fbpx
هدم المعبد الحوثي

بقلم/هاني سالم مسهور

بعد ساعات فقط من إطلاق وزيري الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة دعواتهما لوقف الحرب في اليمن، وبدء حوار سياسي في العاصمة السويدية ستوكهولم، بدأت عمليات عسكرية تستهدف عودة الشرعية إلى كافة الأراضي اليمنية ووقف مراوغة الحوثي بشأن محادثات السلام.

يحسب للسعودية والإمارات أنهما منحتا فرصة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث لأكثر من ستة أشهر، فيما يتعلق بالعملية العسكرية في الحديدة، وهي التي قدم فيها مارتن غريفيث مبادرة لانسحاب الحوثي من الميناء ورفض الحوثيون طلبه وتمسكوا بالتصعيد، عبر منع سفن الإغاثة من تفريغ حمولاتها

ويتعين هنا ألا تتجاوز الدعوات الأمريكية لوقف الحرب ووضع الخطوط العريضة لمناطق منزوعة السلاح المرجعيات الأساسية للحل السياسي، وألا تمنح مليشيا الحوثي مكافأة غير منتظرة، ليس فقط على انقلابهم السياسي، بل على تدمير اليمن وهتك النسيج الاجتماعي والسياسي، وإغراق اليمن في الفوضى والمجاعة والفقر، بسبب سطوتهم على الحكم بالقوة.

من المفهوم أن الولايات المتحدة تحاول إثبات نجاعة استراتيجيتها في التعامل مع إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي في مايو 2018م، ودخول الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر الجاري، البيت الأبيض -الذي وضع استراتيجية محددة تربط بين الاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي الإيراني، وقطع الأذرع الإيرانية في الدول العربية- يرى في اليمن فرصة مواتية، يمكن من خلالها أن تظهر إدارة الرئيس دونالد ترامب نجاحها السريع في تطبيق الاستراتيجية الأمريكية، وإن كان بالفعل اليمن يعد هو الحلقة الإيرانية الأضعف، مقارنة بحزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق، أو المليشيات الإيرانية المختلفة في سوريا، ولكن هل تدرك الولايات المتحدة مخاطر ما ستذهب إليه بمكافأة الحوثي، ومنحه حصة لا يستحقها في اليمن؟

مع إعلان السعودية إنشاء التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية أكدت الرياض أن العملية العسكرية «عاصفة الحزم» تهدف بالدرجة الأولى إلى استعادة المسار السياسي، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهي المسار المتوافق عليه يمنياً وإقليمياً ودولياً، عبر الدول التسع عشرة الراعية لهذه المبادرة.

وعلى ذلك، فلقد استجاب التحالف العربي للطلبات كافة، وقدم أكثر من سبع هُدن في سنوات الحرب، وفي كل مرة يمنح فيها الحوثيين هُدنة يخترقونها ويقومون بتعزيز مواقعهم العسكرية في الجبهات، إضافة إلى استغلالهم المعونات الإنسانية وتحويلها لما يسمونه بالمجهود الحربي، ما أسهم في إفشال المشاورات السياسية كافة؛ جنيف الأولى والثانية، وكذلك مشاورات الكويت، وغابوا عن مشاورات جنيف الأخيرة بذرائع واهنة.

يحسب للسعودية والإمارات أنهما منحتا فرصة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث لأكثر من ستة أشهر، فيما يتعلق بالعملية العسكرية في الحديدة، وهي التي قدم فيها مارتن غريفيث مبادرة لانسحاب الحوثي من الميناء ورفض الحوثيون طلبه وتمسكوا بالتصعيد، عبر منع سفن الإغاثة من تفريغ حمولاتها، في منهجية حوثية تفضي لتجويع المدنيين.

والمراهنة على العامل الإنساني بأن يشكل عنصراً ضاغطاً على التحالف العربي، الذي تحمل خلال أشهر طويلة حصار الحوثيين في جنوب الحديدة، والعمليات المستمرة في مناطق حيس والتحيتا وبيت الفقيه، وغيرها من المناطق الذي أراد فيها الحوثيون أن تكون مناطق استنزاف، بينما واصل الحوثيون الانتهاكات كافة، باستهدافهم المدن السعودية بإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، لإيقاع خسائر بشرية في المدنيين.

وبينما لم تتلقَ مليشيا الحوثي إدانة دولية أو حتى تعاملاً صارماً من قبل المجتمع الدولي جاءت الأفكار الأمريكية لتقدم للحوثيين طوق نجاة، لكنهم رفضوا مجدداً الأفكار الأمريكية، بينما رحب التحالف العربي والحكومة الشرعية بالدعوات الأمريكية، حتى وإن كانت لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح اليمنيين والأمن القومي العربي، لكنها تبقى دعوات تثبت الأهداف الرئيسية بإيجاد حلول سياسية توقف الحرب، وتضع حداً لمأساة ملايين السكان اليمنيين، الذين دفعوا الثمن لجنون الحوثيين على مدار أربع سنوات.

حوار البنادق الذي انطلق في جبهات الحديدة وصعدة والبيضاء هو الحوار الذي يعرفه الحوثيون تماماً، فلن يرضخ الحوثي لحوار سياسي يفضي لحلول حقيقية دون أن يهدم المعبد على رأسه.

وتنتهي خرافة الكهنوت التي يرتكز عليها، ويحاول من خلالها تحقيق مكاسب لوجود سياسي، يؤسس لدولة طائفية شمالي اليمن، ستبقى تهدد الجزيرة العربية وتستنزفها، وتعمل على إثارة النعرات بجميع أشكالها ومضامينها، فدون أن يتحطم المعبد الحوثي لن يكون في اليمن نظام سياسي مستقر، حتى وإن بحثت الولايات المتحدة عن فرصة دعائية لاستراتيجيتها، على حساب شعب دفع ثمناً باهظاً في هذه الحرب المجنونة.

نقلا عن “البيان”