fbpx
الوحدة المغدورة

 

بعد ستة أشهر تقريباً من إعلان الوحدة ، نشأ خلاف كبير حول قانون “الحكم المحلي” بشأن الاسم ومضمونه ، كان هناك إصرار من قبل أطراف معينة في صنعاء على رفض ” الحكم المحلي” أو ” السلطة المحلية” والاكتفاء ب” الإدارة المحلية ” .

 


على الفور ، رفعت في وجه من يطالبون بالحكم المحلي شبهة “الحنين إلى التشطير ” ، حتى أن البعض بدأ يوجه أصابع الاتهام بتصنيف الاخرين بين وحدويين وانفصاليين بناءً على موقفهم من التسمية .. 

 


يعني أن المتمسك بتسمية ” الحكم المحلي ” متهم بالحنين إلى التشطير ، أما المؤيد لتسمية ” الإدارة المحلية ” فموقفه من الوحدة لا غبار عليه .
كان هذا في ذلك الوقت المبكر والوحدة لا ترال تنضح بالآمال .

 


عقد اجتماع برئاسة رئيس مجلس الرئاسة يومها بحضور نائب الرئيس وبقية أعضاء المجلس ، ورئيس الحكومة ونائبه للشئون الداخلية ، ورئيس مجلس النواب ، ووزير الشئون القانونية لمناقشة الموضوع .


لم ينته الإجتماع إلى شيء وطلب من مجلس النواب تأجيل مناقشة القانون . 


عرضوا الخبر الاعلامي عن الاجتماع للرئيس الذي عرضه على الحاضرين . تكرر ذكر الوحدة في أكثر من فقرة من الخبر . طلبت الكلمة ، قلت :


لماذا لا نضع كلمة “الجمهورية” بدلاً عن “الوحدة” في موضوع الخبر لأن الخبر لا بد أن يأتي في سياق متفق مع طبيعة الاجتماع الذي يبحث في شأن الدولة . فبينما “الوحدة” عنوان سياسي فإن الجمهورية عنوان دستوري يعكس شخصية الدولة . استحسن الجميع الفكرة ..


غير أن الخبر أذيع على نحو مختلف ، بل وبصورة أكثر حدة وبتعبيرات تؤكد على أهمية الحفاظ على الوحدة وتحذر من المخاطر التي قد تتعرض لها … إلى غيرها من تلك العبارات التي فهم منها أنها رسائل لا تختلف عن التصنيفات التي كان يجري تداولها بشأن الموقف من تسمية القانون . 


كان واضحاً أن هناك توجهاً لاستخدام “الوحدة “كعصا لقمع الاختلاف ، لا حباً فيها ، ولكن لأنها القوة المعنوية الوحيدة التي كانت تستطيع يومذاك أن تعصف بأي فكرة لا تروق لصنعاء . 


على نحو مقصود أخذوا يبرزون الوحدة على حساب الدولة في مواجهة مصاعب الحياة لسببين إثنين :
الأول لتبدو الأمور وكأن الوحدة هي السبب المنشيء لهذه المصاعب ، والثاني لتغطية النوايا الحقيقية التي تعكس معارضة إقامة الدولة المجسدة لارادة دولتين .


استهلك مشروع الوحدة في مقاومة الاصلاحات ، وتكريس اللادولة ، وتبرير العنف والاغتيالات والحروب .. كما استهلكت باعتبارها في نظر الناس مصدراً للمشاكل والمصاعب بوضعها في الواجهة نيابة عن الدولة . وكان الاتهام بالانفصالية وسيلة لإبتزاز كل صاحب رأي أو موقف .. 


أصبحت الوحدة العصا الغليظة التي يعاقب بها كل مخالف ، ووسيلة لتمرير الحروب ، وأداة لقمع المطالبين بإقامة الدولة . 


ثم أخذت المسألة تتسع خارج بعدها السياسي ليتم تجذيرها في إطار ديني ، فمن كان يتهم بالانفصالية يستتبعه مباشرة الحكم عليه بالمعصية . تداخل توظيف الوحدة على هذا النحو مع التحالفات السياسية الامر الذي حملها وزر السياسي الانتهازي الذي كان كل همه السيطرة على السلطة ، ومعه أن تكون الوحدة أداة من أدوات هذه السيطرة .


هكذا تم التعامل مع الوحدة .
وبتوافق تام مع هذه النظرة لوظيفة الوحدة عند نظام صنعاء بعدئذ ، نشأت الثقافة التبريرية المعاقة والتي نراها اليوم في صورة متلازمة خبيثة للأفعال التي تصر على استخدام الوحدة للقمع أو التشويه أو الشتم أوتمرير جرائم العنف والحروب .


في عام ١٩٩٤ وظفت الوحدة لتمرير حرب كان هدفها الاساسي التغلب على قرار إقامة الدولة وفقاً لوثيقة العهد والاتفاق ، أفشل القرار بإشعال الحرب من أجل الهيمنة على السلطة . حرب عنوانها الوحدة وهدفها نقيض الوحدة تماماً .


واستخدمت مرة ثانية عندما تحدث صالح بلسان الحوثيين عام ٢٠١٥ يهاجم الرئيس هادي الذي ذهب الى عدن بعد احتجازه في صنعاء ومهدداً إياه بالقول : هذه المرة لن يكون أمام “الانفصاليين” غير طريق واحد للهروب، هكذا خاطب رئيس الدولة كإنفصالي ، وهو الذي يفترض أنه قد أصبح مواطناً بعد إدعائه أنه قد سلم السلطة !! لاحظوا توظيف الوحدة مرة أخرى في سياق متصل مع مفهومهم ونظرتهم للوحدة .


لا غرابة إذاً أن ترتفع الان هذه الأصوات الممجوجة شاهرة الوحدة المغدورة لتغطية ما حدث من تحول في المعارك مع عصابة الحوثي باتجاه الجنوب لتشكل غطاء ، وربما دعماً، لخطته القبيحة .
هكذا دمروا الوحدة ، وعلى هذا النحو وظفوها ، ثم راحوا يذرفون عليها دموع التماسيح .