fbpx
تحرير الحُديدة.. والتغيير الاستراتيجي المتسارع
شارك الخبر

تتقدم قوات الجيش الوطني اليمني وفصائل المقاومة بدعمٍ من قوات التحالف البرية والجوية والبحرية في أنحاء مدينة الحُديدة بعد قتالٍ عنيفٍ لا يزال مستمراً. وليست لديّ خبرة عسكرية، إنما كان واضحاً منذ إخراج «الحوثيين» من جنوب اليمن، أنّ احتواء الانقلاب «الحوثي» يحتاج إلى ثلاثة أمورٍ عسكرية: إبعاد «الحوثيين» عن الحدود السعودية، وإخراجهم من المحافظات الوسطى، كما إخراجهم من الموانئ الساحلية وبخاصةٍ ميناء الحديدة. فميناء المدينة فضلاً على أنه المدخل البحري الرئيسي إلى شمال اليمن، فهو مُهمٌّ من حيث إنّ أكثر الواردات الغذائية وغيرها تأتي منه، وقد أفاد «الحوثيون» جداً من موارده المالية؛ كما استخدموه في تهريب السلاح الإيراني، وفي تهديد الملاحة الدولية. بل وارتهنوا من خلاله مناطق شاسعةً من اليمن ما كانت يوماً حاضنةً لهم، وما كفى لإخضاعها القهر العسكري وثكنات الجيش الموالية لعلي صالح، فاعتمدوا في الاستتباع على التجويع كما فعل بشار الأسد في سوريا. والطريف أنّ «الحوثيين» الذين اعتبروا أنفسهم جزءاً من المعسكر الإيراني، استخدموا وسائل «حزب الله» ذاتها التي استخدمها الحزب والميليشيات الإيرانية الأُخرى، أي القتل والتجويع والتهجير وفرض الهيمنة الإيرانية على الأرض المهجورة تحت اسم التشييع!

ويعتبر كثيرون من المراقبين أنّ الإقدام على اقتحام الساحل الغربي تأخر كثيراً، لكنهم يختلفون في الأسباب. وأبرز ما يذكره فريق منهم أنّ دول التحالف، والتي نجحت في استصدار القرار رقم 2216 من مجلس الأمن قبل بداية التدخل، كانت مضطرةً للإصغاء لمجلس الأمن في كل خطوة، وكان المبعوثون يقترحون دائماً هُدَناً ومحادثات ومفاوضات في عُمان والكويت وغيرهما. وكان «الحوثيون» يماطلون من أجل تحسين فُرَص سيطرتهم بالمطاولة. ثم جاءت الأزمة الصحية، وأزمة الشؤون الإنسانية، وكلها اقتضت مراعاة أمورٍ كثيرةٍ من أجل الإصغاء لهموم الناس ومآسيهم التي لا يأبه لها «الحوثيون» بالطبع، كما شهدنا في سوريا والعراق. لكنّ الذي أراه أنّ السبب البارز- إلى جانب ما ذكرناه- هو الوضع اليمني نفسه. فقد كان عجيباً القدرة حتى على الوصول إلى عدن وحضرموت براً، والحديدة ساحلاً، والذي خلال شهرٍ أو أقل. وهذا لا يعني فقط انقسام الجيش اليمني، بل وتحطمه عملياً. ولذلك فإنه يُعتبر إنجازاً مهماً بل ومصيرياً استطاعة التحالف والحكومة الشرعية إعادة بناء الجيش اليمني خلال أقلّ من ثلاث سنوات؛ بحيث صار وجوده وصارت فعاليته عنصراً أساسياً في الحرب الدائرة لاستعادة البلاد من الانقلابين المسيطرين على عاصمتها ومدن رئيسية فيها. وصحيح أنّ المقاومة ظلت عاملةً على الأرض في تعز ونواحٍ أخرى، والآن في الحديدة؛ لكنّ العنصر الأساسي على الأرض صار الجيش اليمني، إلى جانب القوات الإماراتية والسودانية. فالطيران عنصر مهم جداً إلى جانب القوات التي تحرر الأرض وتمسكها.

ثم هناك عامل استراتيجي تظهر أهميته الآن. ففي عام 2015، عام الاستيلاء والتدخل، كانت الأوضاع كلها لصالح المحور الإيراني، إذ وقتها حصل التدخل الروسي في سوريا، وتدخل التحالف الدولي في العراق. وكان الإيرانيون قد مضى عليهم قرابة السنوات الثلاث في سوريا، وهم وميليشياتهم القوة الضاربة على الأرض، بعد الإنهاك الذي تعرض له جيش الأسد. وقد نشر ذلك كله حالةً من اليأس عند المجتمعات العربية، وبخاصةٍ وقد سيطرت ميليشيات مسلحة على ليبيا أيضاً أو انتشرت في أجزائها. وفي فترة الضعف العربي الشديد تلك، ما بقي في الميدان للإنقاذ الممكن إلاّ القرارات الدولية وفي سائر بلدان التأزم. وفي ذلك العام بالذات بدا كأنّ المشرق العربي عاد إلى مرحلة الاستيلاء الاستعماري في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. بمعنى أنّ بلدان الاضطراب على الأقلّ، فقدت استقلالها وقدرتها على الحراك، ووقعت ضحية صراعات القوى الكبرى والإقليمية على مناطق النفوذ في العالم العربي، والسبب الظاهر جديد، وهو مكافحة الإرهاب!

إنّ التغيير الاستراتيجي الذي ذكرناه في عنوان المقالة تمثّل في قرار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومن انضمّ إليهما من الدول العربية بالتحرك في اليمن لإنقاذ الشرعية فيه، والبدء بمواجهة التدخل الإيراني. وهو قرارٌ يتطلب الشجاعة والحكمة والقدرة على الإنفاذ وإن تحت مظلة قرار مجلس الأمن، وطلب الحكومة الشرعية. كان يقال إنّ أكثر ساعات الليل اسوداداً وظلمة هي تلك التي تسبق الفجر. وبذلك فقد كانت ظروف العام 2015 الأكثر اسوداداً، لكنّ دول القرار العربي حولتْها إلى لحظة الفجر الذي بدت تباشيره ليأمل الناس (عودة الأمل) وليستجيبوا. لقد كانت السنتان 2016 و2017 هما سنتا تحرير الجنوب واستعادة مناطق شاسعة من البلاد، وإعادة بناء الجيش. وتأتي الخطوة الثالثة الآن في تحرير الساحل الغربي وعاصمته الحديدة، ليصبح ثمانون بالمئة من أرض اليمن تحت سيطرة الشرعية الوطنية اليمنية والعربية. لقد بدأ النهوض الاستراتيجي العربي بالقرار العربي في السعودية والإمارات، بعد حوالي العقدين من الفراغ أو الخواء. وما يحدث في اليمن، سيحدث مثله في ليبيا.. وسوريا.. والعراق ولبنان. ويا للعرب!

*نقلاً عن “الاتحاد

أخبار ذات صله