fbpx
القضية الجنوبية بين محاولات الاختزال ومشروعية الاستقلال
شارك الخبر

 

يافع نيوز – خاص – تحليل لـ: أنيس الشرفي

إن المتتبع لتجارب الشراكة سواء على مستوى تجربة الوحدة اليمنية أو ما تعدى ذلك إلى الساحتين العربية والعالمية، بما مثلته من فشل أو نجاح، سيصل إلى حقيقة مفادها بأن التجارب الأكثر نجاحاً هي تلك التي ارتكزت على أسس متينة وقواعد صلبة، تحفظ لكل طرفٍ حقوقه وتضمن إيجاد فرص متكافئة لا تقتصر على النخب المتصدرة للمشهد وحسب.

بل تضمن تحقيق ذات الفرص لكافة المواطنين دون المساس بحقوق الآخر أو التعدي على أرض وثروات شعب آخر، بما يضمن أولوية انتفاع كل شعب بثرواته وخيرات أرضه، وذلك بموجب أسس ومعايير توزع نسب الإيرادات بين المحليات والإدارة المركزية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن تجارب الشراكة التي أفضت إلى فشل كانت لغياب الأسس الحاكمة والثوابت الضامنة لإذابة التباينات وضمان تحقيق تكافوء الفرص، مما يدفع البعض مستغلاً غياب الضوابط الرادعة لتقديم نزعاته الشخصية أو أجنداته الحزبية أو انتمائه المناطقي أو علاقاته وارتباطاته الخاصة على المصلحة الجامعة لكل أطراف العملية التشاركية.

  • الوحدة ولدت ميتة:

إن التقييم العلمي المتجرد من الانحياز لنموذج الوحدة اليمنية الاندماجية قامت بناءً على قرار ارتجالي لقيادة الدولتين لم يستفتى الشعب بشأنها ولم يكن له قرار في قيامها من عدمه.

كانت الوحدة مجرد اتفاق لزعيما كيانين سياسيين، تشكلت منها الوحدة الجغرافية، بناء على شعارات رفعت في حقبة معينة، وقد أثبتت المتغيرات بأنها كانت مجرد شعارات عاطفية، ظلت بعيدة ومفتقرة للأساس العلمي.

لقد أثبتت عشوائية وخطأ قرار الوحدة في السنوات الأولى لإعلانها، حيث بدأت باغتيالات القيادات الجنوبية وانتهت بحربٍ آلت إلى اجتياح الجنوب واحتلالها ووضعها تحت حكم عسكري استباح أرضها ونهب ثرواتها ونكل بشعبها، وأذاقهم كل صنوف العذاب والامتهان.

أدخل مشروع حرب 1994م الدولتين في نفق مظلم، نفق الأزمات والصراع والحروب والفوضى التي لم تنقطع منذ 23 عاماً، وصارت معها القوى السياسية تتنقل من حوار إلى آخر لتخرج بحلول عقيمة ما تلبث أن تؤسس لحروبٍ وصراعات جديدة.

حيث نجدها مرة ترى بأن اليمن كان واحداً وأن ما حدث عام 1990 كان مجرد (عودة الفرع إلى الأصل) ثم تطل عليها بحلولٍ تقترح أن يكون اليمن من 4-7 أقاليم أو مخاليف وثالثة تقول أن اليمن 6 أقاليم ورابعة تقترح 5 أقاليم.

ويأتي ذلك كضربٍ من ضروب الخيال ومحاولات الاختزال والتحايل والتجاهل لحقيقة وواقع اليمن كشعبين ودولتين معترف بهما دولياً ولهما حدود دولية محددة ومعترف بها.

  • أطماع النفوذ الشمالي:

إن أحداث المشهد السياسي اليمني وتجلياته مُثقلٌة بالثورات والحروب والصراعات المتعاقبة، والأزمات المتجددة، التي تغذيها أطماع النفوذ والتسلط المغروسة لدى قوى النفوذ الزيدية(مؤتمر، إصلاح، حوثي)، على اختلاف مناهجها وتكويناتها المغلفة بطابع الديمقراطية، وإدعاء التعدد الحزبي.

حيث تعمل تلك القوى بكل ما أوتيت من قوة وحيلة لمنع بروز أي تنظيم أو قوة سياسية موازية في مناطق الوسط الشافعي حتى لا تسمح بنشوء أو تشكل أي قوة خارج سيطرة مراكز القوة والنفوذ المنحدرة من الهضبة الزيدية في شمال الشمال.

وتفعل الأمر ذاته مع قوى الجنوب حتى لا تتشكل قوة جنوبية تؤسس لاستعادة الدولة المغتصبة التي تعيث فيها قوى النفوذ الشمالية الفساد، وتنهب خيراتها وتقتل شعبها لما يقارب ثلاثة عقود ذاق خلالها شعب الجنوب أشد ألوان المعاناة والضيم.

  • عقدة تدويل القضية الجنوبية:

تتفق قوى الشمال بمختلف توجهاتها على ضرورة عدم السماح بتدويل القضية الجنوبية، ولهذا وقفوا وسيقفون حجر عثرة في طريق حضور الجنوب كطرف أساسي في المفاوضات.

وقد تمكنوا من التكتيم عليها منذ 2011 وحتى الآن، عبر مسرحيات ثورة التغيير ومؤتمر الحوار التي أرادوا من خلاله تمرير مشاريع حلول منتقصة من حقيقة وواقع القضية الجنوبية.

انيس الشرفي

واستطاعت تلك المسرحيات أن تجبر الإقليم والعالم على التعاطي معها بإيجابية من باب اتاحة فرصة لتقوم تلك القوى النافذة بتغيير سياساتها المنتهجة تجاه الجنوب، لكنها كانت مع كل فرصة تزداد تعنتاً وطغياناً ضد الشعب الجنوبي.

سعى المجتمع الإقليمي والدولي لرمي حبل النجاة لإنقاذ للنظام اليمني مرة بعد الأخرى، تمثلت أولى تلك الفرص بالمبادرة الخليجية، ثم آليتها التنفيذية، واللتان تجاهلهما للقضية الجنوبية.

ثم أعقب ذلك مجموعة من القرارات الأممية وابتعاث ثلاثة مبعوثين دوليين، واستمر المجتمع الدولي بتجاهل التعاطي مع القضية الجنوبية بما تستحقه من الإهتمام، وواجهت الكثير من الاهمال والتجاهل وعدم النظر إلى ما تمثله من محورية في طليعة الأزمات اليمنية.

ففي كل احاطات مبعوثي الأمم المتحدة لمجلس الامن الدولي لم يتم تناول قضية الجنوب إلا بالتلميح أو الإشارة دون تفصيل.

أما قرارات مجلس الأمن فلم تشر لها، سوى ما ورد في القرار 2140 بدعوة الحراك السلمي الجنوبي للمشاركة في العملية السياسية، دون الخوض في طبيعة تلك المشاركة.

وأمام كل تلك الفرص وجدت أقطاب النفوذ الشمالي أن مسرحية حوار 2013م ومخرجاته القاصرة عن استيعاب حقيقة القضية الجنوبية ستضمن لها الاستمرار في تقاسم السلطة والثروة ونهب مقدرات الجنوب، وأنها تستطيع أن تمرر تلك الحيلة على شعب الجنوب، من خلال تصوير القضية قضية مناصب وتقاسم سلطة لا قضية وطن وهوية.

فكانت نتائج مؤامراتهم وبالاً عليهم، وكادت حيلهم أن تودي بالمنطقة بأكملها، ولولا لطف الله تعالى ثم يقظة الأشقاء وإطلاقهم عاصفة الحزم لكانت اليمن اليوم تغرد خارج السرب العربي مرتمية في أحضان إيران ومرتهنة لأجنداتها ومشاريعها المعادية لدول المنطقة.

* الجنوب في مشهد ما بعد الحرب :

اليوم في ظل افرازات واقع ما بعد الحرب وما آل إليه المشهد، من إعادة تشكيل موازين القوة، الذي أثبت الجنوب خلالها إنه الشريك الفاعل والفاعل الأبرز إلى جانب التحالف العربي على الأرض، وإنه بما يمتلكه من قوة عسكرية وقيادة سياسية، أصبح قوة فاعلة ومؤثرة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها.

فهل سيستمر تعنت النظام اليمني بقطبيه الشرعي والانقلابي، ورفضهم تمثيل الجنوب بوفد يرتضيه الشارع الجنوبي ؟.

أم إنهم سيحاولون اصطناع تمثيل شكلي من خلال اشراك من يضمنون تبعيتهم وقبولهم بتمرير مشاريع قوى النفوذ الشمالي المنتقصة والمرفوضة بشكلٍ قاطع من قبل الشارع الجنوبي ؟

وحدها المملكة العربية السعودية تستطيع الضغط على الشرعية في هذه الجزئية، فهل تفعلها وتوقف عبث القوى المختطفة للشرعية بحق الشريك الأبرز للتحالف العربي على الأرض ؟

أم أنها ستدع الجنوب المحرر يذهب نحو التأزم، وتواصل تجاهلها لصوت وإرادة شعب الجنوب، رغم ما قدموه من تضحيات إلى جانبها وما حققوه للمشروع العربي بقيادتها من انتصارات تجاوزت حدود الجنوب إلى عمق الأراضي الشمالية، بل وصل إلى حماية الحدود الجنوبية للمملكة في البُقع والملاحيظ والجبهات الحدودية المشتعلة المشغولة بقوات جنوبية ؟

أم ستظل مساندة لمشاريع قوى تقمصت رداء الشرعية واختطفت قرارها، ثم تنكروا للمملكة وما حفتهم به من دعم ورعاية، فكانوا عبئاً عليها في الحرب، وأصبحوا اليوم يمثلون تهديداً جسيماً بما يجسدونه من مشاريع تدميرية للمنطقة خدمة لدول إقليمية معادية للتحالف العربي ؟

وأياً كان المواقف من مسألة تمكين أبناء الجنوب من إدارة أرضهم ودعم التنمية والخدمات الأساسية فيها، والدفع بقوة نحو إشراك الجنوب في المفاوضات أو رفضه، فواقع الجنوب اليوم يؤكد بأنه لم يعد بذلك الضعف الذي يجعل من السهل لقوى صنعاء أن تتلاعب بمصيره، أو تزييف إرادته أو اصطناع تمثيل شكلي باسمه، كما اعتادت فعله على مدى 24 عام منذ غزو الجنوب واحتلاله عام 1994 م.

الجنوب اليوم شب عن الطوق، وأصبحت له مخالب وأنياب وقيادة سياسية يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي صاحب التفويض الشعبي، ولن يسمح أبناء الجنوب اليوم بتمرير مسرحيات هزلية تتجاوز قضية شعب الجنوب أو تنتقص من إرادته، وسيحفظون لكلٍ موقفه وفعله ودوره.

 

  • عن صحيفة يافع نيوز الورقية.