fbpx
إيران والعالم العربي
شارك الخبر

للكاتب/ د. عبدالعليم محمد

بالرغم من علاقات الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية بجوانبها الحضارية والثقافية والدينية، التي تجمع بين إيران والدول العربية، وانطواء العالم الإيراني والعالم العربي في ظل الحضارة الإسلامية والديانة الإسلامية بصرف النظر عن الاختلاف المذهبي، بالرغم من كل هذه التشابكات والتفاعلات والتداخلات التاريخية بين الطرفين، فإن إيران تحولت إلى عنصر تخريب خطر يهدد استقرار المنطقة، مع تحولها إلى لاعب إقليمي يهدد الدول العربية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق ودول الخليج، ويمثل خصماً حقيقياً للعالم العربي.

وبقدر ما يتطلب المشهد الراهن في العلاقات العربية الإيرانية مواجهة عربية حاسمة دبلوماسياً وسياسياً، ومن خلال كافة الأدوات الإعلامية وغيرها من أوراق القوة؛ لتحجيم هذه التدخلات الإيرانية والحؤول دون استكمال حلقاتها وتحقيق غايتها، فإنه من المطلوب وبذات الدرجة، أن نجيب وبصراحة عن الأسئلة التي تتعلق بلماذا وصلنا إلى ما نحن عليه؟ ولا شك أن التغلغل الإيراني في الدول العربية وإنشاء وترسيخ قواعد للتدخل الإيراني وتشكيل شبكات زبائنية لإيران في العديد من الدول العربية، كان تتويجا لتضافر عدد من العوامل الإقليمية والدولية والعربية التي استثمرتها إيران للوصول إلى أهدافها.

وكما أن الطبيعة لا تحب الفراغ فإن السياسة أيضاً كذلك، والمقصود هنا أن النظام العربي ومنذ عقود مضت قد فقد الكثير من قوته وتراجع عن الأدوار التي اضطلع بها في حقبة سابقة، وتخلى عن التضامن العربي الفعال الذي تجلى ظاهرا في حرب أكتوبر عام 1973، وعانى من الانقسام بعد غزو العراق للكويت عام 1990، هذه الانقسامات بتوالي تكرارها مهدت لتراجع النظام العربي وافتقاده البوصلة الجماعية، التي مكنته في فترة سابقة من مواجهة التحديات المطروحة.

من ناحية أخرى فإن النفوذ الإيراني والطموحات الجيو سياسية لإيران بقيت كما هي لم تتغير، رغم تغير الغطاء الأيديولوجي بعد الثورة الخمينية عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ شرعت إيران في التكيف مع الواقع الجديد واستثمار الفراغ الذي خلقه تراجع الدور العربي والنظام العربي وعملت بدأب على إنشاء «شبكات زبائنية» في العديد من البلدان العربية كلبنان واليمن وسوريا والعراق والذي أفضى التدخل الأميركي فيه إلى تمكين النفوذ الإيراني في العراق.

ويبدو الموقف الإيراني جليا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والمتاجرة بها، من خلال استغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية وتوظيف هذا التعاطف لتحقيق المصالح السياسية والاستراتيجية لإيران وتعزيز المشروع الإقليمي الإيراني في الهيمنة والسيطرة من أفغانستان حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط.

القضية الفلسطينية في المنظور الإيراني أداة لتحقيق المشروعية والمقبولية والصدقية لدى الرأي العام العربي، ويفسر ذلك علاقة إيران ببعض التنظيمات التي رفعت شعار المقاومة إبان حقبة أوسلو لإفشال مشروع التسوية والزعم بوجود قصور عربي على صعيد هذه القضية والتي تعتبر مفتاح القبول الشعبي والعربي والإسلامي.

يضاف إلى ذلك أن «ثورات الربيع العربي» قد عمقت من أزمة النظام العربي من خلال تآكل الدولة الوطنية وانهيارها في العديد من الحالات وخلق أجندة جديدة لدى الدول العربية لترتيب أوضاعها والحؤول دون انهيارها من خلال مقاومة الإرهاب وإعادة بناء الدولة، وهي المهمات التي لا تزال قائمة وتستنزف الطاقات العربية ومهدت لانقسام جديد بين الدول الراعية للإرهاب وتلك الدول التي تقاوم الإرهاب، وكانت المحصلة النهائية لهذا الانقسام إفساح المجال للمشروعات الإقليمية لكل من إيران وتركيا وإسرائيل واعتبار العالم العربي بمثابة الرجل المريض «الذي ينبغي تقاسم تركته وميراثه».

وقد فاقم غياب التخطيط الاستراتيجي والمستقبلي والرؤى الاستشرافية لدى دوائر صنع القرار أو مراكز البحوث والدراسات من تداعيات هذا الوضع، فلم تستطع الدول العربية المعنية التنبؤ بمسار الأحداث واتجاهاتها والغاية النهائية التي يراد تحقيقها، إلى أن فوجئت بتشعب التدخل الإيراني ومسالكه ودروبه وقصورها عن مواجهته مبكرا وفي الوقت المناسب، ومع ذلك فإن هذه المواجهة وإن جاءت متأخرة فإن ذلك أفضل من أن لا تجيء رغم مضاعفات وتكلفة هذه المواجهة بعد مضي هذا الوقت.

يقع على مصر عبء الدور الأكبر في احتواء مضاعفات المشهد الراهن بحكم ثقلها الدبلوماسي وحضورها الدولي وعلاقاتها المتوازنة وقدرتها على تخليق الأفكار والمبادرات ومسلكها الأخلاقي والمصداقية التي تحظى بها في المحافل العربية والدولية.

* كاتب ومحلل سياسي

أخبار ذات صله