fbpx
اليمنيون ذاهبون إلى الحرب الأهلية

 

بقلم/ هاني مسهور

حدثت في اليمن اختلالات في التوازنات التي كانت قائمة على مدار ثلاثة عقود إبان حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، هذه التوازنات كانت تقوم على محاصصة بين القبيلة والعائلة وحتى الطائفة ثم الحزب السياسي، كان أكثر ما يؤشر على الخطر في اليمن هو امتلاك الأحزاب السياسية للسلاح، وإذا كان الحزب الاشتراكي قد فقد قوته العسكرية بعد هزيمة الجنوب في حرب صيف 1994، فأن حزب المؤتمر الشعبي العام وكذلك حزب التجمع اليمني للإصلاح امتلكا التسليح الكامل وإن كان بدرجات متفاوتة.

وفيما كان حزب المؤتمر الشعبي العام يرتكن إلى الحرس الجمهوري وقطاعات مختلفة من الجيش والأمن، كان حزب التجمع اليمني للإصلاح يعتمد على الفرقة الأولى المدرعة والمئات من الوحدات العسكرية التي كانت تتمركز في مناطق نفوذ حزب الإصلاح.

في هيكلة الجيش اليمني التي أشرف عليها الرئيس عبدربه منصور هادي حدثت عملية تفكيك بدلا من أن تكون عملية هيكلة. هذا التفكيك تسبب في شروخ واسعة في جسم الجيش اليمني جعلته هشا لم يستطع الصمود أمام الاختبار الحقيقي الذي فشلت فيه القيادات العسكرية. فالتركيبة التي كانت قائمة على المحاصصة وجدت نفسها أمام اختبار الولاءات، فسقطت خيارات الدولة والجمهورية وحتى الحزب السياسي وبقي الولاء للطائفة والقبيلة، وهو ما استفاد منه الحوثيون فهم الذين يتحزمون بقوة بالطائفية المتوغلة في قبائل شمال اليمن التي لم تكن يوما مع الجمهورية أو الدولة.

برعاية أممية، فشلت هيكلة الجيش اليمني وحاول الرئيس عبدربه منصور هادي وأمام أنظار الجميع أن يلعب دور عبدالله صالح فاستعان بقبيلته وعشيرته في محافظة أبين. لم يستطع الرئيس هادي أن يمتلك الخيوط فانفرطت وذهبت الولاءات إلى أصحابها كما ذهبت الأسلحة الثقيلة التي كانت تخرج من المعسكرات وتعبر شوارع صنعاء وتتجه إلى عمران كمعقل من معاقل الحوثيين.

أسهم المبعوث الأممي جمال بن عمر في ما حدث وحتى قامت عاصفة الحزم كان الناس مازالوا يتساءلون عن أسباب الكارثة بينما الحقيقة هي أكثر من مجرد انقلاب وقع على الشرعية، فالحوثيون الذين كانوا يحاولون تطويع العاصمة الجنوبية عدن لتدخل في بيت الطاعة الإيراني كانوا قد تجاوزوا النسيج الاجتماعي في كل محافظات اليمن الشمالية، وحتى بعد تحرير المحافظات الجنوبية بقي استعصاء الحل السياسي عنوانا عريضا لليمن الذي بات يحتوي تداخلات مُعقدة للغاية أفرزت واقعا مغايرا لليمن عن كل الحقب التاريخية التي عرفها اليمنيون من جنوبيين وشماليين.

في عملية الفيصل (فبراير 2018) التي نفذتها النخبة الحضرمية بإسناد من القوات المسلحة الإماراتية العاملة ضمن تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية تم الكشف عن غرفة عمليات خاصة تتبع تنظيم القاعدة الإرهابي، ليست في حضرموت فقط ينشط تنظيم القاعدة بل في محافظة البيضاء التي كشفت المعلومات التي حصل عليها الأميركيون بعد عملية الإنزال الأميركي (فبراير 2017) أن ما تمتلكه التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش) أكبر مما كان يعتقد الجميع وهذا خطر كامن ينتظر توقيت الظهور في المشهد اليمني المتفجر.

وبعد إعلان عدن التاريخي (مايو 2017) كشف الجنوبيون عن قدراتهم العسكرية وهي مكتسباتهم من الحرب التي خاضوها ضد الحوثيين، بل أن الجنوبيين يعتبرون الذراع العسكرية الأقوى المؤيدة للتحالف العربي وهي القوة العسكرية التي أنيطت لها مسؤولية تحرير الساحل الغربي ولا يمكن بحال من الأحوال تقدير أعداد القوات المسلحة الجنوبية بمختلف تشكيلاتها، وهذه القوة العسكرية أبدت جاهزية عالية عندما استطاعت في 28 يناير 2018 من بسط سيطرتها على عدن خلال ساعات قليلة في تأكيد قوتها الضاربة.

استعاد الإخوان المسلمين قوتهم العسكرية التي كانت قد فشلت في الدفاع عن نفسها في معركة صنعاء 2014. واستطاع الإخوان تجميع قوة عسكرية تنتشر في مأرب والجوف ووحدات في تعز، ويقابلها قوات حراس الجمهورية وهي التي تتبع العميد طارق صالح وهي قوات تم تجميعها بعد تصفية الحوثيين للرئيس السابق علي صالح (ديسمبر 2017) وتعتمد على الحرس الجمهوري وأوكل إليها مهمة إسناد ألوية العمالقة الجنوبية في عملية تحرير الساحل الغربي.

مقدمات الحرب الأهلية متوفرة وتمتلك الأطراف المختلفة ذرائع الخوض في معركة طويلة المدى. يعزز الحرب الأهلية ما يحمله المبعوث الأممي مارتن غريفيث من خطة للحل السياسي لا تعالج مشكلات الحرب الأخيرة وإفرازاتها فهي تعتمد على خلط الأوراق السياسية والعسكرية؛ ففكرة إنشاء مجلس عسكري تعني إطلاقا للرصاصة الأولى في الحرب الأهلية فلن توافق الأطراف على تقديم أسلحتها دون معرفة مستقبلها السياسي الذي سيبقى مرتبطا بالدولة اليمنية الفاشلة.

مازال من الممكن تجنب الأسوأ في اليمن، وعلينا التذكر أن المبادرة الخليجية جاءت من قبل الإقليم الذي يعرف كيف يفتك الصراع بين اليمنيين، وأن الخلل حدث باستلام الأمم المتحدة للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وهنا وقعت الأخطاء التي أدت إلى كل هذه النتائج، لذلك على السعودية بدرجة أكبر مسؤولية تكرار التواريخ الكبيرة مع اليمن بداية من معاهدة الطائف في 1934، فإعادة اليمن إلى ما كان قبل الحرب يبدو أمرا مستحيلا والذهاب إلى مصالحة وطنية يبدو ضربا من الجنون مع انعدام الثقة وقدرة اليمنيين على الحرب المستدامة بينهم، لذلك لا يوجد سوى أن تتقدم السعودية بما تمتلك من رصيد عند الأطراف اليمنية جنوبية وشمالية على اختراقات متوازية وتضع توافقات جديدة وفق توازنات الحاضر.

يتطلب هذا الأمر تقديم رؤية واضحة للمستقبل السياسي لكل من عدن وصنعاء فوضوح الرؤية للمستقبل هي عامل الاستقرار للمنطقة والضامن الحقيقي للتنمية الاقتصادية، التعويل على الدور السعودي في منع مخاطر الحرب الأهلية في اليمن يأتي من ما تملكه الرياض من قدرة لمعالجة ما أصاب اليمن وما قد يصيبه فيما لو فشلت الأمم المتحدة مُجددا وهو في ما يبدو الأقرب، فلم تكن يوماً الأمم المتحدة في اليمن تملك حلولا بقدر ما تمتلك مشكلات لليمنيين.