fbpx
النهاية المؤجلة في اليمن عبد الحليم قنديل’
شارك الخبر

النهاية المؤجلة في اليمن

 عبد الحليم قنديل’

كنا نتمنى أن نرى نهاية سريعة سعيدة حقا لثورة اليمن، لكن النهاية لم تأت بعد.
صحيح أنه جرى انتخاب أو اختيار عبد ربه منصور هادي رئيسا توافقيا ليمن انتقالي، وبمعدلات إقبال انتخابي ظاهر في أغلب المدن الكبرى، لكن اليمن الجديد لم ترتسم ملامحه بعد، ولا يزال الوضع نفسه كما كان في اليمن القديم المأزوم، وبفارق وحيد ملموس، وهو أن علي عبد الله صالح لم يعد رئيسا، وترك منصبه مرغما لنائبه عبد ربه، وفي سياق نوع من هدنة الشارع وهدنة السلاح، وإن كانت قابلة للتفجير في وقت قريب جدا.
وربما لا يصح القول أن الثورة اليمنية حققت أهدافها، ولا حتى حققت هدفها الأول بإزالة رأس النظام، فقد احترقت صورة على عبد الله صالح دون أن تتم إزالتها، وجرى حصار الثورة بتدخلات أجنبية وخليجية استهدفت إنقاذ صالح، وضمان الحصانة الكاملة له ضد أي ملاحقات قانونية، وترك نفوذ عائلته يحكم ويتحكم، فلا تزال المفاصل الأساسية في يد العائلة الفاسدة ذاتها، لايزال ابنه أحمد قائدا للحرس الجمهوري، ولاتزال المخابرات في جيب العائلة، ولا يزال الجيش بغالب وحداته تحث إمرة رجاله، ولاتزال مفاتيح الثروة في يد العائلة، ومن توكيلات شركات البترول إلى إدارة الثروة السمكية، وإلى التحكم في ريع المواني بما فيها ميناء عدن، وهو ما يعني أن العائلة ليست محصنة فقط ضد الملاحقات القانونية، بل لا تزال في يدها تراخيص النهب العام، وتحت قبضتها أجهزة عديدة للكبت العام.
والمحصلة ظاهرة، فاليمن بصدد فترة محدودة لالتقاط الأنفاس، ثم العودة للنزاع نفسه حول مصير الثورة، فيما تبدو أحزاب اللقاء المشترك مستريحة أكثر لما جرى، ومتطلعة لمكاسب أكبر في لعبة اقتسام السلطة، ومستعدة لمساومات سياسة، والتحضير لمواسم انتخابية تتغير فيها الموازين، ويتراجع فيها حزب صالح المؤتمر الشعبي العام إلى موقع الأقلية، ويتقدم فيها حزب الإصلاح الإخوان المسلمون إلى موقع الأغلبية، وبحسابات سياسية وقبلية متداخلة، تبقى اليمن على ركوده، وتجدد اختيارات صالح ذاتها، وتبقى على الولاء المرعى لدوائر دولية وإقليمية صنعت ‘المبادرة الخليجية ‘، وقصدت بها الإبقاء على اليمن في الدائرة المفرغة ذاتها، وحجب تأثير الثورة اليمنية على الملكيات المستبدة الديناصورية في السعودية ومنطقة الخليج، وضمان أن يبقى اليمن في حالة شقاق، وربما في صيغة ‘الدولة الفاشلة’ التي انتهى إليها حكم صالح، وقد ترك مقعد الرئاسة، لكنه لم يترك اليمن في حاله، ولا سمح بانتصار حقيقي ناجز لثورة شباب اليمن.
وبطبائع التاريخ، فإن ترك صالح لمقعد الرئاسة إلى نائبه، وتولى عبد ربه منصور هادي لرئاسة موقوته لمدة عامين، والتحضير لبناء مؤسسات دولة وكتابة دستور جديد، كل ذلك وغيره لا يبدو ككلمة نهاية قابلة للاستقرار، فقد تقام احتفالات، ويثار ضجيج حول التقدم إلى يمن جديد، ودون دليل جدي على أن الثورة انتصرت فعلا، ولا أن دم الشهداء أثمر تغييرا مكافئا للتضحيات الجليلة، فلا تزال فصول المعركة جارية متصلة، والتوازن الهش المتفق عليه طبقا لمبادرة الخليج ليس مرشحا للاستمرار، فبعد انجاز الخطوة الأولى بتنصيب هادي رئيسا بديلا، وترك صالح للرئاسة رسميا، تبدو فرص الأخير في المناورة محدودة، فقد انتهى دوره الشخصي المتحكم، وربما يجئ الدور على نفوذ عائلته الباقي، ويجرى خرق الهدنة مع تغير الظروف، وتتهدد حكومة المناصفة، وتتوالى اضطرابات السياسة في الكواليس، وربما يجري اللجوء إلى حسم السلاح، وفي بيئة شعبية كارهة لصالح وسيرته وعائلته، ووسط إمكانية ظاهرة للعودة إلى اعتصامات واحتشادات الشوارع والميادين، فدم الشهداء لم يبرد بعد، ونداء القصاص لم يتحقق، ووعي شباب وشابات اليمن في ذروة توهجه، ولا يبدو قابلا لانخداع باختلاطات الصور.
إذن، فالثورة اليمنية قابلة للتجدد، واتفاقات اللحظة الملتبسة مرشحة للتداعي، خاصة أن قلقا يتزايد على جبهة المعضلات اليمنية الكبرى، اقتصاد في دورة اعتلال موروث، والمرافق متدهورة، ومؤسسات الدولة أقرب إلى أحوال الشلل، وخريطة الطريق إلى الديمقراطية مليئة بالألغام، والأحزاب تتساوم، والقبائل الكبرى في حمى استنفار، ثم أن دواعي التمزيق والانفصال حاضرة وبصورة مفزعة، فالحوثيون في الشمال أعلنوا مقاطعتهم، ورفضهم لاستحقاقات المبادرة الخليجية، ودواعي تجدد الحرب في مناطقهم تهدد اتفاقات رخوة لوقف إطلاق النار، وإن كان الأخطر بامتياز هو مايجري في جنوب اليمن، فقد انتعش ‘الحراك الجنوبي’، وزادت رغبته في الانفصال بالجنوب عن الشمال، وهدم دولة الوحدة اليمنية التي أقيمت قبل عقدين، وتفاقمت أزماتها منذ أواسط تسعينيات القرن العشرين، وبعد حرب 1994 التي قادها صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي، وكان هادي وقتها وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة التي ذهبت لقمع التمرد الجنوبي، وهو ما يفسر لامبالاة ‘ الحراك الجنوبي ‘ باختيار هادي رئيسا بدلا من صالح، رغم أن هادي من أبناء الجنوب، وكذلك ‘ باسندوه ‘ الذي جرى اختياره رئيسا للوزراء، فبرغم أن جنوبيين صارا على رأس الدولة في صنعاء اليوم، إلا أن رغبة ‘الحراك الجنوبي’ في الانفصال تزيد، بينما يبدو تيار الحفاظ على الوحدة في الجنوب أضعف شعبيا، وحتى تيار الفيدرالية بدلا عن الوحدة الاندماجية يفقد جاذبيته، وتتحول شخوصه من نوع على ناصر محمد وحيدر العطاس إلى رموز متواضعة التأثير شعبيا، بينما تتزايد أسهم على سالم البيض، وقد كان آخر رئيس لدولة اليمن الجنوبي، وهو الذي اتفق مع صالح على توحيد يدمج اليمنين في يمن واحد، وقد انقلب على رأيه القديم، وحصل على دعم مالي هائل من دولة إقليمية غير عربية، وأصبح يتصدر رغبة الانفصال، ويلتمس أسبابها وأعذارها في ظلم عظيم حاق بالجنوبيين، نهب ثرواتهم، واستولى على أراضيهم، واغتصب حقهم في الحياة بكرامة، وكان لعائلة صالح، ولعناصر من حزب الإصلاح الإخوان المسلمين النصيب الأوفر في حالات الاستيلاء على الأراضي والثروات البترولية والسمكية، خاصة أن أغلب مناطق استخراج البترول اليمني تقع إلى الجنوب، والذي يتواضع عدد سكانه 3 ملايين قياسا إلى 23 مليون نسمة في الشمال، وبرغم أن المظالم بحق الجنوبيين حقيقية وفادحة، إلا أن الانفصال لا يبدو حلا مريحا ولا صحيحا، فوق أنه قد يشعل حربا لاتبقى ولا تذر، ويدخل اليمن في زمن الكوابيس من جديد، ويطفئ نار الثورة المقدسة، ويحرف رغبتها في بناء اليمن الموحد العادل الديمقراطي.

‘ كاتب مصري

أخبار ذات صله