fbpx
عن مصير المؤتمر الشعبي العام

تتعدد الاجتهادات في تأويل مصير المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح) بعد قتل رئيسه وأمينه العام على أيدي حلفائه الذين استجلبهم (الرئيس) لينتقم بهم من خصومه الذين كانوا حتى وقت قريب أذرعته و(خبز يديه والعجين)، وتذهب بعض الاجتهادات إلى القول أن المؤتمر قد ينقرض ويغيب عن الوجود لأن المؤتمر كان الرئيس والرئيس كان المؤتمر.

الحقيقة التي لا مراء فيها أن المؤتمر ككيان سياسي قد جاء تشكيله بقرار فوقي وتكون بطريقة انتقائية من قوى لها من الحضور والتاريخ السياسيين عندما تم التوافق على ذلك بين جميع التيارات السياسية في الجمهورية العربية اليمنية، ودخل في المؤتمر حينها بعض السياسيين ذوي الانتماءات الفكرية المتناقضة من قوى اليسار إلى الاتجاهات القومية (بعثيون وناصريون) وتيارات إسلامية متنوعة من السلفيين إلى الإخوانيين إلى بعض المتصوفة والهاشميين وسواهم إلى جانب الوجاهات القبلية والعسكرية وعدد من رجال المال والأعمال المقربين من السلطة آنذاك، لكن هذا التحالف الذي كان خاضعاٍ لتحكم المركز السياسي ممثلا برئاسة الجمهورية لم يدم طويلا، فقد تحلل بعد ما أسمي بإعلان التعددية الحزبية في العام 1990م حيث ذهب كل تيار داخله إلى الاتجاه الذي يعبر عنه، ولم يبق في المؤتمر إلا تلك الطبقة الوسطى من الوجهاء القبليين وبعض القادة العسكريين والموظفين الحكوميين، وغيرهم من الفئات التي تجد مصالحها في الارتباط بالسلطة لكن مراكز القوة في المؤتمر بقيت بأيدي الجماعات الطفيلية من القوى القبلية والعسكرية والبرجوازية الطفيلية التي كونت ثرواتها وبنت مصالحها من خلال سوء استخدام السلطة، فضلا عن بعض الجماعات من رجال الأعمال الوطنيين الذين كانوا مضطرين إلى اللجوء إلى المؤتمر خوفا من تضرر مصالحهم التي ورثوها أبا عن جد.

هذا ليس سردا لتاريخ المؤتمر بل مجرد إشارات عابرة، اقتضتها الضرورة للإشارة إلى ما هو أهم، وهو أن المؤتمر لم ينشأ في معمعة المعارك السياسية أو العسكرية أو حتى المناظرات الفكرية، ولم يعرف عنه أن عارض أي مواقف سياسية، بل نشأ في كنف السلطة وتسلط بتسلطها وتقوى بقوتها بل واستقوى بها في مواجهة خصومه السياسيين، وهذا النوع من الأحزاب يكون تابعا للسلطة وليس موجها لها، لأن السلطة هي من يموله وهي من يرعاه وبالتالي هي من يأمره ويوجهه وليس العكس.

كان الحزب بالنسبة لصالح هو الواجهة التي يقابل بها الأطراف السياسية الأخرى، وكان أمرٌ واحدٌ من صالح يكفي لتغيير اتجاه سياسات المؤتمر 180 درجة، وفي هذا السياق كانت هيئات (الحزب) مجرد واجهات شكلية ليس لها من السلطات إلا تمرير ما يأمر به الرئيس، وبالرغم من تضخم بنيانها وبلوغ أعداد أعضائها الآلاف لكنها كانت مجرد  جسم ضخم لا فعل له إلا التهليل لاسم الرئيس والترويج لقراراته وأفعاله، وقد لاحظنا كيف انساق الحزب كله قيادة وقواعد وراء قرار صالح التحالف مع الحوثيين، وكيف هللوا لقراره الخروج من هذا التحالف دونما أي مناقشة ولو من باب الاستيضاح للقرار وعكسه.

لم يمتلك المؤتمر جهازا تنظيميا منضبطا بل لقد تميز عمل أجهزة المؤتمر بالعشوائية والارتجال، وفي حالات كثيرة كان تغيير تركيبة اللجان المحلية واللجة الدائمة يأتي لاسترضاء شرائح معينة أو لمجرد كسب هذه الفئة أو تلك الشريحة، ويتذكر الجميع أن عدد أعضاء اللجنة الدائمة قد كان يتسع وينقص تبعا لحاجة اللحظة، وهناك العشرات إن لم نقل المئات، من الأسماء تمت إضافتها إلى اللجنة الدائمة، دون انتخابها من المؤتمر العام كما يقتضي ذلك النظام الداخلي، وعندما حانت الحاجة جرى اختراع، ما سمي اللجنة الدائمة المحلية، ليكون لكل محافظة لجنتها الدائمة، غير لجنة المحافظة المنتخبة في مؤتمر المحافظة، ناهيك عن أن معظم (المنتخبين) في اللجان المحلية والدائمة (المحلية) واللجنة الدائمة، والعامة يتم عبر هيمنة الرئيس الذي يستطيع رفض أو فرض أي أسماء يؤيدها أو لا يريدها.

كل هذا قد لا يكون أهم ما في الأمر، بل إن المهم والأهم هو علاقة الحزب بالزعيم، فالحزب الذي يعلم أعضاءه وقياداته على شعار “بالروح بالدم نفديك يا فلان” لا يمكن أن يصنع مناضلين حزبيين يخدمون الوطن وينذرون أرواحهم من أجل الوطن وقضاياه، أما افتداء الزعيم بالروح والدم، فليست سوى بروبجاندا منافقة أثبت الواقع خواءها ومعدوميتها عند أول اختبار.

لست في وارد التخمين أو الشماته من مصير المؤتمر الشعبي العام، وشخصيا أتمنى أن يستطيع الزملاء القياديين المؤتمريين أن يعيدوا بناء حزبهم على نحو جديد ومغاير للطريقة التي سار عليها المؤتمر منذ تأسيسه، بالاتكال على ثقل ورمزية الرئيس والاستناد إلى سلطته المالية والعسكرية والتنفيذية، على الأقل لنجد نداً سياسيا محترما نتفاوض معه بشأن الخروج من ورطة 1990م والعودة الآمنة إلى حدود 21 مايو 1990م، لكنني لست متأكدا أن المؤتمر الشعبي العام ستقوم له قائمه بعد انتهاء قياداته، خصوصا وأنه قد تعرض للتفكك في العام 2011م عندما انسحب منه المئات وربما الآلاف ليخلدوا إلى اعتزال السياسة، في حين ذهب جزء كبير من ناشطيه إلى صف الثورة والتحق جزءٌ منهم بصف الرئيس عبد ربه منصور هادي، بينما بقي جزءٌ كبيرٌ مع الرئيس صالح ومعظم هؤلاء هم ممن بنوا مصالح مادية ومعنوية عبر صالح ذاته، لكنهم اختفوا حينما تعرض صالح للحصار والقتل، وهؤلاء تفرقت بهم السبل بين البقاء مع صالح حتى نهايته، وبين التوجه للالتحاق بصف الشرعية وبين المساومة مع الحوثيين وربما التوجه لعقد صفقة معهم تقتضي استمرار الشراكة في ما يسمى بحكومة الإنقاذ لكن هذه الشراكة لن تكون إلا شراكة التابع مع المتبوع.

لست من الميالين إلى التخمين أو ادعاء سبر الحقائق واستباق الأحداث، لكنني على يقين أن مؤتمر الأمس الذي ظل رديف لاسم صالح وصورة مجسمة له ومكون موازي للسلطة التنفيذية قد ولى ولن يعود إلى الحياة كما عرفه اليمنيون.

ولعل الأيام القادمة كفيلة بإنبائنا بما لم نزودِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على فيس بوك