fbpx
ما الذي يريده هؤلاء من الجنوب ؟

 

احمد عمر بن فريد

من الطبيعي جدا .. والى حد يشبه اليقين ان يتعض ” الانسان السوي ” حينما يمر بتجربة قاسية , وان يتعلم مما وقع فيها لغرض تحاشى حدوثها مجددا في حياته , ومن الطبيعي ان يتعلم من ” الأخطاء ” التي ارتكبها وادت به الى الكارثة , وأن يكون قد تعرف على الأسباب الحقيقة التي انتجت تلك المأسآة أو الكارثة في حياته , ومن هنا اتى معنى ” العبرة “و ” الاتعاظ ” .. لكنه من المؤلم ومن غير الطبيعي ان يقع الانسان في نفس الخطأ الذي وقع فيه مرتين ! ومن المستغرب ان يسير بخطى حثيثة مرة أخرى في ذات الطريق الذي انتهى به ذات يوم الى ” ورطة ” دون ان يدرك انه سينتهي الى نفس النتيجة مجددا !, اولم يقولوا : أن نفس الأسباب اذا تكررت تعطي نفس النتائج ولو بعد حين !

 

وربما أن المصيبة الأعظم تبرز حينما نجد هذا الانسان يدافع عن توجهه المكرر مرة أخرى , باحثا عن مبررات وأوهام يحاول ان يقنع بها نفسه قبل ان يقنع بها الآخرين الى انه سينتهي به الطريق في هذه المرة الى نهاية مختلفة ! وهو حينما يفعل ذلك يدخل في حالة تعارض مع كل قوانين الطبيعة وضوابط الاستنتاجات المنطقية … هكذا يبدو هو حال ” قلة ” من الجنوبيين اليوم من الذين قرروا بغباء شديد ان يدخلوا في حالة صدام مع اخوانهم ” الجنوبيين ” الذين يقولون لهم ببساطة شديدة .. لقد جربنا الوحدة معا ..عايشناها جميعا .. ودفعنا – بلا استثناء – فاتورتها الباهضة معا وهانحن قد انتهينا منها تقريبا بعد عناء كبير وتضحيات جسيمة ودماء غزيرة وشهداء كثر وجرحى أكثر .. فما هي الحكمة من معاودة السير نحوها مجددا تحت شعارات مختلفة من قيبل ” الدولة الاتحادية ” على سبيل المثال ؟ أو غيرها من المشاريع الأخرى !

لهؤلاء .. الذين يبدوا لي انهم في حالة من ” التنويم المغناطيسي ” ان جاز التعبير.. اضع امامهم هذين المشهدين لعل وعسى ان يكون لهما اثرا ايجابيا في استفاقتهم من حالتة النوم الاصطناعي التي يعيشونها.

 

المشهد الأول : في ذات يوم حار من صيف 1994 م , وبعد حرب شرسة فرضتها صنعاء على الجنوب استمرت قرابة ال ( ألف ساعة حرب ) كما وصفها أحدهم متباهيا , وجد الرئيس / علي سالم البيض نفسه مرغما للسير نحو حدود سلطنة عمان الشقيقة طالبا لنفسه ولمن معه السلامة والأمان من غدر الشقيق الذي توحد معه برغبة ونية حسنة , في حين ان الاف غيره من قيادات الجنوب وعلى رأسهم نائبه حينها السيد / عبدالرحمن الجفري كانوا يغادرون وطنهم مرغمين عن طريق البحر الى جيبوتي بعد ان دخلت ” جحافل التتار ” عدن وبقية مناطق الجنوب لتستبيحها في مشهد لا يمت لأي معنى ولو صغير من معاني الوحدة .

 

المشهد الثاني : في ليلة بلا قمر من شهر مارس 2015 م بعد مضي اكثر من عقدين من الزمان على المشهد الأول .. وجد الرئيس / عبدربه منصور هادي نفسه يسير في ” نفس الطريق ” الذي سار فيه الرئيس البيض سابقا متجها الى حدود سلطنة عمان الشقيقة ايضا ولنفس الأساب التي حدثت مع البيض ومن نفس الافراد ايضا .. طالبا لنفسه ولمن معه السلامة والأمان .

 

هاذان المشهدان يؤكدان .. بدلالة قاطعة على ان ” الثقافة الزيدية ” هي نفسها التي لا تقبل الا ان تكون صاحبة ” السلطة المتسلطة ” سوء تلحفت هذه الثقافة برداء جمهوري يحمل صاحبها بدلة مدنية كما يفعل صالح او ببدلة عسكرية كما هو حال علي محسن الأحمر او بلباس تقليدي كما يفعل الشيخ الأحمر واولاده وبقية المشائخ حتى وان كانت المظلة التي يقفون تحتها جميعا ” جمهورية ” .. أو حتى لو تلحفت تلك الثقافة ب” جبة السيد وعمامته ” وحملت مشروعا طائفيا متخلفا .. انها نفس الثقافة التي تحمل ذات المضمون والتي تنتج نفس الممارسة التي مورست علي البيض كما مورست ايضا على هادي ! لافرق في النتائج بغض النظر عن صاحب السلطة التنفيذية فيها..

 

 

في تقديري ان هذان المشهدان يعلمان الصخر قبل ان يعلمان البشر , وينتهيان بأي انسان سوي الى نتيجة واحدة تفيده انها تجربة كافية وان اعادة التكرار نوعا من ” الاستحمار ” مع يقيني ان الحمار نفسه يفهم الطريق الذي سار فيه مرتين ! وعليه .. وكنتيجة طبيعية , لا يمكن لهذه الثقافة المتأصلة التي تخرج مكنونها وقت الضرورة ان تنتج شيئا مختلفا بتغير المظلمة التي تقف تحتها الى ما تسميه بعض القيادات الجنوبية ب ” الدولة الاتحادية ” .. ! اولم تشن هذه الثقافة حربها على الجنوب عام 1994 م بسبب وثيقة العهد والاتفاق التي رأت فيها ما يمكن ان يؤدي الى سحب سلطاتها من مركزها المقدس صنعاء ؟! اوليست هي نفس الثقافة التي رفضت ايضا ما يسمى بمخرجات الحوار اليمني ومشروع الدولة الاتحادية ؟! . . فكيف يمكن – الا لغافل – ان يعتقد ان سلطة صنعاء الزيدية المقدسة ستقبل اي معنى من معاني الشراكة مع أحد ؟

 

 

نوجه هذا الكلام لجميع اولئك الذين ” نسوا ” هذا الماضي القريب التعيس وقرروا ان يقفوا بقضهم وقضيضهم ضد مشروعنا الوطني الجنوبي المتمثل في التحرير والاستقلال مستخدمين مبررات مخزية وواهية تتعلق بما يقولون انها ممارسات مناطقية تصدر من هنا او هناك ! او غير ذلك من مبررات اخرى فارغة المضمون , بل ان الحال وصل ببعض هؤلاء الى حد وصف ثورة الجنوب وحقنا الوطني المشروع في الاستقلال ب ” الفورة العاطفية ” ..! مستغلين نموذج كتلونيا لخق مقارنة تحذيرية بأن مصيرنا سيكون كمصير هذه المقاطعة الاسبانية ! ناسين ان الجنوب دولة وهوية وتاريخ .. وأن وضعية كتلونيا او حتى كوردستان تختلف عن حال ” قضية الجنوب ” من حيث الجوهر ومن حيث الظروف السياسية المحيطة خاصة وهم يعلمون ان ” المصلحة السياسية ” تمثل القاعدة الرئيسية في قبول الاعتراف او عدم الاعتراف باي مشروع لدولة جديدة .. اولم يقبل الغرب كله بتفكيك جميع دول اوروبا الشرقية كما يفكك الطفل الصغير قطع مكعبات لعبته ؟! اولم نشاهد دولا اعلنت في جزر نائية ؟

 

 

هؤلاء الساسة ضيقي الأفق من الذين لم يعتبروا من الماضي يمثلون حالة عسيرة على الفهم .. لكن التفسير الوحيد لمثل هذه المواقف المتعنته من قبول ارشادات الماضي في تقديري يكمن في تقديمهم لمصالحهم الذاتية المؤقتة المرتبطة بفترة زمنية لا يمكن لها ان تستمر ابد الدهر كما لا يمكن للمصالح ان تبقى كما هي حبسية المشاريع السياسية الوهمية , ولهذا ننصح اخواننا بمراجعة النفس والواقعية في التفكير والبعد عن التشبث بالاوهام حتى ولو من الناحية الافتراضية .

 

هؤلاء الساسة المتحالفين مع اركان الفساد للاسف الشديد لم يكتفوا بدورهم التعطيلي للمشروع الوطني الجنوبي بل تمادوا اكثر من ذلك حينما جندوا ضعاف النفوس لتشكيل فريق مضاد اعلاميا للمسيرة الوطنية الجنوبية واستطاعوا ب ” المال ” ان ينتزعزا بعض الاخوة من بين صفوفنا في ظروف غامظة !! ليكونوا منهم فرقة من الكتاب الذين للاسف خالفوا ضمائرهم قبل ان يخالفوا الاجماع الجنوبي.

 

و حينما أقرا كتابات بعض الأخوة من الذين ” تلونوا ” و ” تنازلوا ” ممن كانوا الى يوم قريب يحملون قيم وشعارات مشروعنا الوطني الجنوبي تسيطر علي مجموعة من الأفكار الكثيرة التي تطرح العديد من الأسئلة الصعبة والمؤلمة من قبيل : هل يمكن ل ” مثقف ” ان يحول قضية وطنية مقدسة الى سلعة يتجر بها في دهاليز السياسة فقط من أجل ” التكسب ” ؟!! وهل يمكن للانسان أن يسترخص نفسه الى حد ان يقبل ان يكون ” نموذجا ” لعينة المتقلبين ؟! وهل يمكن ان يكون ” المال ” او ” السلطة ” مغرية الى هذا الحد الذي يدفع بمثل هؤلاء الى الوقوف في مثل هذه المواقف المعيبة ؟ والتي تجعل منهم ” دمى متحركة ” في ايدي جهابذة الفساد الذين يسطرون عليهم بالمال ثم يوجهونهم حيثما يريدون ؟.

لهؤلاء نقول .. قليلا من البصر والبصيرة والتبصر في معنى ما تقولوه وما يمكن ان ينتجه من عواقب وخيمة لن تكونوا ابدا في منىء عنها , لأنه وببساطة شديدة لا يمكن لكم ان تنسلخوا عن مناطقكم واهلكم الذين سكونوا ضمن ضحايا ما تروجون له من حملات اعلامية وضيعة نعلم أنها لن تقف في طريق شعب الجنوب بقدر ما يمكن ان تحدث صدعا في صفوفه مؤقتا بفضلكم.