fbpx
عدن فينيقة الحلم والأمل وبكل الألوان

د. قاسم المحبشي

الفن يسري في روح الكون كله بالتصميم والتشكيل والضوء والظلال والالوان والتنوع والتعدد بالكائنات والأنواع والاجناس والهيئات والاشكال والأشخاص الأصوات والحركات والأقدار والأماكن والأزمان الذي صممها الخالق المبدع المصمم الأول الله سبحانه وتعالى في غاية الروعة والجمال والجلال الساحر المهيب وخلق الانسان في أحسن تقويم ومنحه المعرفة والعقل والكلام واستخلفه على الأرض ليحميها ويصونها وينميها بالعدل والإنصاف والخير وبالكمال الأكمل والجمال الأجمل والتام الأتم على أفضل تصميم وأعلى ما تكون عليه الهمم من تشكيل اداري وفني وثقافي وعلمي وديني وأخلاقي يزيد من سعادة ورفاه الإنسان حيثما حل وسكن في هذا الكوكب المعمور بالحياة الإنسانية الرشيدة أو التي يفترض أن تكون رشيدة وسعيدة ومصونة وجديرة بالعيش الكريم والحياة الطيبة. وقد بدأت حياة الانسان أولى ما بدأت على هذه الأرض بلغة الجسد الرقص أو الغناء للتعبير عن الفرح والمآتم والبكاء والصراخ للتعبير عن الاحزان والفواجع. وكان النحت والرسم على الأحجار وصناعة الأواني وأدوات الزرع والحرب من مقتنيات الحياة الأثرية الباكرة لسيرورة البشرية في كل مكان عاش فيه الانسان. وبهذا يتكون التاريخ الإنساني من ثلاث قوى أساسية هي: لثقافة فناً وعلماً وادباً. وتمثل القوة الإبداعية في التاريخ. والحضارة: قانوناً واخلاقاً وتشريعاً. وتمثل القوةالتنظيمية في التاريخ. والمدينة: عمارة وزراعة وتدجين وتعدين وتصنيع. وتمثل القوة المادية في التاريخ. تلك هي قوى التاريخ وأدواته الفاعلة التي لا يكون الإ بها ومنها وسببها ونتيجة تفاعلها.

وتعد الفنون الجميلة من أقدم المجالات التي
التي عرفها تاريخ الفكر الإنساني في مصر والصين والهند واليونان وبلاد الرافدين وجنوب الجزيرة العربية وغيرها من البلدان التي شهدت حضارات حقيقية.
الفن من أهمّ ما تركه الإنسان على وجه الأرض وساعد على تطوير البشرية للأفضل، من أفكار الفنانين ظهرت الابتكارات والاختراعات التكنولوجيّة التي سهلت الحياة على الإنسان، كما ساهم بعض الفنانين بالفعل في ذلك التطوير من خلال ابتكارات مباشرة. ومن خلال الفنون تقاس حضارات الشعوب ومدى تقدّمها، فالثابت أنّ الحضارات القديمة كان من أبرز ما تركته للبشرية هو الفنون التي تمثلت في النحت والتصوير وغيرها.والفنون كلّها عبارة عن إنتاج إبداعيّ للإنسان يعبّر بواسطتها عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وقد يقوم بعمليّة محاكاة لما هو موجود في الطبيعة أو الواقع، أو يحلّق بخياله ليبتكر عملًا فنيًّا – في مجاله – يُحدث الدهشة والانبهار وربّما “الصدمة” لدى المتلقّي!
‎هناك قواسم مشتركة في الفنون على اختلاف أنواعها، من أهمّها: أنّ جميعها تُخاطب الشعور/الإحساس الإنسانيّ، وتُسهم في بناء الشخصيّة المتكاملة وتطوّرها القيميّ الجماليّ!
‎ومن هنا يأتي التمييز بين الفن والجمال؛ إذ أن الفن يعبر عن كل ما إبدعه الإنسان من فنون القول والتصميم والاشكال والنحت والتصوير والبناء والإعمار وغيرها.
‎بينما الجمال يعبر عن جمال الأشياء الطبيعية التي صممها الخالق المصمم
‎ويميز كانط بين الجميل والجليل بما يتركه هذا الآخير من قوة أثر في النفوس حد الاهاش والذهول كارؤية
‎الشلالات الكبيرة أو البراكين المتفجرة
‎أو امواج البحار الهائجة أو الإنهار والسيول الجارفة.. الخ
‎يَقولُ العالم الفيزيائي آينشتاين (لو لَم أكن فيزيائيّاً، مِنَ المُحتَمَل أن أصبِحَ مُوسيقيّاً، غالباً ما أفكّر بالمُوسيقى، أحلامُ اليَقَظةِ لَدِي مُوسيقى وأنظرُ إلى حَياتي بدلالَةِ المُوسيقى، أجمَلُ أوقاتي هِيَ تلكَ التي أقضيها بالعزفِ على الكَمَان). لأنّ الفُنونِ الجَميلة دائِماً تِلعَبُ دَوراً مُهِماً فِي المُجتمع الإنساني، وتجعَلُ الإنسان أكثر رقياً، لأنّ الحيوانات لا تَعرِفُ الفنون ولا تُتقِنها سِوى البشر، فَهِيَ حالة من حالات الرّقِي الإنساني.
‎وتنقسم الفنوان الجميلة الى قسمين: اولاً:
‎ما يسمّى بالفنون المادية، كالرسم والنحت والزخرفة وصنع الفخار والنسيج والطبخ . والفنون. ثانيًا: غير الماديّة نجدها في الموسيقى والرقص والدراما والكتابة للقصص وروايتها. كما أنّ هناك فنون بصرية؛ كالرسم، والنحت، والعمارة، والتصميم الداخلي، والتصوير، وفنون زخرفية، وأعمال يدوية، وغيرها من الأعمال المرئية.
‎الجدير بالذكر أن قسم الفنون الجميلة يعد من الأقسام الفتية في كلية الآداب بجامعة عدن، إذ تأسس عام ٢٠١٣ بامكانيات متواضعة ويضم القسم ثلاث شعب فقط :الأولى للفنون التشكيلية والرسم، والثانية للمسرح والثالثة للموسيقى. لكنه حتى الآن مازال يقتصر على
‎قسم الفنون التشكيلية والرسم ولم ينفتح بعد على مجالات الفنوان الأكاديمية الأخرى : كالمسرح والموسيقى والعمارة.

بجهود طيبة من عمادة كلية الآداب ورئيس قسم الفنون الجميلة وتحت رعاية ودعم رئيس جامعة عدن الأستاذ الدكتور الخضر ناصر لصور شهدت حورية البحار وأميرة المدائن : عدن الحبيبة على مدى يومين متتاليين منذ أمس الأول عرس فني تشكيلي في قلب فوهة البركان كريتر بساحة منارة عدن الآثرية، إذ نضم قسم الفنوان الجميلة في كلية الآداب معرضا تشكيليا مفتوحا تحت الشمس وبالهواء الطلق بإتاحة الفرصة للطلبة والطالبات للتعبير عن مواهبهم الإبداعي بالرسم والتشكيلي بكل الألوان.

كان معرضا ناجحاً رغم شحة الإمكانيات المادية التي صرفت لتنظيمه وبعض المنقصات. غير أن المعنى والرسالة الآكاديمية والفنية التي حملها المعرض كانت راقية وغالية القيمة. إذ أكدت عدن مجددا بأنها مدينة النور والأمن والحب والسلام وأن الأسود لا يليق بها أبداً! وهكذا هي عدن على الدوام كانت وستظل فينيقة البحر والسماء تزهر في هيشم الحرب والخراب من جديد بكل الألوان. لتستائف الحلم والأمل التواق للحياة والنظام والعدالة والنماء والتنمية والتقدم والرقي والازدهار.