fbpx
إلى مجلس التعاون الخليجي .. الاعتراف بالثورة الجنوبية أولاً !!

إلى مجلس التعاون الخليجي .. الاعتراف بالثورة الجنوبية أولاً !!

د. عبيد البري

 عندما ظهرت الآلية المزمنة لتنفيذ المبادرة الخليجية ، بدأ يدخل اسم الحراك الجنوبي ضمن القوى السياسية اليمنية والتصنيفات الفئوية للمجتمع بحسب ما فصلتها تلك الآلية التي وضع بنودها وتفصيلاتها قادة نظام صنعاء أنفسهم بوجود مستشار الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر .

ولبيان خطورة الآلية التنفيذية على مستقبل الجمهورية اليمنية ، لا بد أولاً من استعراض كامل النص الأساسي للمبادرة نفسها :

 (( تنص المبادرة الخليجية “المعدلة” لحل الأزمة اليمنية على تشكيل حكومة “مناصفة” بقيادة المعارضة ومنح الحصانة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعد استقالته . وتقوم المبادرة على أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره . وأن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح ، وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني . كما تنص على أن تلتزم كافة الأطراف إزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا وتوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض)) .

 فمن نص المبادرة أعلاه أستغل قادة نظام صنعاء عبارة ” الحفاظ على وحدة اليمن ” التي احتواها النص كنقيض لمواقف سابقة لدول الخليج العربية من قضية استقلال الجنوب ، أهما البيان الصحفي الصادر عن الدورة الحادية والخمسين للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون ، الذي انعقد في أبها 4 – 5 يونية 1994م ، فأكد أن بقاء الوحدة  لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين ، وأشار:

(( وأمام الواقع المتمثل بان احد الطرفين قد أعلن عودته إلى وضعه السابق وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية ، فانه لا يمكن للطرفين التعامل في هذا الإطار إلا بالطرق والوسائل السلمية .. ويؤكد انه لا يمكن إطلاقا فرض هذه الوحدة بالوسائل العسكرية )).

 إن كل القضايا التي تضمنتها المبادرة قد استهدفت حل “الأزمة اليمنية” من خلال حل قضايا محددة لا تمت بأي صلة للحراك الجنوبي باعتبار أن الحراك هو ثورة جنوبية شعبية ضد السلطة القائمة على احتلال الجنوب الذي اعترفت به قيادات هامة في النظام أنه استعمار . فالحراك الجنوبي السلمي يمثل شعب آخر لا يعتبر نفسه ضمن الشعب الذي تهمه قضية الحصانة أو التوافق على السلطة وطريقة انتقالها ، وليس طرفاً في التوتر السياسي أو الأمني ؛ ولكن يهمه جداً كل ما يؤدي إلى حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة .

 وإذا كانت الآلية التنفيذية قد عبرت عن توافق الأطراف التي استهدفتها المبادرة  ووقعت عليها ، فكان يتوجب على الدول الراعية للمبادرة ألا تقبل بحشر الحراك الجنوبي ضمن تلك الأطراف ، لاسيما وأن الجميع يدركون أن السلطة لم تعترف بعد بالقضية التي تبناها الحراك الجنوبي ولا بقيادته .

وما إصرار السلطة على زيادة تمثيل الجنوب في مؤتمر الحوار المنتظر إلى 50% بالتناسب مع تزايد رفض الجنوب الدخول في حوار يخص فقط الأطراف المتصارعة على السلطة والنفوذ  إلا لغرض إفشال المبادرة ، وبالتالي التهيئة لصراع شمالي – جنوبي تكون نتيجته تهديد أمن المنطقة مع استمرار عصابات السلطة باستنزاف الجنوب .

وإذا كان “بيان أبها” المشار إليه آنفاً ، قد اعتبر إعلان الطرف الجنوبي العودة إلى وضعه السابق هو “أمر واقع .. ولا يمكن للطرفين التعامل في هذا الإطار إلا بالطرق والوسائل السلمية” ، فإن دول المجلس قد أدركت لاحقاً أن التعامل مع ذلك الواقع كان بالغزو العسكري والاحتلال الذي حذر منه البيان ونتج عنه فشل الدولة والنظام . ولكن هل تستطيع دول المجلس تفسير تراجعها عن موقفها ، ووقوفها مع مصالح طرف على حساب الطرف الآخر ؟! .

إن على الدول الراعية للمبادرة الخليجية ألا تفوّت فرصة الاعتراف غير الرسمي للسلطة في اليمن بقضية الجنوب وقبولها الدخول مع الجنوب بالمناصفة في مؤتمر الحوار في ظل الرعاية الدولية .. فالدول الحريصة على إنجاح المبادرة تستطيع انتزاع اعتراف رسمي من النظام بالثورة الجنوبية والحراك الجنوبي كممثل لقضية شعب الجنوب ، قبل أن تتراجع بعض القوى السياسية القبلية عن هذا الاعتراف بحجة غياب الطرف الجنوبي ، لغرض إفشال المبادرة .

وأخيراً ، لا بد من التذكير بأنه لا تستطيع أي دولة أو مجموعة دول أن تتجاوز القوانين والمواثيق والأعراف الدولية لفرض وصايتها على الشعوب من خلال مبادرات أو مشاريع سياسية .. وأن التعامل الدولي مع قضية أي شعب يتطلب أولاً الاعتراف بالشعب والحامل السياسي لقضيته .

د. عبيد البري