fbpx
«البسوس» ومزاج رئيس التحرير!

 

نورا المطيري.

غادر رئيس التحرير مبنى الصحيفة في وقت متأخر على عجل، كان مزاجه متعكرا من الرسائل والاتصالات الكثيرة حول مقال نشر على صفحات الجريدة لكاتبة تدّعي أنها تكتب ميثولوجيا سياسية وقصصا أسطورية لكنها تغلفها بحقائق ووقائع سياسية، والأدهى أنها تذكر أسماء شخصيات مؤثرة ولكنها لا تذكر الاسم الأول، وتترك القارئ يعرفه بنفسه. طلب من مدير مكتبه الاتصال بالكاتبة وتحويل المكالمة إلى جواله، ثم انشغل بأعمال صحفية ذات أهمية استثنائية.

بعد أن تحدث مع الكاتبة، عاد ليقرأ المقال، مرة ثالثة، قال في نفسه: «لو كنت سأقرأ كل مقال لكل كاتب ثلاث مرات فإنني لن أجد دقيقة لمراقبة تحرير الصحيفة»!. وجد التلميحات في المقال تدور حول بعض «الشركاء»، تذكر قبل سنوات لقاءه مع فخامة الرئيس هادي وسؤاله حول ذلك الشريك: «ما هي علاقتك بـ(……..)، هل لا تزال مستمرة؟» فأجاب الرئيس: «العلاقة مقطوعة بيننا الآن؛ لأنه ضد مخرجات الحوار الوطني من الأساس».

اطلع رئيس التحرير على ردّ من مكتب الشخصية الوطنية التي ورد ذكرها في المقال الأخير، أجاز نشره فورا، قال: «حق الرد مكفول، والكاتب يتحمل مسؤولية ما يكتب وعليه أن يتقبل الردود بصدر رحب». أنهى رئيس التحرير أعماله وطلب من الأرشيف تزويده بنسخة من مقابلة فخامة الرئيس هادي، قبل سنوات، حملها وعاد إلى منزله فجرا، وراح يراجعها وهو يتناول قهوته الصباحية، من غير سكر.

راجع سؤاله حول علي عبدالله وتأسيس «الدولة العميقة»، ومنظومة الفساد، والشبكة المعقدة من «اللوبيات» المالية والعسكرية والسياسية والقبلية. وخطة الرئيس للتعامل مع اليمن الجديد؟ وإجابة الرئيس «أن الدولة العميقة في صنعاء من زمن الإمام، وأن قرار الحكومة البريطانية إنهاء الثأر القبلي. فراح كل من يقتل أحدا يهرب إلى الشمال». وعند سؤاله عن العلاقة مع المملكة أجاب: «أرقى علاقة موجودة، وقوية جدًا، منذ نُصِّبت رئيساً».

عاد رئيس التحرير يقرأ جواب الرئيس حول سؤال عن حزب الإصلاح، حيث قال: «الإصلاح لديه القدرة أن يصل إلى هذا. صحيح أن لديهم قدرة، ولكن عندما ارتبطوا بالاشتراكيين، وحزب البعث العراقي، وحزب البعث السوري، والحزب الناصري تشكلوا، وكان حينها علي عبدالله صالح قد سمح بالانتخابات، وهم لديهم أموال، والشعب اليمني فقير. فمن يعطى من الشعب 50 أو حتى 10 آلاف ريال يصوت له». لكن رئيس التحرير تساءل وقتها: «فخامة الرئيس هل كنت منتبهاً لهذه الرؤوس وعملهم نحو أخونة الدولة حين تسلمت الرئاسة؟ وهل أرسلت لهم تحذيراً؟» فأجاب: «لا.. لم أرسل لهم أي شيء. اتفقنا نحن وإياهم.. إلا حميد الأحمر»!

فكر رئيس التحرير في الاتصال بالرئيس مرة أخرى، وإجراء مقابلة حديثة، ففي ذلك الوقت كان الحديث عن تآمر وانقلاب الحوثيين، ومحاولتهم المستمرة لتطبيق التجربة الإيرانية «الاثناعشرية»، وقول الرئيس لعبدالملك هاتفيا «إنها لن تطبق في اليمن»، أما اليوم فالحديث عن حوار مع الجنوب في جدة، بدعوة من المملكة، وكان رأي الرئيس، حول ذلك، وقتها: «الجنوب يريد انفصالا مرتبا، والواقع يظهر أن هناك عملة موحدة، وعلماً موحداً، ودولة واحدة، لكن عندما تكون بالأقاليم دولة اتحادية كونفيديرالية ستنجح». فسأله رئيس التحرير: «هل تتوقع بناء دولة اتحادية يمنية في المستقبل؟»، فأجاب الرئيس: «نعم.. من الممكن ذلك، وتقوم على أربعة أو خمسة أو حتى ستة أقاليم، لكن حتى الآن ربما تكون ثلاثة أقاليم، ودون دولة اتحادية لا يمكن قيام نظام في اليمن أو تطويره».

قرر رئيس التحرير تأجيل طلبه في مقابلة الرئيس مرة أخرى، حتى تهدأ تلك الثورة التي بدأتها الكاتبة التي أطلقوا عليها لقب «البسوس». ابتسم الذيابي، قال لنفسه، ومزاجه يرتشف آخر ما تبقى من قهوته الصباحية: «ليست البسوس على الإطلاق، هي تسعى مثلنا جميعا في «عكاظ» لتقريب وجهات النظر، بتحريك المياه الراكدة فقط».

*روائية وباحثة سياسية.

*عن صحيفة عكاظ.