fbpx
إمارات القرن 21.. الرؤية للمستقبل

 

هاني مسهور

افت هذا التزاحم الإماراتي بين إطلاق المبادرات الفكرية وتلك المؤتمرات الاستراتيجية، فالتزاحم الإماراتي الذي لا يكاد يتوقف، وكأن هذه الدولة في سباق محموم مع الزمن، يجعل من اللازم التوقف والتأمل في هذه الاندفاعة الهائلة في عالم عربي يعيش تراجعات بسبب تردي السياسات، وتشقق الدول الوطنية في عدد من البلدان العربية المتضررة مباشرة.

أو تلك التي أصابتها شظايا الضرر بعد سنوات من هبوب رياح الخريف الإخواني، ومع ذلك فلقد أظهرت الإمارات قدراً هائلاً من المسؤولية تجاه المستقبل سواء عبر تلك المبادرات المتعددة الأهداف التي تبناها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والرامية إلى نشر المعرفة وتمكين المجتمع، والتي اشتملت التحفيز على القراءة والترجمة ومكافحة الفقر وغيرها من المبادرات في الابتكار والمستقبل.

وإن كان ما قدمته وزارة الخارجية الإماراتية عبر مركز الإمارات للسياسات في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي 2018م، يعد بحد ذاته قيمة فكرية عالية القيمة؛ في وقت تحتاج فيه المنطقة العربية إلى هذه النوعية من الملتقيات، التي تقدم لصناع القرار رؤى استراتيجية واضحة القراءة والمعالم في ظل الحاجة إلى مراكز بحثية متخصصة ترتكز على خصائص أساسية تجمع المعلومات والإحصاءات.

وتعمل على تقديرات المواقف عبر القيادات السياسية والخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية، مما يوفر مواد تمتلك القوة والرصانة في توضيح الموقف على كافة المستويات.

ما تناوله ملتقى أبوظبي الاستراتيجي في موسمه الخامس ليس مجرد امتداد للمواسم الأربعة الفائتة بمقدار ما هو أكثر من ذلك كنتيجة لمتغيرات دولية لها انعكاساتها على الشرق الأوسط، فتفكيك الشيفرة الإيرانية والتطرق إلى سقوط الخرافة القطرية وكشف حقيقة (صفقة القرن) والقراءة العميقة في العالم العربي الذي يمشي على الماء في إشارة دقيقة لما أصاب العديد من الدول الوطنية العربية من شقوق تسللت منها التدخلات الخارجية عبر الإسلام السياسي المدعوم من إيران.

أحادية القطب التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية ليست قراءة مجردة وصل إليها الخبراء العرب والأجانب في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، إنما هي تثبيت لقاعدة من قواعد التفكير السياسي العميق نحو سياسات البيت الأبيض، والتي استعاد فيها الأميركيون زمام الواقعية السياسية بعودة الحزب الجمهوري للرئاسة في أميركا.

مما أثار معه متغيرات في الشرق الآسيوي مع الصين اقتصادياً ومع كوريا الشمالية، وكذلك الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وعودة العقوبات الاقتصادية، وكذلك القضية الفلسطينية ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، يضاف إلى الدور الروسي المكبل في حقيقته بالعقوبات الأميركية.

ومحاولات موسكو في التواجد شرق البحر المتوسط، مما أثر كثيراً عبر سنوات الصراع السوري على الموقف الروسي عالمياً، والدور المأمول أن تلعبه في حال استطاعت القيادة الروسية من التخلص من هذا الاستنزاف في المستنقع السوري.

حتى ما قُدم في الجلسة الافتتاحية من سياسات دولة الإمارات عبر د. أنور قرقاش ود. ابتسام الكتبي من مضامين الاستراتيجيات الإماراتية، وما يتعلق بالتحالف الإماراتي السعودي.

وما ينطلق منه إلى التحالفات الدولية والتي ترتكز على المشروعية القانونية أممياً، يضاف إلى ذلك أن القوة الصلبة التي أظهرتها الإمارات هي في واقع الحال حماية للقوة الناعمة التي تظهرها عبر ما تقدمه من مبادرات خارجية مختلفة تقتضي الحماية لتحقق تلك المبادرات أقصى ما يمكن من النجاحات.

إمارات القرن 21 تملك رؤية نحو المسؤولية تجاه المنطقة العربية، هذا التوجّه يتطلب من مختلف النخب العربية بكافة مستوياتهم أن يكونوا داعمين له بكل ما يمتلكون من قدرات.

ففي ظل التراجع لعدد وافر من عواصم الدول العربية التي تعيش قتامة في مشهدها السياسي، واضطراباً في كياناتها تتحمّل دولة الإمارات تحفيز المجتمعات العربية عبر هذه المحفزات المختلفة الآفاق والتوجهات، لتحقيق القدر الممكن من القراءات الواضحة لانتشال العالم العربي من أتون الواقع المعاصر، الذي لا يمكن أن يخرج من العرب بغير منح النخب السياسية والفكرية والعلمية مساحة من التفكير المؤسسي الذي لا نراه واقعاً إلا في أرض الإمارات.

صحيفة البيان