fbpx
المدرسة في الغربة وطن!

الدكتور قاسم المحبشي

من قلب الآلام والمحن يتولد الإبداع والأمل.

المدرسة في الغربة وطن! عبارة تكثف الى أقصى حد ممكن معاني الغربة والاغتراب بما تحمله من كنانة حارقة من الفقد والشوق والحنين والحلم والأمل، الى الوطن الضليل. تحت هذا الشعار الحكيم الذي ابتكره أخي العزيز صالح ابو مهيب من تجربة الغربة والاغتراب، احتضنت عدن الحانية ظهر الْيَوْمَ الحفل التعريفي بمدرسة الصداقة العربية الصينية التي تعد أول مدرسة أهلية تكافلية أسستها الجالية العربية في كوانجوا، أكبر مدينة صناعية تجارية في الصين الشعبية. في مطعم الحمراء جمعنا من جاء من أقاصي الشرق الأدني مهندس الطيران صالح عبد عوض المحبشي حاملا معه الوطن في حقيبة. ذلك الوطن الصغير الحميم الذي صنعه وزملاءه من المغتربين العرب في بلاد الصين البعيدة لتمكين فلذات أكبادهم من فرصة التعليم والتعلم في موطن الهجرة والاغتراب؛ بعيدا عن أوطانهم الأصلية. هناك في مدينة كوانجوا التجارية على نهر الؤلؤة العظيم اسسوا مدرستهم الأهلية التكافلية بجهودهم الذاتية. حتى يمنحوا اطفالهم بعض الأمل بالمستقبل الذي ينتظرهم بعد خراب أوطانهم الحبيبة! وأن تبذر بذرة فستجدها سنبلة بعد عام، وأن تغرس شتلة فيمكن أن تحصل الثمار بعد عشرة عوام، أما حينما تنشئ مدرسة فأنت تسهم في تنمية الأجيال على مدى مئات الاعوام! وتلك هي قيمة مدرسة الصداقة العربية الصينية. فكان يا ما كان في أحد أيام نهر الؤلؤة الدائم الجريان، نهض أباء وأمهات الأطفال العرب المقيمين هناك والفرح والأمل يغمرهم، فايقظوا ابناءهم وبناتهم الصغار مبكرا، وفي تمام الساعة 6:30 كان التلاميذ والتلميذات مع أولياء امورهم متأهبين بحقائبهم وأزيائهم الجديدة في محطات انتظار الباصات الصينية الصفراء عالية الجودة والسعة والفخامة، وكانت فرحتهم لا توصف حينما شاهدوا الباصات لأول مرة تتوقف أمام ابصارهم وتفتح أبوابها لهم للصعود اليها وهم يلوحون بايديهم – لآبائهم وأمهاتهم الذين رافقوهم الى محطات الانتظار – تحية الوداع المشفوع بالشكر والأمتنان والمودة.
إذ تدافع التلاميذ والتلميذات الصغار كالفرشات الجميلة بازياهم الملونة وحقائبهم المنزلية في مشهد فرائحي مفعم بالحيوية والنشاط مدفوعين بقوة الرغبة والحلم والأمل بفرصة التعليم في المنهجي بالصين، بعد سأموا التعليم المنزلي! وما أن صعدوا الباصات وجلسوا على مقاعدهم الوثيرة حتى أطلقوا صرخات الفرح وكأنهم صاعدوا على مركبة فضائية تحملهم الى كوكب المريخ. انطلقت الباصات في شوارع كوانزوا بالتلاميذ والتلميذات العرب صوب مدرستهم الجديدة التي طالما حلموا وذويهم بها منذ زمن طويل. وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً كانت ساحة المدرسة الأهلية تعج بالحركة والحيوية الطفولية لبراعم المستقبل المنشود الذين اصطفوا بانتظام أمام معلميهم ومعلميهم المتشوقين لرؤيتهم وتعليمهم وبحضور عدد من أولياء امورهم يتقدمهم السيد أحمد حسين غرامة رئيس الجالية العربية في الصين في مشهد كرنفالي فرائحي بهيج لم تشهد له الجالية العربية المهاجرة مثيلا! رحبت إدارة المدرسة ومعلماتها ومعلميها بالتلاميذ والتلميذات ثم تم توزيعهم على فصولهم الدراسة مع منحهم بعض الهدايا والألعاب التحفيزية الرمزية. بعد ذلك تم تسليمهم الزي المدرسي والكتب المدرسية المعتمدة في المدرسة بحسب المقرر الدراسي في وزارة التربية والتعليم باللغات العربية والصينية والإنجليزية.
لا أخفيكم سرا بإنني منذ أن اخبرني أخي بفكرة تأسيس المدرسة وأنا قلق من بشأنها، لشعوري بضخامة المشروع وصعوبة تحقيقه، إذ بدت لي مقامرة غير مأمونة الجوانب، لكنني لم أبوح له بتوجسي، بل أثنيت عليه ودعيت له بالتوفيق والنجاح. وقد تابعت المشروع منذ الوهلة الأول خطوة بخطوة وكتبت فيه نثرا وشعرا، لهذا كانت سعادتي اليوم غامرة وأنا استلم درع المدرسة، ربما كنت أكثر الحاضرين سعادة بهذا الإنجاز الرائع الجدير بالقيمة والمعنى والاعتبار. إذ أن تأسيس مدرسة في أي مكان ليس من الأمور الهينة فما بالك أن يتم تأسيسها في الصين الصارمة الدقة والنظام وبجهود ذاتية لنخبة من المغتربين يتصدرهم أخي الصغير صالح ابو مهيب، كم أنا فخورا بك أخي العزيز بؤركت! وليس هناك ما هو أجمل من يستلم الأخ الأكبر شهادة تقديرية من اخوه الأصغر! لقد كان صالحاً منذ طفولته، إذ أتذكر أنني لم أراه قط يبكي حتى وهو يعاني من أشد الآلام، كان مثالا نادرا للصبر والصدق والجد وقوة التحمل، فضلا، عن التواضع الجم، وعزة النفس، وعفة اللسان، والعمل باخلاص ومثابرة وإتقان، وبهدوء وبدون ضجيج! نعم هو قليل الكلام ولكنه كالحسام في إنجاز الاعمال والأفعال،حينما التحق بكلية القوى الجوية عام ١٩٨٧م شكك البعض بإمكان نجاحه، فإذا به بعد أيام من التسجيل يخبرني بانه أختير مندوب السرية، درس هندسة طيران هيكل محرك وهو أصعب التخصصات في الكلية ونجح بتقدير ممتاز ، وبعد التخرج مارس عمله في هندسة أنواع عدة من الطيران بكل دقة وإتقان، وكان مثالا للمهندس الأمين الجدير بالثقة والتقدير بشهادة الخبراء والطيارين. وفِي صنعاء بعد حرب ١٩٩٤ ذاق الآمرين، ولكنه لم يتدحبش كما فعل الكثير، هناك صارع بكل ما كان يمتلكه من طاقة الصبر والارادة، حتى فاض الكيل من الفساد العفاشي! وقرر الرحيل الى بكين لدراسة اللغة الصينية والبحث عن فرصة عمل هناك. وعلى مدى أكثر من عقد في الأرض الطيبة زاول الكثير من الأعمال وكون علاقات طيبة وسمعة مشرفة هي كل رأسماله الرمزي الجدير بالقيمة والاهمية. طوال بقاءه في صنعاء لم يتناول القات، هو عصامي بطبعه ومن جيل نخبة من العصاميين
الذين صاروا اليوم قادة، إذ تزامل مع الأخ عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والأخ عادل الحالمي قائد المقاومة الجنوبية، والعميد المناضل عبدالعزيز المنصوري والعميد عارف شيخ محمد قائد القوات الجوية في المهر والعقيد طاليس والعقيد المرفدي والعقيد محمد علي بن حطبين. وغيرهم من القيادات الشابة.
ظهر اليوم احتفلت عدن بحدث نوعي وفريد في تاريخها، هو التعريف بأول مدرسة عربية أهلية تكافلية أسسها مغتربينا في الصين الشعبية. كان حفلا رائعا بحضور الاستاذ الدكتور حسين عبدالرحمن باسلامة معالي وزير التعليم العالي، والاستاذ الدكتور صالح الصوفي وكيل وزارة التربية والتعليم والاستاذ محمد حسين الطاهري مدير مكتب وزير التربية والتعليم والاستاذ قاسم كشام مدير التعليم الأهلي الاستاذة علا باغريب مديرة الشؤون القانونية الاستاذ أحمد الاصبحي مدير الامتحانات والاستاذ محمد الحربي مستشار وزير التربية والاستاذ وليد عبدالله نائب مدير المالية بالوزارة الاستاذ اسامة محمد مستشار قانوني الاستاذ فهد ردمان خبير وموجه تربوبي وغيرهم من الشباب الإعلاميين الرائعين. وقد عبروا عن مشاعرهم بهذه المناسبة كل بطريقته، أما أنا فلم يسعفني الحال والمقام الا بتلك الخاطرة التي كتبته ذات يوم حينما شاهدت التلاميذ والتلميذات أول يوم يركبون الباصات في طريقهم مدرستهم الجديدة، التي صارت لهم وطن.

نعم المدرسة في الغربة وطن.. والوطن بدون مدرسة وثن!

وهاكم الخاطرة التي ترنمت بها اليوم
مستحضرا اللحظة الأولى!

صباح النور والتنوير
صباح العلم والتعليم
صباح الورد عل الحلوين
خبر طازه وصلني الحين
أتاني الآن من بكين
بشارة للعرب كلين من المغرب
الى المشرق وفيما بين
فتحنا في ضفاف السين
أول حقل للتمكين بحرف الضاد
والإنشاد نحن أول الحالمين
هنا أوقدنا الشمعة
هنا بذرة
هنا شتلة
هنا شجرة
غدا تتبرعم
الزهرة
وتيّنع ثمارها الحلوة
بأرض الصين والتنين
وجدنا الرفق والتنظيم
اليها جبتنا الأقدار
هبطنا فوقها رحال
بلاد السور والأنهار
وطن كونفوش والاحرار
منها أشرقت لأنوار
حضارة تسلب الأنظار
بما فيها من الإعمار
طريق اليانج والينين
صباح السلم والتأمين
صباح الورد للحلوين
حفظكم أرحمن الرحمين

وهكذا نحن العرب نعيش الاحتفال الدائم بأشكال والالوان متنوعة؛ فثمة من يحتفل بتدمير مدرسة، وهناك من يحتفل بتفجير مسجد وهناك من يحتفي بقتل عدد من الجنود، وهناك من يحتفي بهزيمة خصم، وهناك من يحتفي بإطلاق صاروخ، وهناك من يحتفي بنهب خزينة، وهناك من يحتفي بالاستيلاء على دبابة، وهناك من يرقص باغتنام معسكر، وهناك من يحتفل بصورة مع مسؤول أممي، وهناك من ينتشي بكتابة بيان، وهناك من يحتفي بتصريح إعلامي، وهناك من يحتفي بالقبض على جاني، وهناك من يحتفي بالحصول على سلة غذا، وهناك من يفرح بولوع الكهرباء! وهناك من يحتفي بفوز فريق رياضي ، وهناك من يحتفي بعودة الماء الى الحمام، وهناك من يحتفي بفتح سدة مجاري! وهناك من يحتفل بتدمير بلد وتشريد شعب! واشياء واشياء كثيرة أخرى يحتفل بها العرب هذه الأيام من إليمن الى العراق والشام وبقية البلدان. وكل في فلكه يسبحون! أما نحن فقد احتفلنا الْيَوْمَ في عدن الحانية بالتعرف على تجربة أول مدرسة عربية أهلية تكافلية تم تأسيسها بجهود ذاتية لأبناء الجالية العربية في الصين. الْيَوْمَ كنّا مع صاحب الفكر ورائد المشروع مهندس الطيران صالح المحبشي في حفل تعريفي بمدرسة الصداقة العربية الصينية ومن الصين جاءت الحكمة الشهيرة؛ أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام! وهناك ولدت الحكمة الشعار : المدرسة بالغربة وطن!

Gepostet von ‎قاسم عبد المحبشي‎ am Mittwoch, 11. April 2018