fbpx
الجحود .. قصة قصيرة – بقلم: عصام عبدالله مسعد مريسي
شارك الخبر
الجحود .. قصة قصيرة – بقلم: عصام عبدالله مسعد مريسي

على فراش الموت , كل علامات الموت قد ارتسمت على جسده الملقى على فراش قديم في أحدى غرف المنزل الواسع ، لكنه مازال يسمع الدبيب من حوله ولم يكن في البيت غير بنتين له تحاور إحداهن الأخرى:

لقد طال الأمر ولقد تعبنا من خدمة انسان شبه ميت .. لن يستفيد مما قاوم به تجاهه

تجيب البنت الأخرى وهي في حال استغراب مما تسمع من أختها عينيها واقفتان في اتجاه شفتي اختها وسرعان ما تتفوه الأخت بكلمات تهدأ من هول الاستغراب البادي على وجه أختها:

لا تخافي أختي ..نحن نقدم لوالدنا الراحة فقد طال به المرض وهو يتألم

تصمت للحظات ثم تواصل حديثها وتغير من نبرة صوتها وتذرف دموع توحي بأنها حزينة وأنها مضطرة لمثل هذا من أجل راحة الأب:

ولابد للأب أن يرتاح .. وليس طريقة إلا بتعجيل رحيله

الأخت الأخرى كانت مدركة لقرار أختها بالتخلص من الأب الذي أعيتهم خدمته وهو طريح الفراش ليس بحي وليس بميت وكانت على موافقة على مثل ذلك القرار لكنها لم تكن تريد أن تكون هي صاحبة القرار حتى لا تشعر بتأنيب الضمير كلما صحا ضميرها ، بدأن بتجهيز الأب وتكفينه ودهنه بأنواع من العطور والحنوط وتجهيزه تجهيز الميت وهن يقلبن جسده شيء بداخله يريد أن ينبه البنات الجاحدات المستعجلن على التخلص منه وموارات جسده تراباً وهو مازال جسد ينبض بالحياة ، وهن يبالغن في استخدام كل أنواع الحنوط دهن وبخور وأعشاب حتى تظل هي الراحة الغالبة في جو المنزل ولا يقترب أحداّ من جسده فيعرف أنّ به بقايا حياة، وما أن انتهين البنات الجاحدات من إحاطة الأب المغدور بالحنوط حتى أطلقن العويل والبكاء ليسمعن الجيران ليحضروا ويشاركوهم في دفن الميت الحي دون أن يشعروا:

مَن لنا بعدك يا غالي .. سنفتقدك يأبي الحبيب

وترفع الأخرى صوتها بالنحيب والبكاء لتكمل معزوفة الكذب والجحود:

سنضيع من بعدك .. مَن لنا سند

وتعزفا الجاحدتين ألحاناَ من الكذب وألواناً من الجحود ، وعيناهما لم تذرف شيء إلا دموع التماسيح ، يحمل الحاضرون النعش يسوقه نحوه مرقده الأخير :

عجلوا بالسعي حتى نكرم الميت بالدفن

يغادر الرجال الحي ويتلاشى النعش وتتلاشى رائحة الحنوط ، وتبقى البنتان تترشقان النظرات المحفوفة بالندم وتشعر كل واحدة ما بداخلها من سواد وجحود حتى مع أقرب الناس إليهم والدهم الذي أغدقهم بحبه وعطفه , وكل واحدة تحاول أن تتفادى نظرات أختها لها وعيناهم تسبخ في فضاء المنزل.

قصة قصيرة عصام عبدالله مسعد مريسي

أخبار ذات صله