fbpx
القضية الجنوبية … حيثيات … وأسباب … وحلول
شارك الخبر
القضية الجنوبية … حيثيات … وأسباب … وحلول

القضية الجنوبية … حيثيات … وأسباب … وحلول

رؤية بين يدي مؤتمر الحوار الوطني

ربيع بن علي القاسمي

إن مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده في الفترة القادمة سيضع بين يديه قضايا كثيرة أهمها القضية الجنوبية التي ظهرت على السطح بمجرد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية وازدادت تعقيداً بعد حرب 94م . ولما كان المجتمعون في ذلك المؤتمر سيطرحونها على طاولة نقاشهم كان لا بد من فهم أسباب وحيثيات تلك القضية حتى يتم حلها حلاً عادلاً وكان لا بد من المساهمة في طرح ما يمكن طرحه بصراحة وشفافية للخروج من النفق المظلم الذي قد يجر البلاد والعباد إلى صراعات مؤلمة تحمل في طياتها الويل للحاضر والمستقبل.

 إن  حجم القضية وثقلها يحتم على المخلصين إبداء الرأي  فيما يرونه مناسبا لحلها حلاً عادلاً فيما فيه مصلحة أبناء الجنوب عامة رضي من رضي وغضب من  غضب  ما دام أن الرؤى والأفكار تمنع الصراعات والقطيعة بين الشمال والجنوب اليمني .

 إلى الأخوة في الشمال :

إن كنتم عازمين على حل القضية الجنوبية بنوايا صادقة تنهي كلما حدث وبالتالي إقامة علاقة أخوية مع إخوانكم في الجنوب فيجب عليكم أن تعلموا الآتي :

1 )إن القضية الجنوبية ليست قضية منصب وزاري ولا ثروة ولا قطعة أرض , ولكنها قضية سياسية نشأت بسبب الغدر بوحدة 22مايو 90م وعليكم الاعتراف بذلك وفقاً للنوايا الحسنة المفترضة , وقد اعترف من قبلكم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رحمة الله عليه – بهذه الحقيقة في مذكراته حيث قال 🙁  وبالنسبة لنا المشائخ والعلماء كان توقعنا أن الحزب الاشتراكي دخل الوحدة وسيضم إليه الأحزاب اليسارية في الشمال ,من ناصريين وبعثيين , وتلك المسميات الأخرى، حزب عمر الجاوي مثلاً، وسيشكلون كتلة واحدة وكنا جميعاً في المؤتمر الشعبي العام , وسيخرج منه كل اليساريين وينضمون إلى الاشتراكي، ولهذا لا بد لنا من إنشاء أحزاب تكون رديفة للمؤتمر .

وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي وأنا معهم , أن نكون حزباً في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر.

قال لنا: كونوا حزباً يكون رديفاً للمؤتمر , ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم , وسندعمكم مثلما المؤتمر.

إضافة إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي , وهم يمثلون الحزب الاشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي والدولة التي في الشمال، وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي , سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط , أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي , وهي غير صائبة , ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح , في حين كان هناك فعلاً تنظيم وهو تنظيم الإخوان المسلمين , الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع لديه التنظيم الدقيق , والنظرة السياسية , والأيديولوجية , والتربية الفكرية ). 

ووفقا لهذا الاعتراف الشجاع  يتطلب منكم شجاعة مماثلة والاعتراف أيضاً فأن الاعتراف بالحقائق  يؤدي إلى حقائق جديدة وفقا لنظرية المنطق الشرطي .

   2)إن الجمهورية اليمنية دولة بديلة لدولتين هما الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهما كيانان منفصلان تم دمجهما في وحدة اندماجية باتفاقية 22مايو 90م

وبحسب شهادة واعتراف الشيخ عبدالله فإن الطرف الشمالي هو الذي غدر بالجمهورية اليمنية ونقض اتفاقية الوحدة , ولما كانت أحكام الفقه الإسلامي في العقود والمعاملات وكذا جميع الشرائع السماوية والقوانين الدولية والمنطق أيضا تبيح لأي طرف غدر به  شريكه أن يكون في حلٍ مما وقع عليه بسبب نقض الاتفاقية من الطرف الآخر. وعلى هذا الأساس نقول لكم بكل صراحة وأسف أن الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب قد انتهت بعد توقيعها بسويعاتٍ معدودةٍ , ولم تبق إلا الوحدة الاجتماعية والجغرافية التي حافظت على كيان الجمهورية اليمنية من الانهيار طيلة العقدين الماضيين والتي أقيمت بعد استبعاد الشريك الأساسي بعقد الوحدة .

ورغم أن شخص علي عبدالله صالح هو الذي نقض ما وقع عليه وغدر بشريكه في الوحدة فإنه لا يتحمل المسؤولية الشخصية على نقض عهوده ومواثيقه مع الجنوب , ولكن النظام السياسي والقبلي والعسكري كمنظومة للحكم في الشمال يتحمل تبعات كل ذلك , باعتبار رئيس الجمهورية جزءً من ذلك النظام .

إن اعترافكم بكلما ذكرناه هو السبيل الأمثل والطريق الأسلم الموصل إلى حل نهائي لهذه القضية , ولهذا يترتب عليكم العمل بالاتي :

 ا )دعوة كل أطياف المجتمع الشمالي منها السياسية والقبلية والعسكرية والشبابية  وجميع منظومة الحكم الشمالي لتجتمع وتعلن اعترافها للملا بفشل الوحدة السياسية لليمن وتذكر صراحة مثلما ذكر الشيخ عبدالله في مذكراته وتقدم اعتذاراً أخوياً صادقاً لكل أبناء الجنوب عما لحق بهم  جراء الغدر باتفاقية الوحدة , وليس هذا عيباً ولكنه تكفير للأخطاء لأنه سيصدر من جماعةٍ سكتت طيلة العشرين السنة الماضية على وضعٍ ما كان ينبغي لها أن تسكت عليه , وهذا الإعتراف قد يرقق القلوب ويلم الشمل ويجمع الشتات ولن تروا من إخوانكم الجنوبيين إلا الصفح والكرم .

ب)تأتي قضية المظالم والحقوق في الدرجة الثانية ولهذا الغرض يتوجب عليكم تشكيل لجنة من القضاة والمحامين والصحفيين  بمشاركة  الجنوبيين وأطراف إقليمية ودولية محايدة  للبحث حول حقيقة نهب المنشئات الحكومية الجنوبية والأملاك  الخاصة واستدعاء من ثبت عليه ذلك ومعاقبته عقاباً وفقا للقوانين المعمول بها في الجمهورية اليمنية ,والبت في كل القضايا المرفوعة إليها دون تلكئ ولا مجاملة , وبهذا تؤدون كلما عليكم براءةً للذمة وإنصافاً للمظلوم وبه تحقنون الدماء المحرمة وتضعون حداً للفتنة .

ج)دعوة إخوانكم الجنوبيين إلى إعادة توقيع اتفاقية وحدوية جديدة قائمة على الصدق والوفاء وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وشيم القبائل اليمنية الأصيلة , والتوقف عن منطق فرض الوحدة بالقوة , وإعطاء الجنوبيين الحق في قبول هذا العرض أو رفضه باعتبار أنهم لم يعودوا ملزمين بأي اتفاقية سابقة بعد نقض اتفاقية 22مايو 90م للأسباب المذكورة آنفا

وأخيراً أقول أن نظرية الوحدة أو الموت أو  خطاً أحمراً نظرية باطلة , لأن الوحدة مصلحة من مصالح الشعب فأن ترتبت عليها مصلحة للطرفين وإلا انعدمت الجدوى من قيامها أصلاً.

 إلى الأخوة في الجنوب :

بما أن قضيتكم عادلة وفق أي شريعة أو قانون وقد بذلتم من اجلها تضحيات جسام , واتخذتم في نضالكم الطابع السلمي باعتبار العنف سلاح العاجز الضعيف ومن أجل إنجاز مهامكم وفق مصلحة الجنوب وأهله فانه ينبغي عليكم فهم الآتي :

1 )إن قضية الغدر باتفاقية الوحدة واغتيالها على يد شركائكم في الشمال ليست الدافع الأساسي للمطالبة بفك الارتباط ولكنها تأتي في المرتبة الثانية بعد النظر لمصلحة شعبكم الذي ينتظر منكم قرارات جريئة وحاسمة تلبي طموحاته ومصالحة , فان كان فك الارتباط عن الشمال فيه مصلحة غالبة على بقائه في الوحدة فامضوا على هذا النحو وان كانت لا مصلحة ترجى من فك الارتباط فانظروا أي صيغة أخرى غير الوحدة الحالية  .

 فشعب جنوب السودان قرر الانفصال عن شماله لما رأى مصلحته في ذلك ودول الخليج والاتحاد الأوروبي قرروا الاتحاد وسعوا في ذلك سعيا حثيثا لما رأوا مصالح بلدانهم في التوحد وهكذا تتحكم المصالح بكل شعوب الأرض وفقا لنظرية المصالح في علم الاجتماع السياسي .مع الابتعاد عن العاطفة التي قد تتحكم بالسياسيين فيسعون إلى اتخاذ القرارات الخاطئة مثلما حدث في 90م وتمت اتفاقية الوحدة تحت ضغط العاطفة والحماس ,فلا تجرنا العاطفة مرة أخرى فنتخذ قرارات خاطئة   قد تقودنا إلى مصير مجهول

2-)إن تعدد الآراء والأفكار والأطروحات بين الجنوبيين أنفسهم فمنهم من يرى فك الارتباط ومنهم من يرى الفيدرالية المشروطة وآخر يرى تصحيح مسار الوحدة وكل هذه الأطروحات  تعد ظاهرة صحية محمودة لا تسوغ لأحدٍ منهم اتهام الآخر وتخوينه لمجرد رأيٍ أبداه في حل القضية الجنوبية والرأي الصواب إعادة القول الفصل والكلمة الحاسمة للشعب الجنوبي من خلال استفتاء عام شامل وعلى جميع الأطراف مهما كانت توجهاتها أن تعرف الحقائق التالية :

  1. 1.   إنه أمام الجميع مسؤولية وطنية كبيرة تشركهم في البت بالقرار النهائي لتقرير مصير الجنوب , باعتبارهم جنوبيين , ولهم الحق في المشاركة في إبداء الرأي لحل القضية الجنوبية .
  2. 2.   تطرح أمام الجميع حقيقة مهمة وهي عدم ادعاء الوصاية على شعب الجنوب إذ ليس هناك من يدعي أنه الحامل الشرعي والوحيد للقضية الجنوبية  إلا شعب الجنوب نفسه .
  3. 3.   الإقصاء والتهميش لأي طرف سيجر الجنوب إلى  صراعات خطيرة قد تستمر سنوات طويلة نحن في غنى عنها ,فالإقصاء هو الذي جعل أحد الأطراف الجنوبية التوقيع على اتفاقية الوحدة دون استفتاء الشعب الجنوبي وهو الأمر الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه .فعليكم الاستفادة من التاريخ وتوظيفه لمصلحة الجنوب الذي عانى من صراعات مؤلمة كان سببها الإنفراد بالرأي وإقصاء الآخرين .

 وأمام هذه الحقائق يتوجب على جميع الجنوبيين عمل الآتي :

أ‌)      الإسراع في تشكيل مجلس وطني جنوبي من جميع الأطياف والشرائح الاجتماعية والسياسية وبتمثيل متساوٍ لجميع محافظات الجنوب تكون مهامه تمثيل الجنوب في الداخل والخارج والبت بالقضايا المهمة التي تخص الشأن الجنوبي .

ب‌)  التحضير لاستفتاء أبناء الجنوب والتنسيق مع الطرف الشمالي والوسطاء الدوليين والإقليميين , الاستفتاء الذي يجلب الوفاق بين أبناء الجنوب ويعيد صياغة العلاقة مع الأخوة في الشمال ويوطد الأمن والاستقرار في كل ربوع الجزيرة والخليج . وعلى الأخوة في الشمال والجنوب أن يقبلوا بما ستسفر عنه نتيجة الاستفتاء باعتبارها إرادة شعب الجنوب الذي له الحق أن يقول كلمته في تقرير مصيره دون إملاءٍ ولا إكراهٍ من أحدٍ .

                                                           والله من وراء الله القصد

                                                                                                                                         ربيع بن علي القاسمي –

أخبار ذات صله