة المصالح المرسلة المقبولة شرعا لا في دائرة البدع المحدثة المردودة، مثلها مثل النظم الإدارية التي يتوصل بها لتنظيم مصارف الزكاة، أو مثل الخطوط في بساط المساجد التي يتم بها تطبيق تسوية الصفوف في الصلاة، لا أقل ولا أكثر، فأين هو التعارض في مثل هذه الأمور؟!

ثالثا: الديمقراطية منذ نشأتها لم تكن محصورة على إيديولوجيا بعينها، دينية أو غير دينية، بل هي واحدة من الآليات التي طرحها الفلاسفة حلا لمشكلة الطغيان فحسب. ولو كانت الديمقراطية محصورة بإيدولوجيا معينة لكان عرفنا ذلك من خلال كتب الفلسفة السياسية من عهد اليونان إلى اليوم.
فأفلاطون الذي يعتبر سؤاله الشهير(من الذي يجب أن يحكم؟) هو المدخل إلى الفكر الديمقراطي، لم يناقش إيديولوجيا الحكم، ولكنه حصر سؤاله في صاحب الحق في الحكم، وبذلك انحصرت الإجابة على سؤاله في ثلاث إجابات هي:
– الشعب: وهذا يسمى الحكم الديمقراطي.
– طبقة من الشعب: وهذا يسمى الحكم الأرستقراطي أو الأوليغارشيا.
– الفرد: وهذا يسمى الحكم الملكي أو الطغيان.
فلو كان لوجود أي من هذه الأنظمة الثلاثة علاقة بالإيدولوجيا لكان أفلاطون طرح سؤاله بطريقة مختلفة وسيقول: (بماذا يجب أن نحكم؟)!!، فهذا هو السؤال الذي يتطلب جوابا عن أفضل الأيديولوجيات التي تكون بمثابة المرجعية الدستورية التي يحتكم إليها.

رابعا: ربما قال قائل، وهذا الكلام نسمعه كثيرا: ألم تكن الديمقراطية حرية مطلقة وربما عادت تلك الحرية على الشريعة بالإلغاء ألم تحارب الأديان في الدول الديمقراطية مثل فرنسا وغيرها؟
فهذا السؤال بحد ذاته دليل على جهلنا بعالم الأفكار وهذا الجهل نتيجة طبيعية في الدول المستبدة لأن رفع مستوى وعي الناس سيكشف كثيرا من زيوف الاستبداد الذي هو سبب كل ما نعانيه في دول العالم المتخلف !!
فالديمقراطية لم تكن حرية مطلقة، كيف لا؟ وهي قيود للحاكم الذي يريد أن يمارس سلطته بلا أي مسئولية دنيوية، وهي قيود للشعب أيضا من خلال وجود السلطة والخضوع للقانون، فنحن بحاجة إلى مساحة كبيرة من الحرية لمنع الدولة من الطغيان وفي نفس الوقت نحن بحاجة إلى القانون لمنع تعسف حرية الشعب وتجاوز الحدود المسموح بها، فالديمقراطية هي حرية مقننة محكومة بسقف الدستور لا حرية مطلقة كما يزعمها البعض!!
أما كون قوانين بعض الدول تحارب الدين أو تحارب بعض جوانب الدين مثل فرنسا وغيرها فهذا أمر لا يتعلق بالديمقراطية (الآليات التي تدار بها الدولة ) بل يتعلق بالأيديولوجيا والمبادئ الدستورية التي تحكم ذلك البلد أو ذاك!!
فالديمقراطية في كل البلدان هي آلة لإدارة الدولة سواء طبقت في فرنسا اللائكية أو في إيران الشيعية أو في اسرائيل الصهيونية. وإنما الذي يتغير في حدود الحريات هو الدستور المحكوم عليه بسقف الأيديولوجيا التي تحكم الدولة لا أقل ولا أكثر .

أخبار ذات صله