fbpx
مسعود عمشوش والرواية الحضرمية في تسعين عاما
شارك الخبر

 

يافع نيوز – كتب – نصر باغريب.
في عام 1927م، نشرت رواية فتاة قاروت، والتي تعد حسب الدكتور مسعود عمشوش أول رواية صدرت عن كتاب حضارم – ويبقى هذا التأريخ ساري المفعول مالم تظهر معلومة جديدة تدحض أسبقية هذه الرواية على المستوى الحضرمي على الأقل – ، وهذه الرواية هي مفتتح لدراسته العلمية القيمة التي نشرها في أحدث كتبه.
ويبحر بنا الدكتور مسعود عمشوش في كتابه (الرواية في حضرموت في تسعين عاما) في لج الرواية الحضرمية منذ الرواية الأولى المعروفة، حتى روايات العقد الأخير.
وطوال تاريخ “الرواية الحضرمية” ان جاز لنا إطلاق هذا المصطلح، فإننا نلاحظ ان ولادتها لم تكن بالداخل الحضرمي (الوطن)، بل كانت بالمهجر ببلاد شرق آسيا، حيث كان فن كتابة الرواية غير معروفا في بلاد حضرموت من قبل، ولكن بفعل الهجرة وتلاقح التيارات الأدبية والفكرية في بلدان المهجر تأثر المهاجرون الحضارم أسوة بغيرهم بتلك البيئات المتنوعة والمنفتحة، وكانوا من أوائل من عبر عن تلك التأثيرات الأدبية بكتابة فنون أدبية جديدة كالشعر الحر (المنثور) والرواية..إلخ.
ويأخذنا د.مسعود عمشوش في كتابه برحلة ممتعة بقراءة أكاديمية لبعض من الروايات التي كتبها الأدباء الحضارم، بدءً من رواية فتاة قاروت، ثم بالروايات التي نشرت بالصحف والمجلات المخطوطة والمطبوعة داخل حضرموت، كرواية (الغناء)، ثم لرواية سرد البحر والواقعية السحرية للأديب صالح باعامر، و(سالمين) و(هذيان المرافئ)، و(طريق الغيوم) للراحل الأديب حسين باصديق، وروايات الأديب الفذ والعظيم/علي أحمد باكثير.
ويكشف لنا الكتاب بين سطوره وبصفحات عدة عن الروايات التي أظهرت حالة المهاجرين الحضارم والاختلافات القيمية والاجتماعية التي واجهوها في مجتمعات المهجر..، كما تناولت الروايات المستعرضة بالكتاب الواقع الذي كان سائد في نظام الحكم ببلادنا والتأثر بأدب أوروبا الشرقية، وذلك من خلال الواقعية الاشتراكية لحسين باصديق، في حين تميزت كتابات الأديب علي أحمد باكثير بالعمق الإسلامي العربي، اما الاديب سالم العبد الحمومي فطاف بروايته حول تجربة أحد الطلاب الحضارم في ألمانيا، في حين صور لنا الروائي عمار باطويل تحول مقصد الهجرة الحضرمية من شرق آسيا إلى السعودية، كما أخذت الحياة الاجتماعية الحضرمية والعادات والتقاليد حيزاً كبيرا في معظم روايات الحضارم، ومنها رواية الغناء، التي نشرتها مجلة الإخاء (1938م)، التي تناولت علاقة غرامية بين شاب وفتاة وتأثير العادات والتقاليد التي كانت سائد بحضرموت على تلك العلاقة.
ونعتقد ان مايجمع كُتاب الرواية الحضرمية، هو انتمائهم إلى حضرموت بالانتماء، وإلى الثقافة الاجتماعية الحضرمية، وليس الالتقاء على فكر أو إيديولوجية معينة أو لمكان العيش والإقامة، فمنهم من ولد خارج حضرموت وعاش جل حياته بعيداً عنها، ومنهم من أقام وعمل في مناطق لاتمت لحضرموت بصلة، ومنهم من نشأ ومات في حضرموت ولم يغادرها إلا لمم..، غير ان جذور وأصالة الثقافة الاجتماعية الحضرمية والانتماء لها كان ملمحا جليا وأساساً راسخا في وجدان الأدباء وفي رؤيتهم الكلية للحياة ومفاهيمها التي عبروا عنها في رواياتهم الأدبية.
ورغم ان انتاج الرواية الحضرمية لايزال قليلا، ولايقارن بأي حال من الأحوال بالرواية المصرية أو الشامية، أو حتى السعودية والخليجية التي شهدت خلال العقدين الأخيرين طفرة كبيرة في الاصدارات والنشر، إلا ان الرواية الحضرمية لها مايميزها ويجعلها تحتل مصاف متقدم من حيث المعايير الأدبية والعمق الفلسفي والنفسي والاجتماعي التي تختزله بين طياتها.
ان كتاب الدكتور مسعود عمشوش (الرواية في حضرموت في تسعين عاما) والصادر من مدينة عدن في ديسمبر 2017م، هو سجلا توثيقيا تقيمييا علميا للرواية الحضرمية، وهو يعد أيضاً سبقا علميا يحسب لصالح المؤلف، وأضحى كتابه يؤسس لتخصص علميا جديدا ألا وهو الدراسات العلمية الأدبية للروية الحضرمية، التي ينبغي أن تبحث وتدرس من زاوية ومجالات متعددة.
ويمكننا القول ان هذا الكتاب للدكتور مسعود عمشوش وضع مدماكا أساسياً ليكون مرجعاً رائداً في مجاله لابد ان يعرج عليه كل من أراد ان يكتب بحثاً أو ان يعرف عن أدب الرواية الحضرمية، كون الكتاب تطرق لجوانب أدبية يكتنفها الكثير من التعتيم والخفايا، ولايزال الكثير من الباحثين والأدباء والقراء يجهلون عنه الكثير.
ويبقى لنا ان ندعو الكاتب إلى التوغل في الابحار في بحر الرواية الحضرمية، واتحافنا بطبعة ثانية مزيدة ومنقحة بعد التوسع بتقديم قراءات وتحليلات أكثر وأشمل للرواية وكتابها الحضارم في الوطن الحضرمي أو في المهاجر المختلفة، مع تبيان التغييرات الاجتماعية والتاريخية والقيمية التي واكبتها الرواية الحضرمية خلال قرن من الزمان.
وأخيراً..لنا ملاحظة عابرة على العنوان الذي نص على مسمى (الرواية في حضرموت) فيما مضمونه تناول الرواية للكُتاب الحضارم داخل وخارج حضرموت وليس في حضرموت المحددة بجغرافيتها المكانية والزمانية والتاريخية، فأرى ان تكون التسمية الرواية الحضرمية التي تختص بالكُتاب الحضارم داخل جغرافية حضرموت وفي المهاجر القريبة والبعيدة.
….
أ. نصر  باغريب
أخبار ذات صله