fbpx
يحلمان بالعلاج ومواصلة الدراسة.. “عبدالله وهمام” .. انموذج لمأساة المعاقين في زمن الحرب
شارك الخبر

 

 

يافع نيوز – تقرير – جمال محسن الردفاني:

في منزل متواضع، بمديرية حبيل جبر ردفان محافظة لحج، جنوبي اليمن، تعيش أسرة الحاج حسين جابر، في ظروف قاهرة ومؤلمة، بعد أن دفعهم الوضع الصحي لطفليهم “عبد الله” و “همام” إلى ترك منزلهم الكائن في منطقة “الجزع”، والسكن مضطرين في منزل (إيجار) بمساكن مركز المديرية – منزل ضيق جداً – لتسهيل وصول الاطفال إلى المدارس والمرافق الصحية منذ بدأت الإعاقة بإنهاك جسديهما قبل 13 عام.

ما أن تنظر إلى المنزل إلا وتراه يجسد مأساة الأسرة بكل فصولها. بوابة قماشية، أخشاب متناثرة، حجارة مبعثرة، وكرسيي إعاقة متهالكين. وراء ذلك تقع غرفتي معيشة لا تتجاوز الواحدة (3×3) ويقطن بداخلهما 11 من أفراد من أسرة “الحاج حسين جابر” الذين يكاد ان يتوقف شعورهم بالحياة. ما أن تدلف إلى المنزل وترى حالهم، إلا تدرك كم ظلمتهم الأقدار، تلتمس المأساة في كل الجدران، وتلحظ الكمد في كل تنهيدة لطفل معاق، أو غصة تخنق والدهم المكلوم، كل شيء يعكس عمق الألم، قساوة الظروف، ومرارة العيش، وتراجيديا الحكاية ..

بعينين مرهقتين، جسد نحيل – أرجل ملتوية وأياد معقوفه ورأس مشرأب – يقعد “عبد الله” (17 عاماً) بصعوبة في أحد جوانب غرفة المعيشة، وبحركة مثقله يحاول إختلاس النظر إلى الكاميرا علها تلتقط ابتسامته التي فقدها منذ أمد، على مقربة من ذلك يستلقي “همام” (15 عاماً) صريعاً للعناء بعد تعرضه لالتواءات في مختلف عظام جسده النحيل، أفقدته القدرة على الحركة الطبيعية أو الجلوس بأريحية.

لرؤية “همام” تشعر أن ثمة ألم يعتصره، ويحاول مداراته قسراً، بصعوبة بالغة يزحف للوصول إلى إناء مملوء بالتراب، ليغمس أنامله النحيلة للتيمم صعيداً لأداء صلاة العصر بعدما بات وشقيقة لا يستطيعا استخدام دورة المياه إلا مرتين في الأسبوع.

في صبيحة كل يوم يستيقظا مبكرين للذهاب إلى مدرسة أبن سيناء ، لتستجد رحلة جديدة من العناء، وسط غبار الطريق وعوائقها يتحركا ببطء، ينظرا إلى المدرسة بأمل، والى حاليهما بإشفاق كلما زاد بهم التعب.. الريح لا ترحم وهنهما، الغبار يخنقهما، نزلات البرد تشقق أطرافهم شتاءً، وتكويها أشعة الشمس الحارقة صيفاً ..

ما أن يصلا إلى المدرسة ويتنفسا الصعداء لبلوغ الوجهة، إلا وتشكي عظامهما ألم الجلوس المتواصل في قاعة الدراسة، الألم، التفكير بكيفية العودة إلى المنزل يشتتا تركيزهما وبعد المغادرة ينهمكا في خط سير ان لم يجدا من يقودهما خلاله لظلا في ذات الطريق لساعات بانتظار مجيء من يوصلهم إلى البيت، وهناك في المنزل التعيس، رغم الألم يقوما بمذاكرة الواجبات وبكل شغف ولسان حاليهما يقول (( نريد نتعلم دونما نتألم )).

*مأساة تروى:

الدكتور حدد لي عمليتين في الخارج، وأشتيهم يعالجوني> بهذه الكلمات أفتتح “همام” حديثه بعد أن فرغ من الصلاة التي اداها جالسا وبآلام لم تمنعه من الوقوف بين يدي الله، ليعينه والده على العودة إلى مكانه بعد اتمام الصلاة، ليعود لإكمال حديثه التراجيدي وبنبره يملأها الحزن قال: هكذا حالنا في كل يوم، أخي يعاني كثيراً, وظهري يؤلمني دائماً، الألم شديد، وأحياناً لا نتمكن من الذهاب إلى المدرسة، انا حددوا لي عمليتين في الخارج، واشتيهم يعالجوني ويعالجوا أخي.

يعض همام على شفتيه إثر الألم ويستذكر أحد حوادث المعاناة قائلاً: ذات مره ذهبت وأخي “عبد الله” إلى السوق، وهناك بدأت السماء تظلم وتوحي بهطول المطر، ليسقط بعدها بغزارة، لم نستطع الهرب او حتى الحراك، المطر غزير، والرياح عاصفة، لم يرانا أحد الا بعد انتهاء المطر.. ويكمل: عندما تشعر بالعجز والألم حينها, لولا الرضا بإرادة الله لتمنيت الموت عن هذه الحياة التعيسة ..

*إعاقة مبكرة:
قال الحاج حسين، وهو يسرد تفاصيل معاناة أطفاله: منذ وقت مبكر ظهرت عليهم ملامح الإعاقة، احدودبت اجسادهم، واجهوا صعوبات في المشي، حتى اقعدوا، وفاتهم عام دراسي.. اسودّت الدُنيا في عيني لرؤية ابنائي بذلك الحال، ويكمل: كأسرة ريفية كنا نفضّل العيش في قريتنا ولكن لأجل مواصلة تعليم الاطفال انتقلنا للعيش في عدن، وبعد عام وبسبب الكثير من المنقصات، وصعوبة الأحوال، اضطررنا مجبرين العودة الى هذا المنزل. الظروف صعبة، والأمر معقد جداً والأولاد بحاجة إلى العلاج

وأضاف: “أولادي كما ترى مقعدين” أجساداً تتحرك بألم، ونظرات بريئة موجوعة، وعوضاً عن معاناتهم تلك فهم أيضاً يحرمون من توافر بعض الاحتياجات الأساسية، ومرتّبي البسيط يذهب بين إيجار المنزل وتأمين أشياء رئيسية للأسرة، الحرب واوضاع البلاد ضاعفت المعاناة، وكان لها يد طولى في ما وصلت إليه الأحوال المعيشية لنا.

وتابع: منذ سنوات قمت بعرض الاطفال على اطباء مختصين في محافظات عدة، ومختلف التقارير والمعاينات تفيد بأن “همام” يعاني من تشوهات شديدة في الظهر والاطراف، انحناء جانبي شديد في العمود الفقري، أما “عبد الله” فهو يعاني من إعاقة حركية متعددة في الاطراف السفلية والعلوية اقعدته عن الحركة إلى الحد الذي ترونه فيه ..

 

*تبدد أحلامهم بالعلاج:

وأشار إلى انه قبل سنوات كانت هناك بعثة المانية في عدن، عاينوا الأولاد وقرروا إجراء عمليتين عاجله “لهمام” واخضاع عبد الله للعلاج في مركز مختص لكن احداث العام 2011 دفعت بالوفد الطبي إلى مغادرة عدن، وهنا تبددت أحلام الأطفال بالعلاج، والتي كانت بمثابة الخلاص الذي انتظروه طويلاً وتبدد

واردف: أثناء آخر فحوصات اجريناها قبيل شهرين أوصى د. صلاح هرهرة – إستشاري جراحة العظام م/ المنصورة عدن – و د. عبد الفتاح السعيدي – اخصائي عظام في مستشفى النقيب بعدن – في تقاريرهم لحالة “همام” بضرورة إجراء عدة عمليات تصحيحية للتشوهات في مركز مختص، وهذا الأمر يستدعي السفر إلى الخارج. واوصوا بتوفير كرسي كهربائي متحرك لــ”عبد الله”، واخضاعهم لمركز متخصص في العلاج والتدريب والتعليم كون لديهم قدرات عقلية وذهنية ممتازة وهم بحاجة إلى الرعاية الصحية والاهتمام.

 

*مناشدة:
وزاد : قدمنا التقارير لأكثر من جهة ولم نلتمس أي تجاوب حتى اللحظة، عبركم أتمنى ان تصل الرسالة إلى الجهات المختصة، المنظمات الإنسانية والهلال الأحمر وفاعلي الخير, نتمنى الالتفات الى حال الأطفال وتحقيق احلامهم بالعلاج ومواصلة الدراسة وإعادة شعورهم بالزهو والسعادة التي فقدوها ..

 

*خاتمة:
وأنت تستمع إلى معاناة الأطفال وتشاهد حالهم تشعر أن جبالاً من الأوجاع تؤلمهم، وناراً من المتاعب تلفح أجسادهم، فتحولت البسمة إلى دموع، والسرور إلى أحزان، والسكينة إلى جور ومعاناة.

ومع معايشة واقع العذاب، عمق المأساة، وتراجيديا الشعور، يطرأ في خواطرنا السؤال وبتأمل، هل لمعناة هؤلاء الاطفال أن تنتهي!؟ وهل سيجدون آذان صاغية لإنهاء معضلتهم!؟ أم أن الألم سيظل رفيقهم يسرق أعمارهم ويذرف دموعهم دونما يلتفت اليهم أحد.!؟

قد تبدو قصص الاعاقة متعددة في هذه البلاد لكن حالة “عبد الله” و”همام”، تشكّل واقعة مؤلمة لكل من شاهدها، وأطّلع على تفاصيلها، وهي تعبير حقيقي، عن معاناة المعاقين وسوء الحال الذي وصلت إليه الأوضاع في البلاد إثر الأحداث والحروب وانهيار الوضع الاقتصادي وتفاقم المعاناة وتفشي المجاعة.

*خدمات صحية غائبة:
د. مراد هيثم قائد – مدير مكتب الصحة العامة والسكان م/حبيل جبر محافظة لحج قال في حديث خاص، ان عدد المعاقين في مديرية حبيل جبر بلغ قرابة 350 شخص يعانون من إعاقات حركية مختلفة.

وأشار إلى أن حكاية “عبد الله” و”همام” ربما تكون الأبرز، لكن هناك أيضاً عدد من القصص المؤلمة للكثير من المعاقين الذين أجبرهم غياب الرعاية الصحية والظروف المعيشية لأسرهم إلى البقاء دون الحصول على العلاج والرعاية اللازمة.

وأوضح أن المعاقين في المديرية يعانون من ظروف قاهرة، إذ يواجهون آلامهم دون وجود من يعينهم على تجاوزها، وناشد جهات الاختصاص والمنظمات المهتمة الى دعم المعاقين والوقوف الى جانبهم، سيماء وهم بحاجة ماسة الى الرعاية العاجلة, لافتاً إلى تؤثر البنية التحية للقطاع الصحي بشكل عام جراء الحرب.

وقال بأن “دور المنظمات المحلية والدولية المهتمة بشؤون المعاقين يبدو غائباً، واضاف بانها لا توجد هناك أي خطوات حقيقية او مساع للتعاون مع هذه الفئة وتقديم الرعاية الصحية المناسبة لإنهاء معاناتهم في ظل شحة امكانات مكتب الصحة.

ونوّه إلى أن استمرار الحرب زاد من “أعباء سكان المديرية بشكل عام، والمعاقين بشكل خاص” حيث يكابدون ظروف معيشية صعبة والكثير منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي والصحي، جراء الظروف المصاحبة للحرب وانهيار الوضع الاقتصادي في البلاد.

ولفت إلى أن المعاقين من فئة الاطفال حرموا من الجلوس على مقاعد الدراسة بسبب إنعدام الرعاية الصحية اللازمة وعدم وجود وسائل النقل الخاصة كالكراسي الكهربائية إضافة إلى بعد منازل المعاقين عن المراكز التعليمية، ووعورة الطريق..

واضاف أنه عادة ما تعزي أسباب الإعاقة إلى عدد من العوامل منها: الوراثية والبيئية وضعف الخدمات الصحية قبل وأثناء الولادة، إلى جانب حوادث المرور المتزايدة، واحداث الحرب والاقتتال وسوء التغذية..

وكانت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” قد أشارت إلى أن ثلاثة ملايين من المعاقين يشكلون حوالي 12% من إجمالي سكان اليمن يواجهون تحدّيات متزايدة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية، ومنها التعليم.

وتقول الأمم المتحدة إن الصراع المستمر منذ قرابة أربع سنوات في اليمن دمر نظامه الصحي ووضع 10 ملايين شخص على شفا المجاعة.

أخبار ذات صله