وأوضح البروفيسور سيرجيو ديلا فيرغولا الذي يعمل في الجامعة العبرية في القدس  “لكن في حال أصبح نمو  طائفة الحريديم (الأصولية) أكثر اعتدالا نتيجة لزيادة مشاركتهم في المجتمع وسوق العمل، فإن وتيرة نمو السكان اليهود ستتباطأ ونسبة السكان العرب سترتفع”.

 وأشار ديلا فيرغولا، في مقال له صحيفة “هآرتس”، وترجمه موقع “عرب 48″، إلى أن هذه التوقعات الديمغرافية ليست نبوءة، وإنما “هي استقراء للأحداث المعروفة في مجتمع ولاتجاهات التغيير الحاصلة في أنماط العائلة ومستويات الصحة والهجرة”.

  لكن هذه التوقعات، كما أشار ديلا فيرغولا، لا يمكنها أن تشمل أحداثا كارثية، مثل حروب عالمية وأوبئة فتاكة واصطدام نيازك بكوكب الأرض. ولعل أبرز مثال على أحداث تسببت بتغيرات ديمغرافية وغيرها من الفترة الأخيرة هو انهيار الاتحاد السوفييتي وتبعات ذلك على العالم وعلى إسرائيل أيضا، التي هاجر إليها أكثر من مليون من مواطنيه.

 وأشار ديلا فيرغولا إلى بحث أجري في الجامعة العبرية في القدس، مؤخرا، وتبين منه أن عدد السكان سيزداد بسرعة بين اليهود وكذلك بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما يتضاعف عددهم، البالغ 13 مليونا حاليا، في منتصف القرن الواحد والعشرين.

 ووفقا لهذا الخبير، فإنه منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي كانت وتيرة تزايد السكان اليهود سريعة (وبين أسباب ذلك تهجير الفلسطينيين والهجرة إلى إسرائيل)، وبعد ذلك كانت وتيرة تزايد الفلسطينيين أسرع، “وهذا الاتجاه يتوقع أن يستمر حتى ثلاثينيات القرن الحالي، وبعد ذلك يتوقع حدوث نمو أسرع قليلا للسكان اليهود. وسيعكس هذا التحول نسبة الحريديم بين مجمل اليهود في إسرائيل”.

“قضية معقدة”

وتابع ديلا فيرغولا أن عدد اليهود بين النهر والبحر سيصل إلى 16 مليونا بحلول العام 2065، والعرب إلى 13 مليونا، ما يعني أن عدد السكان في هذه المنطقة سيصل إلى قرابة 30 مليونا. “لكن في حال أصبح نمو الحريديم أكثر اعتدالا نتيجة لزيادة مشاركتهم في المجتمع وسوق العمل، فإن وتيرة نمو السكان اليهود ستتباطأ ونسبة السكان العرب سترتفع”.

 لذلك، رأى ديلا فيرغولا أن “هذه القضية معقدة، لأن سكان إسرائيل ليست مجموعة متجانسة. إنها مؤلفة من مجموعات مختلفة، ذات ملامح ثقافية وديمغرافية متنوعة ومعدلات نمو مختلفة… وتدل التوقعات الجديدة أن قسما آخذا بالتزايد من السكان اليهود يعكس النمو الأكثر تسارعا لفئة الحريديم. وسترتفع نسبة الحريديم بين السكان اليهود من 14في المئة في العام 2015 إلى 28في المئة في العام 2045 و40في المئة في العام 2065. وسيحافظ السكان العرب في إسرائيل (داخل “الخط الأخضر”) على نسبتهم، حوالي 21في المئة من مجمل السكان”.

 بحلول منتصف القرن الحالي سيشكل اليهود أغلبية 80في المئة مقابل 20في المئة عرب داخل “الخط الأخضر”. لكن ديلا فيرغولا حذّر من أن “هذه الصورة ستتغير إذا تم شمل المناطق الفلسطينية وسكانها” في إشارة إلى استمرار الوضع الحالي وعدم حل الصراع وفي حل فرضت إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية. “إذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى دولة إسرائيل، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 60في المئة، ما يجعل مصطلح ’دولة يهودية وديمقراطية’ فاقدا لمعناه عمليا؛ وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50في المئة وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته”.

 وأضاف هذا الخبير أنه “سيكون للتحولات الديمغرافية الحالية والمتوقعة تأثير حاسم على الطابع الثقافي والاقتصادي والسياسي المستقبلي، وخاصة على التوازن المتبادل بين إسرائيل وفلسطين. وتستوجب التأثيرات المتوقعة للديمغرافية انتباه قادة دولة إسرائيل والمسؤولين عن التخطيط الاستراتيجي”.

 “حلف مقدس”

وخلص ديلا فيرغولا إلى لفت الانتباه إلى توقعات الزيادة السكانية للحريديم وتأثير ذلك على إسرائيل. وكتب أن “الحقيقة الجديدة الظاهرة من التوقعات هي الربط بين نمو السكان اليهود عموما ونمو السكان الحريديم. وإذا تزايد السكان الحريديم بشكل ضئيل، ستتراجع نسبة الزيادة السكانية اليهودية كلها وسترتفع نسبة السكان العرب”.

 وختم بالقول: ” من جهة ثانية، سيسمح الوزن المتزايد للحريديم بالحفاظ على التوازن الديمغرافي الحالي، لكنه سيطرح أسئلة أخرى: هل سيتمكنون من الاندماج بشكل أفضل في المجتمع والاقتصاد وتحسين مستوى حياتهم بواسطة تحصيل استقرار أكبر وتراجع الفقر وتعلقهم بالمخصصات الحكومية؟ وهل سيقود ذلك إلى تقلص العائلات الحريدية؟ الأمر المؤكد هو أن مفتاح المستقبل الديمغرافي لإسرائيل موجود بأيدي الحريديم. ويوجد في ديمغرافية دولة إسرائيل ما يشبه حلف مقدس بين الأجزاء المختلفة للمجتمع اليهودي. والنتيجة، في جميع الأحوال، أنه سيكون هناك مجتمعا إسرائيليا مختلفا بالكامل في منتصف القرن الـ21″.