fbpx
أم كلثوم والشعر والألحان.. تعديلات ذكية ترتقي بذوق الجمهور
شارك الخبر

يافع نيوز -متابعة:

“أعتقد أن أهم ما يمكن أن يكتب عني بعد موتي أنني نقلت الجمهور من الإسفاف الغنائي الذي كان يعيشه، من أغاني (إرخي الستارة اللي في ريحنا، أحسن جيرانك تجرحنا) إلى مستوى (إن حالي في هواها عجب) و(الصب تفضحه عيونه) و(رباعيات الخيام)”.

هكذا قالت الفنانة الراحلة أم كلثوم (1898 – 1975)، عندما أرادت أن تلخص مسيرتها الفنية، وتقف على الدور الذي قامت به كواحدة من أهم الأسماء في تاريخ الغناء المصري والعربي..

فقد واجهت “أم كلثوم”، القادمة من المنصورة، والتي تربت على القصائد التي غناها الراحل أبو العلا محمد، عندما كانت في بدايات مشوارها الفني، سخطًا من المستمعين حين غنت “سبحان من أرسله رحمة لكل من يسمع”، هذه القصيدة التي أراد الجمهور آنذاك أن يستبدل بها أغنية “هات القزازة واقعد لاعبني” التي كانت رائجة آنذاك، لتحمل على كاهلها – منذ تلك الليلة – مهمة تغيير ذوق الجمهور، لتربط مسيرتها – وهي مخاطرة- بالشعر، سواءً الفصيح، أو الجيد والراقي من الشعر العامي.

عاشق أم كلثوم يعلمها الشعر ويتركه..
يعد أحمد رامي أحد أكثر الشعراء الذين ارتبط اسمهم باسم كوكب الشرق، فهو الذي كان عاشقًا لأم كلثوم التي أصبحت ملهمته، وكتب لها عددًا من أشهر أغنياتها، ولكن دوره كان أكبر من ذلك. تروي أم كلثوم أنها ارتبطت بالشعر بسبب رامي، وتقول: “حتى تمنيت أن أكون شاعرة”، ثم قد بدأت علاقتها به في العشرينيات من القرن الماضي، حين غنت أمامه “الصب تفضحه عيونه”، وبعد مكالمة تليفونية بينهما، أخبرت أم كلثوم رامي برغبتها في أن تنقل الجمهور من الإسفاف والابتذال إلى الأغنية الراقية.

اقترح رامي على أم كلثوم قصيدته “إن حالي في هواها عجب” التي تقول في مطلعها:
إن حالي في هواها عجب أي عجب
ليس يرضيني رضاها ثم يشقيني الغضب
فإذا طال جفاها جد لي منه سبب

أعجبت القصيدة أم كلثوم، وغنتها بالفعل من ألحان محمد القصبجي، غير أنها – كما أخبرت رامي- كانت تريد كلمات أبسط، كلمات مثل كلمات الصحف، سهلة ولكنها ليست مبتذلة، وراقية ولكنها ليست “ألغازًا”.

وسواءً اقتنع رامي بهذه الحجة، أو أن عشقه لأم كلثوم كان هو الدافع والسبب، فإن رامي استجاب لرغبة أم كلثوم وراح يكتب بالعامية ليقدم لـ”ثومة” عددًا من أشهر أغانيها، من بينها: “هجرتك”، “غلبت أصالح”، “سهران لوحدي”، “يا ظالمني”.

أم كلثوم تعيد إحياء القدماءبالفعل..أحيت أم كلثوم أشعار أبو فراس الحمداني، صفي الدين الحلي، ابن النبيه المصري، بكر بن النطاح، الشريف الرضي، عمر الخيام..ولعبت دورًا مهما كان من الصعب أن يقوم به غيرها، فإلى جانب محاولتها للرفع من مستوى الأغنية العامية، قدمت أم كلثوم عددًا من قصائد التراث العربي لشعراء في غاية الأهمية، وهي القصائد التي كان من الصعب أن تبلغ قطاعًا كبيرًا من الجمهور، الأمي في قطاع كبير منه، وغير المهتم بالقراءة في قطاع آخر.

قدمت  “كوكب الشرق” جزءًا من قصيدة “أراك عصي الدمع” للشاعر أبو فراس الحمداني، وهي القصيدة التي راحت تنتقي من أبياتها ما تراه أقرب إلى نفسية الجمهور وذوقه، كما قامت بتعديل بعض الكلمات مثل استخدامها “فاتنة” بدلًا من “آنسة” وهي الكلمات التي رأتها إما أنها لا تناسب العصر، وإما أنها صعبة بالنسبة لقسم كبير من الجمهور.

بالإضافة لـ”أراك عصي الدمع” التي قدمتها أم كلثوم بألحان مختلفة، منها لحن وضعه عبده الحامولي، قدمت “أفديه إن حفظ الهوى” لـ “ابن النبيه المصري” الشاعر العباسي المعروف، وقدمت له أيضًا “أمانًا أيها القمر المطل”، وغنت “أكذب نفسي” للشاعر العباسي “بكر بن النطاح” من ألحان أبو العلا محمد، و”أيها الرائح المجد” لـ “الشريف الرضي” من ألحان زكريا أحمد، وهي الأغنية التي قدمتها في فيلم “وداد” الذي حمل طابعًا تاريخيًا، بالإضافة لرباعيات عمر الخيام التي لحنها رياض السنباطي، من ترجمة رامي أيضًا.

“الست” تغني لكبار شعراء مصر
وغنت “سومة” لكبار الشعراء في عصرها، وهم الشعراء الذين سجلوا أسماءهم كرواد الشعر المصري في العصر الحديث، ولعل أبرز هؤلاء الشعراء الشاعر أحمد شوقي، ومن اللافت أن أم كلثوم لم تغن لشوقي في حياته، رغم أنها كانت قد التقت به في شيخوخته، في لقاء لم يترك أثرًا شخصيًا فحسب، بل ترك كذلك أثرًا إبداعيًا.

وبعد وفاة شوقي بـ 4 سنوات أي في 1936، غنت أم كلثوم قصيدة شوقي “عيد الدهر” المعروفة بـ”الملك بين يديك” من ألحان رياض السنباطي وهي القصيدة التي امتدح فيها أمير الشعراء الملك فاروق، ولعلها من القصائد التي جعلت البعض يتخذ منها موقفًا عدائيًا عقب نجاح حركة يوليو 1952.

ثم غنت له نحو 5 قصائد بعدها، من بينها “ولد الهدى”، “نهج البردة” و”سلوا كئوس الطلا”، وهي الأغنيات التي لحنها جميعًا رياض السنباطي. وهذه القصيدة الأخيرة تروي أم كلثوم أنها كتبت لها خصيصًا، بل وكان اسمها مضمنًا داخل الأغنية قبل أن تجري تعديلًا عليها عند غنائها.

ولم يفت كوكب الشرق، أن تغني لشاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي غنت له في 1951 “مصر تتحدث عن نفسها” من ألحان رياض السنباطي، كما غنت لإبراهيم ناجي قصيدته الأكثر شهرة “الأطلال” وهي القصيدة التي غنتها بعد وفاته أيضًا، وآخرين كثيرين.

الشعراء العرب و”ديكتاتورية” كوكب الشرق
بالإضافة للشعراء المصريين، غنت أم كلثوم لعدد من الشعراء العرب بعضًا من أشهر أغنياتها، وفي 1968 غنت أم كلثوم “هذه ليلتي” للشاعر اللبناني جورج جورداق، وبعدها بعام غنت “أصبح عندي الآن بندقية” للشاعر السوري نزار قباني، التي غنتها بمناسبة انتفاض الفلسطينيين ضد الاحتلال الصهيوني، وفي عام 1971 غنت أم كلثوم “أغدًا ألقاك” للشاعر السوداني الهادي آدم، وكلهن من ألحان محمد عبد الوهاب، و”من أجل عينيك” للشاعر السعودي الأمير عبد الله الفيصل من ألحان رياض السنباطي.

في عام 1961، عندما قررت أم كلثوم غناء “الأطلال” للشاعر إبراهيم ناجي قدمت الكلمات – بعد اختيارها للأبيات المطلوبة من القصيدة- للملحن رياض السنباطي، الذي ربطته بها علاقة وثيقة، وبالفعل عمل السنباطي على تلحين الكلمات، وبعد أن انتهى منها دب الخلاف بين “الست” وأحد ملحنيها المفضلين. ولكن أم كلثوم لم ترض باللحن الذي قدمه السنباطي – أو بالأحرى لم ترض عن بعضه- فطلبت منه التعديل في بعض المقاطع، غير أن السنباطي – الذي كان شديد الاعتزاز بعمله- رفض ذلك رفضًا قاطعًا ليدخلا في خلاف دام ثلاث سنوات تقريبًا.

غير أن الشعراء الذين تعاملت معهم أم كلثوم لم يعترضوا علي تعديل أم كلثوم لكلماتهم، كما فعل السنباطي لألحانه، ربما لأنهم رأوا في تغني أم كلثوم بأشعارهم فرصة لتخليدها، واعتادت “الست” أن تعدل في القصائد حسبما تراه أقرب للجمهور أو أفضل بأي شكل، وفي تعاملها مع قصائد شوقي فعلت ذلك، فعدلت في “سلوا كئوس الطلا” – ربما لسبب شخصي- وغيرها، كما عدلت في “الأطلال” بإضافة أبيات من “الوداع”.

هؤلاء الشعراء كانوا قد رحلوا، فلم تتح لهم فرصة الاعتراض، غير أن الأحياء بعد ذلك لم يعترضوا. فـ”من أجل عينيك” هي تجميع قامت به أم كلثوم لعدد من الأبيات المتفرقة للأمير عبد الله الفيصل، وكانت قد عدلت قبل ذلك في قصيدته “ثورة الشك” التي غنتها في 1961، ومع الشاعر نزار قباني تدخلت أم كلثوم في “طريق واحد” التي عرفت بـ”أصبح عندي الآن بندقية” ربما لحدة طرح نزار قباني الذي عرف بجموحه سواءً في القصيدة العاطفية، أو السياسية.

وللشاعر نفسه “نزار”، تدخلت أم كلثوم بشدة في كلمات قصيدة “رسالة إلى جمال عبد الناصر” التي غنتها عقب وفاة الزعيم الراحل، فالقصيدة حملت اسم “رسالة” اختصارًا للعنوان، بالإضافة لبعض التغييرات في بنية القصيدة وكلماتها.

  • بوابة الاهرام – محمد فايز جاد

 

أخبار ذات صله