fbpx
حدائق الحيوان البشرية.. يوم عرض البشر في أقفاص بأوروبا
شارك الخبر

يافع نيوز – منوع

قبل ظهور التلفاز والإنترنت وانتشار الرحلات السياحية بفضل تطور وسائل النقل، لم يمتلك الناس أي وسيلة للتعرف على الثقافات الأخرى، فضلاً عن ذلك أثارت كتابات وقصص المستكشفين والمغامرين، حول القبائل البدائية، فضول الكثيرين ممن أصبحوا متعطشين لمشاهدة عادات ونمط حياة بقية الشعوب.

خلال تلك الفترة أثارت فكرة جلب عينات من الشعوب الأخرى، والتي كانت تصنّف كشعوب بدائية، اهتمام رجال الأعمال الذين سعوا لتحقيق مزيد من الأرباح المادية، فضلاً عن ذلك ساند علماء الأنثروبولوجيا مثل هذه الأفكار بحجة استغلال ذلك لإجراء دراسات وأبحاث علمية حول الثقافات والحضارات الأخرى.

صورة لعدد من السكان الأصليين لأمريكا خلال عرضهم بإحدى حدائق الحيوان البشرية بولاية ميسوري سنة 1904صورة لعدد من أهالي احدى القبائل الفلبينية خلال قيامهم بالرقص داخل احدى حدائق الحيوان البشرية بلويزيانا سنة 1904
حدائق الحيوان البشرية

خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تتردد القوى الاستعمارية في جعل هذه الفكرة أمراً واقعاً، حيث تم جلب العديد من سكّان المستعمرات وخاصة الإفريقية منها بهدف عرضهم داخل أقفاص ومناطق مخصصة في كبرى المدن الأوروبية والأميركية، خلال تلك الفترة عرفت هذه الظاهرة بالعروض البشرية، لكن اليوم وبعد مضي عقود على ذلك تسمى مثل هذه الأماكن بحدائق الحيوان البشرية.

تزامناً مع ظهور حدائق الحيوان البشرية بالمدن الأوروبية والأميركية، هبّ عدد هائل من الزوار للتعرف على الوافدين الجدد، الذين تم جلبهم من إفريقيا وآسيا وأستراليا وأميركا الجنوبية، فضلا عن ذلك وعلى حسب عدد من التقديرات استقبلت بعض حدائق الحيوان البشرية في كل من فرنسا وبلجيكا أكثر من 40 ألف زائر يوميا، حيث سمحت مثل هذه العروض للمشاهدين بمتابعة طقوس وعادات ورقصات الشعوب الأخرى، التي اعتبروها أقل درجة منهم.

صورة لطفلة فلبينية خلال عرضها بإحدى حدائق الحيوان البشرية بولاية نيويورك سنة 1906صورة لعدد من أهالي احدى القبائل الفلبينية خلال قيامهم بالرقص داخل احدى حدائق الحيوان البشرية بلويزيانا سنة 1904

في فرنسا، عرفت حدائق الحيوان البشرية انتشارها بشكل سريع خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، فأثناء حصار مدينة باريس ما بين سنتي 1870 و1871 من قبل جيوش مملكة بروسيا، أقدم أهالي العاصمة الفرنسية على افتراس الحيوانات التي كانت معروضة في حدائق الحيوان، وبدل تعويضها لاحقاً بحيوانات أخرى، فضّل مسؤولو بلدية باريس ملء العاصمة بحدائق الحيوان البشرية التي انتشرت بكثافة خاصة قرب برج إيفل.

تزامناً مع ذلك سجلت حدائق الحيوان البشرية ظهورها في كبرى المدن البلجيكية فخلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر نقلت السلطات الاستعمارية البلجيكية بالكونغو المئات من الكونغوليين من أوطانهم بهدف عرضهم على الشعب البلجيكي.

خلال صيف سنة 1897 أمر ملك بلجيكا ليوبولد الثاني بإنشاء حديقة حيوان بشرية شرق العاصمة بروكسل، وتزامناً مع ذلك تم نقل حوالي 260 كونغولياً نحو هذه الحديقة، وعلى حسب العديد من المصادر زار ما لا يقل عن 1,3 مليون بلجيكي حديقة الحيوان البشرية شرق بروكسل من أجل مشاهدة الكونغوليين. خلافا لحدائق الحيوان البشرية الأوروبية والتي امتلأت أساسا بالأفارقة، شهدت حدائق الحيوان البشرية الأميركية تواجداً مكثفاً للعنصر الفلبيني، فعلى إثر الحرب الأميركية – الإسبانية سنة 1898 وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على الفلبين، لم يتردد الأميركيون في نقل أعداد هامة من الفلبينيين لعرضهم في كبرى المدن الأميركية.

صورة لفتاة مصرية خلال عرضها بالمعرض العالمي الكولمبي لسنة 1893 بشيكاغو الأمريكية

إضافة إلى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية سجلت حدائق الحيوان البشرية ظهورها بالدول الإسكندنافية ففي حدود سنة 1914 أنشأت النرويج حديقة حيوان بشرية بأوسلو وقد تضمنت هذه الحديقة ما لا يقل عن 80 رجلا إفريقيا جيء بهم من السنغال، وتزامناً مع ذلك لقيت العروض إقبالا جماهيريا هائلا حيث أكدت بعض المصادر أن نصف شعب النرويج قد زار حديقة الحيوان البشرية بأوسلو للتعرف على تقاليد وعادات السنغاليين.

سجّلت عروض حدائق الحيوان البشرية ظهورها خلال معظم أحداث المعارض الدولية، فخلال المعرض الدولي الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس سنة 1889 تم عرض 400 رجل إفريقي، فضلا عن ذلك حضر هذه التظاهرة العالمية ما لا يقل عن 18 مليون شخص.

صورة التقطت سنة 1905 لإحدى حدائق الحيوان البشرية بمدينة لياج البلجيكيةصورة لإمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني خلال زيارته لإحدى حدائق الحيوان البشرية بمدينة هامبورغ الألمانية سنة 1909
تفوق العرق الأبيض

مطلع القرن العشرين، لعبت حدائق الحيوان البشرية دورا هاما في الترويج لفكرة تفوق العرق الأبيض، وتزامناً مع ذلك أقدم العديد من علماء الأنثروبولوجيا على إجراء أبحاث ونشر كتب عنصرية حول نظرية التطور.

صورة للمحامي العنصري الأمريكي ماديسون غرانت

سنة 1904 وعلى إثر نهاية المعرض الدولي بسانت لويس بولاية ميسوري الأميركية، حاول عالم الأنثروبولوجيا، ويليام ماكغي، ترويج فكرة جديدة حول نظرية التطور فبناء على تصورات هذا العالم الأميركي مثّل كل عرق بشري مرحلة في تطور الإنسان نحو شكله الحالي، وعلى حسب ما أكده الأخير تواجد الإنسان الأبيض على رأس قائمة الأعراق بينما تواجد الإنسان الأسود في ذيلها.

تزامناً مع ذلك وعلى إثر تردده على حدائق الحيوان البشرية، أقدم المحامي الأميركي ماديسون غرانت سنة 1918 على نشر كتاب تضمن العديد من النظريات العنصرية فبناء على أفكار غرانت اعتبر العرق الأبيض عرقا آريا وسيدا على البشرية، ولهذا السبب وجب عليه إبادة بقية الأعراق من أجل تكريس سيادته على الأرض بشكل نهائي.

أخبار ذات صله