fbpx
جمعدارات يافعيون في حيدر آباد- الهند

 

علي صالح الخلاقي

كان المهاجرون من الجنوب العربي, وخاصة من يافع وحضرموت, قد شكلوا نسبة كبيرة من المجندين في جيش ولاية حيدر آباد في الهند وكان اعتماد الحكام عليهم بدرجة رئيسية لما تمتع به أولئك اليافعيون والحضارمة من مميزات عسكرية وشجاعة وأمانة وإخلاص, وهو الأمر الذي جعلهم يحظون بمكانة خاصة من لدن الحُكّام ويعتمدون عليهم بدرجة رئيسية في قوام جيشهم وينعمون عليهم بالامتيازات والرتب العسكرية ، فقد ترقى البعض منهم إلى مراتب عسكرية في هذا الجيش وهي رتبة الجمعدارية. وكان الضباط العرب الرئيسيين الذي نالوا لقب الجمعدار من أصل جنوبي عربي، وقد كان هذا كافياً لمعرفة تكوين جيش نظام حيدر آباد، وقد اشتهر من هؤلاء بشكل خاص: الجمعدار عمر بن عوض القعيطي اليافعي والجمعدار غالب بن محسن الكثيري الحضرمي والجمعدار عبدالله بن علي العولقي من منطقة العوالق (شبوة حالياَ) وغيرهم ممن نالوا الشهرة الواسعة، وقد تولوا مراكز سياسية كبيرة قادوا الجيوش في حيدر آباد وكانوا من أقرب المقربين لدى ملك حيدر آباد، وأوثق الناس اتصالاً به، وقد ساعدتهم الظروف على امتلاك الأموال والعقارات. وفي منتصف ثلاثينات القرن الماضي بلغ عدد العرب الحضارم واليافعيين في حيدر آباد نحو عشرة آلاف يشتغلون كجنود في الجيش الغير النظامي، ويتعاطى العسكري الواحد معاشاً شهرياً قدره أربعة عشر روبية، أي نحو جنيه ونصف جنيه، ومنهم من يتولى حراسة خزائن الدولة ، وقصور سموّ النظام، وحرمه الخاص، وقصور الكثير من الأمراء والنواب والحكام، وكان الحكمدار على هؤلاء السلطان عمر بن عوض القعيطي اليافعي (توفي سنة1936م) وكانت تصرف له خزينة حكومة حيدر آباد نظير ذلك معاشاً شهرياً قدره 1320 روبية, وهو مبلغ كبير مقارنة براتب الجندي. ولكن تلك الحال لم تدم طويلاً ، فقد انهار ذلك المركز الاقتصادي، وتضاءلت تلك المنزلة السياسية ، ولم يبق من تلك الشخصيات البارزة سوى القعيطي اليافعي( ).

وتكشف دراستنا عن أسماء عدد من المهجرين اليافعيين ممن حصلوا على رتبة (جمعدار) ولم نسمع بهم من قبل, لأن عملهم ونشاطهم العسكري اقتصر على مهجرهم ولم يتعداه إلى مسقط رأسهم كما حدث مع الجمعدارات الثلاثة (القعيطي والكثيري والعولقي). والفضل في هذا الكشف التاريخي يعود للوثائق والمراسلات الأسرية التي حصلنا عليها من قبل البعض مشكورين والتي لولاها لما كان لنا أن نعرفهم عنهم شيئا، وهؤلاء هم:

1- الجمعدار عبدالحبيب ابن سالم احمد عمر أحمد عبدالله الحطيبي العمري البكري، يبدو أنه عاش متنقلا بين يافع وحضرموت والهند، ولا نعرف عام وفاته وأين لقي ربه.. لكنه عاش قبل عام 1219هـ كما جاء في وثيقة توكيل مؤرخة 30 ذو القعدة من ذلك العام من وريث الجمعدار وهو علي أحمد ابن عبدالرحمن ابن أحمد ابن عبدالله الحطيبي العمري البكري الذي وكَّل فيها القاضي عبدالحبيب ابن الفقيه أحمد ابن حيدر علي ابن عزالدين البكري وأقامه مقام نفسه في كل ما تركه مورثه الجمعدار عبدالحبيب ابن سالم مما خلفه في جهات بلاد حضرموت( ). وتذكر وثيقة أخرى، مؤرخة 1220هـ، أنه حصل الانقطاع الشرعي بين وَرَثة عبدالحبيب ابن سالم أحمد عمر الحطيبي العمري البكري وهم الشيخ الخضر ابن محمد عبدالله عنه وعن أخوته بوبك (أبوبكر) وعبدالكريم وعيال أحمد ابن محمد وعن كريمته فاطمة بنت محمد عبدالله في وريثة عبدالحبيب ابن سالم( )، وهذا يعني أنه عاش في الهند قبل وفاته بعقود حتى حصل على الجمعدارية، وبذلك يكون من أقدم من حصل على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة ممن بلغنا خبرهم فيما بين أيدينا من مراسلات تعود إلى تلك الفترة, وهذا لا ينفي أن يكون هناك آخرون أقدم منه ممن حصلوا على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة.

2- الجمعدار عبدالله حسين الخلاقي، ورد اسمه في رسالة مؤرخة 1230هـ.

3- الجمعدار عبدالقوي بن عمر حسين المرفدي، ورد اسمه في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ.

4- الجمعدار معوضة سعيد، ورد اسمه في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ.

 

5- الجمعدار مثنى بن.. ورد اسمه هكذا ناقصا في نفس الرسالة المؤرخة 1230هـ.

6- الجمعدار أبو بكر بن عوض بن علي بن عمر الفتح الدغشري العكري الخلاقي الموسطي اليافعي، ورد اسمه الكامل في رسالة بعث بها إلى أخيه عبدالقوي بن عوض بن علي بن عمر الفتح الخلاقي اليافعي مؤرخة في 22عاشور سنة 1264هـ/الموافق21/10/1848م. وفي وثائق ومراسلات عديدة يذكر فيها برتبته العسكرية (جمعدار)، بما في ذلك وثائق خاصة بورثته، وتوجد وثيقة بختمه مؤرخة 25جماد الآخر 1280هـ يقر فيها بوقفه طينا (ارض زراعية) من أملاكه لصالح مسجد الطلح في خلاقة. وتوفي سنة 1289هـ كما جاء في وثيقة توكيل من أخيه عبدالقوي بن عوض لموكله في الهند صالح عبد الخلاقي بتمثيله في كل ما ورثه الجمعدار في حيدر أباد.

7- الجمعدار محسن أحمد الشيبة الخلاقي، ورد اسمه ورتبته سنة 1257هـ في رسالة من أحمد عبدالنبي بن عوض بن دينيش البكري، وفي رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ.

8- الجمعدار جابر بن ناصر الرباكي الخلاقي، ورد اسمه ورتبته في رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ.

9- الجمعدار عوض بن عوض القعيطي ورد اسمه ورتبته في رسالة الجمعدار أبوبكر عوض سنة 1280هـ.

10- الجمعدار أحمد بن خلف بن عبدالله بن علي بن عثمان العبادي، امتلك نسخة مخطوطة نادرة من القرآن الكريم مكتوبة بخط يد جميل وغلاف جلدي، وفي خاتمها كتب ناسخها صالح بن حميد بن خميس بن محمد بن عبدالله المسكتي أنه قد ختم هذا الكلام يوم الاثنين 11 من شهر ذي القعدة سنة 1262هجرية. وورد اسمه مع لقب الجمعدار في رسالة مؤرخة 1264هـ من الجمعدار أبوبكر بن عوض الخلاقي، وكذا في عدد من رسائل أسرته.

11- الجمعدار حسين بن خلف العبادي، ورد اسمه الأول وكنيته فقط في رسالة من ناصر بن محمد احمد خلف وعبدالله بن محمد احمد خلف آل باعباد محررة يوم السبت سلخ القعدة سنة 1296هجرية. وقد يتبين لنا اسمه الكامل من وثائق أو مراسلات أخرى يمكن الحصول عليها مستقبلا.

12- الجمعدار علي بن أحمد خلف العبادي، ورد اسمه ولقبه في رسالة مؤرخة سنة1324هـ.

13- الجمعدار محمد بن أحمد خلف العبادي حسب رسالة محررة سنة 1355هـ..

14- الشاوش( ) السنيدي بن أحمد علي البكري، ورد اسمه ورتبته في رسالة من أحمد معاضة بن عوض البكري سنة 1230هـ ويذكر فيها أن السنيدي ابن أحمد البكري بخير وفي أتم الصحة والعافية وأنهم في بلاد واحدة ، هي بونة، وإذا كتب الله لهم بالعافية فأنهم مسافرين من الهند لسوء أحوال العسكرة بسبب خلاف الفرنجي(الانجليز) مع (الخوند راكي بونة). وكانت وفاته في 30 ذي الحجة (شهر عرفة) سنة 1233هـ بعد مرض عضال عانى منه طوال سنتين، حسبما ورد في رسالة من بندر مُنبي موجهة لعبدالحبيب بن أحمد حيدر الفقيه البكري وحيدر بن عبدالله بن أحمد الفقيه البكري.

15- الشاوش راجح بن فرج صالح السعدي ورد اسمه ورتبته في عدد من الرسائل, وقد تم اختياره وصيا على أملاك المتوفي في حيدر عباد عبدالرب صالح عوض الخلاقي, ومعه قاسم بن محسن السعدي, وكان كما يبدو من الرسائل من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية بين المهاجرين ويلجأون إليه في حل مشاكلهم وفي إصلاح ذات البين( ).

ولم تكن رتبة الجمعدارية مجرد قيادة عسكرية عليا في الجيش فحسب، وإنما كان من مهام الجمعدارية أيضاً القيام بالإشراف على أمور التجنيد والتسليح ودفع المرتبات للرجال العاملين تحت إمرة الجمعدارات، الذين كانوا يعمدون عند عملية التجنيد إلى اختيار الرجال المنتمين إلى قبائلهم ومناطقهم بالذات( ).

وممن بلغوا مرتبة سياسية عالية السيد صالح محسن اليافعي الذي شغل منصب نائب حاكم مديرية عادل آباد( ). ولا شك أن هناك آخرين من أبناء يافع عموماً قد بلغوا مراتب عسكرية وسياسية عالية في نظام حيدر عباد، لكن لم تصل إلينا أسماؤهم لانعدام التوثيق وصعوبة الحصول على المعلومات عنهم، وقد نحصل على وثائق ومراسلات في المستقبل من أرشيف الأسر اليافعية ذات الصلة بالمهجر الهندي تكشف المزيد من الأسماء ذات التأثير العسكري أو الاقتصادي وغير ذلك.


من بحث بعنوان (هجرات اليافعيين إلى الهند) قدمه أ.د.علي صالح الخلاقي إلى ندوة (الهجرة اليافعية عبر التاريخ) التي نظمها مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر في سبتمبر الماضي في كلية التربية -يافع.