fbpx
تعز.. قصة أم لثلاثة شهداء ورابع جريح

جواد وعماد ورشاد وجهاد احفظوا هذه الأسماء الأربعة جيدا واكتبوهم في سجل التاريخ كعنوان لوطن جريح.. أربعة أخوة ثلاثة منهم شهداء ورابع جريح اما من هم ومن أين جاؤوا وكيف استشهدوا فأكتبوا عنوانا عريضا آخر في صدر الغلاف بلون الدم وبأحرف ثلاثة تعني تعز؛ اما القاتل فمليشات الموت والخراب.

أصيب جهاد في المرة الأولى وعاد إلى المترس قبل أن يندمل جرحه أصيب مرة ثانية وعاد لكن الإصابة الثالثة اقعدت أحلام العودة إلى مواقع البطولة والتحدي ووجد نفسه خارج البلاد بإصابة بليغة..هذا ملخص لقصة جهاد اما قصة الإخوان الثلاثة الذين سقطوا شهداء في جبهات مختلفة في تعز فلا تُلخص ومداد الدنيا لا يكفيها ولن يفيها حقها.

 

لا يبكي جهاد على إخوانه الثلاثة فهم شهداء غير ان دمعا رقراقا يملأ مقلتيه كلما هبت رياح الأحلام والأمنيات بوطن حر وحياة كريمة وتلك هي الأهداف التي خرج الإخوان الأربعة من أجلها مطلع العام 2011م. خرج الأربعة الإخوان ولم يعد سوى واحد هو اليوم بنصف جسد وبقايا روح ليجسد لنا المعنى الحقيقي لحب الوطن والتضحية من أجله بكل غالٍ ونفيس ولا شيء أغلى مما قدمته انت واخوانك يا جهاد.

من موقع لآخر تنقل جهاد ببندقيته الشخصية وخبرات قتالية متواضعة مدافعا عن وطن كبير ولأنه دائما في الصفوف الأولى وفي مواجهة مباشرة مع الموت أصيب في المرة الأولى بطلق ناري اخترق راسه من الخلف وخرج من عينه اليمنى ونقل على إثرها إلى أحد المشافي في تعز ومن ثم غادر بعدها إلى الرياض وهناك ظل على فراش الموت لستة أشهر لكن قلبه كان في تعز يتابع سير المعارك بحرقة وما كان ينبغي له أن يعود وحالته الصحية لا تسمح غير أن خبر استشهاد أخيه الأكبر رشاد في إحدى جبهات القتال بتعز أصابه في مقتل فلملم أشلاء روحه وقرر العودة.

عاد كعاصفة غضب لا تهدأ ولا تستكين.. عاصفة تزجيها من أعماق الروح إرادة صلبة وعهد قطعه لأخيه رشاد ولوطن حلموا جميعا بأن يكون أفضل.. عاد جهاد بذات الوتيرة من الشجاعة والتحدي إلى الجبهات ونازل مرة أخرى الموت وخاض مع الانقلابين أشرس المعارك فأصيب مرة ثانية في ساقه ونقل للمشفي على أكتاف رفقاء النضال.. بعين واحدة وقدم واحدة ظل جهاد يتابع سير المعارك ويتتبع أخبار إخوانه عماد وجواد الذين يتواجدون في جبهات أخرى في تعز. وبضغط من الأم والأهل استراح المحارب هنيهة وشجعه في ذلك حصوله على منحة دراسية في تركيا، والدراسة حلم من أحلامه القديمة لكن وبينما هو يتجهز للسفر ولم يفصله بينه وبين حلمه سوى اسبوع واحد تعرض جهاد لإصابة ثالثة وهذه المرة بلغم بتر قدمه وأنهى كل شيء واكتملت فصول المأساة بخبر استشهاد اثنين من إخوانه وهم جواد وعماد.. يالله ما أوسع هذا الألم وما اقساه على جهاد وأم فقدت ثلاثة من أبناءها ورابعا بين الحياة والموت..

أم أنجبت وربت وعلمت أربعة فتية على القيم والمبادئ الحقة وحب الوطن ورمت بهم إلى ساحة الشرف والتضحية والفداء كسهام من نار وقالت لهم انتصروا أو عودوا إليّ شهداء فقالوا سمعا وطاعة وارتفعوا إلى السماء كالملائكة.

اليوم نحن أمام قصة بطولية لعائلة مناضلة ينبغي أن تضاف إلى كتب التاريخ لكي تقرأها الأجيال القادمة وتستلهم منها الدروس في حب الوطن والتضحية من أجله بالمال والروح وبكل شيء. اليوم نكتب بخجل وعجز عن أربعة أبطال ثلاثة منهم شهداء ورابع جريح وعن أم هي وطن متكامل من الحزن.

لم يكن جهاد في يوم ما محاربا وفي حياته لم يمسك السلاح غير أن الواقع الذي فرضه الانقلابيون لم يترك أمامه وأمام الكثير من الشباب خيارا آخر غير المواجهة والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة.. جهاد وهو طالب مجد ومتميز أغلقت في وجهه صروح العلم. هندس أحلامه منذ وقت مبكر جدا ورسم أهدافه بعناية وسار نحوها بخطى الملوك واتخذ من العلم سلاحا ومن الثقافة منهجا للحياة.. كبير أحلامه أن يكون رئيسا للوزراء واصغرها وطن مستقر وآمن وعيش كريم.

الكتابة عن جهاد وإخوانه الثلاثة أمر في غاية الصعوبة وحبس الدموع في المقل أمر أصعب ومن ذا الذي يستطيع أن ينقل الصورة كاملة عن عائلة في رصيدها ثلاثة شهداء وجريح وكيف لبشر من دم ولحم ومشاعر بأن لا يبكي وبأن لا يهتز وهو في حضرة جهاد.

جهاد يرقد اليوم في احد المشافي في القاهرة وقد تكفل واحد من رجال الخير بمعالجته في حين أن من ينبغي أن تعالجه وترعاه(الحكومة) جراء ما قدمه هو وإخوانه للوطن لا تهتم به ولا تعلم عنه شيء وهذا الوجع الأكبر بالنسبة له ولنا جميعا.. يا حكومة الفنادق أفيقوا لمرة واحدة ولا نريد منكم سوى الاهتمام بالجرحي ورعاية أسر الشهداء وأبنائهم، فجهاد قصة وجع واحدة من ضمن آلاف القصص لجرحى يموتون بسبب الإهمال.