fbpx
مبدأ إسلامي عظيم ( استقلال القضاء)..

🔹يردد كثير من القانونيين في مؤلفاتهم ومحاضراتهم أن أول من نادى بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء هو مونتيسكيو الفرنسي_ ( فيلسوف وقانوني مات عام ١٧٥٥م)-، وقد قال ذلك في كتابه ( روح القوانين) الذي نشره عام ١٧٤٨م..

🔹وهذا جهل كبير بمحاسن الشريعة الإسلامية وافتئات على مبدئ أصيل فيها، فلا سلطة لأحد على القضاء في الإسلام، ولا حصانة لأحد أمام عدالته كائنا من كان، وقد ورد ذلك في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين، وهناك نماذج ومواقف مشرقة تعبر عن ذلك في تاريخ المسلمين، ومما ورد:

🔹عن عائشة _ رضي الله عنها_ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) رواه البخاري (3475) ، ومسلم (1688) .

🔹قال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب _ رضي الله عنهما_ يا أمير المؤمنين إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته لتقصنه منه، فقال عمر رضي الله عنه: لَأَقصنه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقص عن نفسه، والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه) رواه أحمد وأبوداؤود والنسائي وصححه الألباني في صحيح أبي داؤود…

🔹ومن ذلك: (اختصم أبي بن كعب وعمر بن الخطاب على أرض، فقال أبي: يا أمير المؤمنين انصفني من نفسك، اجعل بيني وبينك رجلا، فقال عمر: زيد بن ثابت، وذهبا إلى بيته، وقال عمر: في بيته يؤتى الحكم، فقال زيد: اجلس هنا يا أمير المؤمنين، وقدم لها وسادة وتنحى له عن فراشه، فغضب عمر وقال: هذا أول جورك يا زيد، سوي بيننا في المجلس، ثم طلب زيد البينة والشهود من أبي، فقال: ليس عندي شهود؛ فقال: إذن يحلف عمر ولكن اعف أمير المؤمنين من اليمين، فغضب عمر وقال: أهكذا يقضى بين الناس، ثم حلف..وقال: لا يدرك زيد القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء) رواها وكيع بن الجراح في كتابه ( القضاة) ١ /١٠٨_١١٠..

( ولد وكيع سنة ١٢٩هجرية ومات سنة ١٩٧، أي انه عاش في القرن الثاني الهجري وكتابه مرجع نفيس في القضاء فأين من لا يعرف إلا مونتيسكيو الذي جاء بعده بألف ومائتين سنة تقريبا)…

🔹وأما ما ورد عن العدل في القرآن والسنة فهو أكثر من أن يحصر، فالعدل كما قيل: ( جذر وأساس القيم السياسية الإسلامية التي يبنى عليها النظام السياسي في الإسلام).

🔹وللأسف ..اليوم يفتخر الغرب باستقلال القضاء في بلدانهم، ويحاكمون الرئيس والوزير إذا أساء استخدام السلطة او تعدى على الحق العام أو الخاص، والأمثلة في هذا كثيرة معروفة وليس آخرها المناداة بمحاكمة ترامب، وأما قضاء المسلمين فأصبح مضرب المثل في الفساد وشرعنة الظلم وتقديس الظالم، على حد قول الشاعر:
حكموا باطلا وانتضوا صارما
وقالوا صدقنا فقلنا نعم..

🔹إصلاح القضاء واستقلاله بوابة التغيير والإصلاح لأوضاع الدولة، ومن أهم أولوياتها الملحة للأمة التي تريد النهضة والعدالة والكرامة، وكما قال ابن تيمية:

” الْعَدْلَ نِظَامُ كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَإِذَا أُقِيمَ أَمْرُ الدُّنْيَا بِعَدْلِ قَامَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ، وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ، وإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا قيل: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة” (الفتاوى ٢٨ / ٦٣ و١٤٦)…

✍ د.عبدالرحمن الهاشمي