fbpx
دكاكين الصحافة وعشوائية الصحف .. قف!

فترة ما بعد الحرب وضعف القوانين وتطبيقها، ومنها قانون الصحافة والمطوبعات، فتح الباب أمام حرية الرأي والتعبير بصورة غير مسبوقة، لتظهر الكثير من الصحف الإلكترونية المصرحة وغير المصرحة وبأعداد كبيرة، والقائمون عليها ممن لا تنطبق عليهم مواصفات الصحفي مما جعلها توجد ما يمكن أن نسميه فوضى السوق الصحفية، فكان نتاج ذلك احتواءها على ما يكره ويحبب، ما يهدد ويضل، ما يجمع ويفرق، ما يعطي ويبتز، ما يدار من قبل اجندات، وأخرى ممن لا علاقة له بالمهنة، ومع الأسف سارت معها صحف ومؤسسات صحافية كانت من ذي قبل أفضل حالا. 

فما نلمسه ويلمسه الجميع في الوسط الصحفي المقروء أو الصحافة الإلكترونية أنه ومنذ ما بعد تحرير عدن، وربما قبل ذلك أضحت الصحافة “مهنة من لا مهنة له”، مما جعلها تفقد مهنيتها والكثير من مصداقيتها، وتتحول إلى مهنة للارتزاق والابتزاز، ولعل هذا الواقع سمح بظهور “دكاكين الصحافة” و“عشوائيات الصحف” التي انتجها عدد من “السماسرة” ممن يفتقدون إلى شرف المهنة الصحفية ومن الجاهلين بأخلاقياتها وأهدافها ومبادئها وكرامتها، إلا من رحم ربي.
 
ولكون الصحافة تحمل أهمية كبرى جعلها تصنف كسلطة رابعة، نظرا لما تحدثه لدى الرأي العام، فقد اقتصرها القانون على المشتغلين بالصحافة من أعضاء نقابة الصحفيين، فإن غياب القانون، أو لنقل ضعفه منذ الحرب الأخيرة، فهذا لا يعفي المشتغلين في مجال الصحافة والقائمين على الصحافة المطبوعة والإلكترونية من الالتزام باللوائح والنظم التي تحفظ للصحافة مكانتها ورسالتها ودورها التنويري والتوعوي، فهي وقبل كل شيء مهنة نبيلة. 

وإذا ما نظرنا إلى المشتغلين في مجال الصحافة، وعلى وجه الخصوص في عدن، التي توجد فيها أغلب الصحف والمواقع الإخبارية سنجد أن الكثير منهم لا تنطبق عليهم صفة الصحفي، ليس لأنهم لا يمتلكون الصفة الرسمية – أي أنه ينضوي في إطار نقابة الصحفيين – ولكن لأن منهجهم ومنهيتهم ونشرهم في كثير منه لا يمت للصحافة بصلة، بل وعملت على تزييف الوعي المجتمعي وجعلت النخبة من المجتمع ينفرون منها، لإدراكهم ما تبثه من سموم مغلفة. 

ويمكننا هنا أن نطلق عليهم اسم المنتحلين للصفة الصحفية، فبمجرد الظهور في العديد من المناسبات الرسمية المهمة، تحت صفة “صحفي” غير مدرك أنه بهذا السياسة الإعلامية يتورط في تصرفات لا تؤدي فحسب إلى الإساءة لمهنة الصحافة ورسالتها ودورها، وإنما تسمح له ـ كذلك ـ بابتزاز المسؤولين والمواطنين على حد سواء، عبر عشرات من المطبوعات التي يتخللها عدد من المواد غير المهنية، وكذلك حال المواقع الإلكترونية. 

من يشتغل في مجال الصحافة ويعرف مدى تأثيرها على الرأي العام يدرك أن هؤلاء يمثلون تهديداً حقيقياً مباشراً لمهنة الصحافة وإساءة لها ولتاريخها المهني الذي يمتد إلى أكثر من قرن من الزمن، وبات أصحابها يتخذون من الابتزاز “والسمسرة” والتشهير بالآخرين طريقاً للحصول على ما يريدن لسد جوعهم بالسحت الحرام، ويضاف إلى أن من مخاطرها أنها ستخرج ـ مستقبلا ـ مجاميع من “المتسولين” و“المتسولات” الذين يجوبون أرجاء الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومة للحصول على الأموال بالوسائل والطرق غير المشروعة وبعناوين وصفات صحفية، ومن هذا المنطلق لابد أن تكون هناك وقفة جادة من قبل النخبة الصحفية الجنوبية للحفاظ على الصحافة من الضياع في سوق الفوضى والعشوائية، فنحن مع حرية التعبير وحرية الصحافة، ولكن بشرط الالتزام بالمهنية والمصداقية وإنسانية وأخلاقيات الصحافة، وليس العشوائية والسمسرة والارتزاق.