fbpx
انتصرتم ميدانياً.. فانتصروا سياسيا

 

نعيش اليوم أحداثاً ليست عادية، هي عبارة عن مرحلة حساسة جداً وفاصلة من تاريخ نضالات الشعب الجنوبي وتضحياته، كما أنها في ذات الوقت مرحلة سياسية بامتياز بالنسبة للجنوب.

وكلنا يدرك أن الحرب الأخيرة التي شنتها مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، كانت من أجل هدف يمني محلي، يتمثل بإعادة احتلال الجنوب وحكمه بالحديد والنار، وهدف خارجي يتمثل بتحقيق مشروع إيران في السيطرة على باب المندب وعدن ومن ثم محاصرة دولة الخليج ومصر.

تلك الحرب التي تداخلت فيها القواسم المشتركة وتقاربت الأهداف، كان لشعب الجنوب منها تحقيق هدفين رئيسيين، الأول: تحرير الجنوب وتحقيق استقلال دولته باقتناص الفرصة التاريخية، والثاني: الوقوف مع دول الخليج والدول العربية لإفشال مشروع إيران العدواني.

واليوم بات الجنوب محرراً جغرافياً، لكن التداخل في الأهداف السياسية جعل هدف الجنوبيين السياسي غير محسوم بعد، وذلك نتيجة للارتباطات السياسية والجيواستراتيجية في المنطقة العربية، خاصة وأن الحرب في الشمال لم تنته بعد.

ولا شك، أن للسياسة أحوالها ومساراتها، فقد يكون تحقيق الهدف السياسي قريباً، وقد يكون بعيداً، لكن طالما والسيطرة على الأرض مستمرة، فذلك يعزز تحقيق الهدف السياسي ويجعله قريباً.

من هنا كان وجود المجلس الانتقالي الجنوبي – ككيان سياسي جنوبي – ليس اعتباطاً أو ردة فعل، بل هو ضرورة قصوى لتسييج وحماية انتصارات الجنوب والتحالف العربي، التي حاولت وتحاول قوى الشمال، بما فيها القوى المحسوبة على الشرعية، الإضرار بتلك الانتصارات الجنوبية باستخدام السياسة.

فاتخذت مليشيات الحوثي وصالح قرارا بمقاطعة مساعي المبعوث الأممي ولد الشيخ، حتى يتم عزل المجلس الانتقالي الجنوبي عن أي لقاءات أو نقاشات سياسية، واتخذت أجنحة الشرعية – التي في مجملها تنتمي لحزبي الإصلاح والمؤتمر “وهما حزبان شماليان” – قراراً بمهاجمة التحالف العربي خاصة “الإمارات”، واتخاذ قرارات سياسية باسم “شرعية هادي”، قضت بإقصاء قيادات الجنوب الحاملة لمشروع الاستقلال من مناصبها، وشن حملات إعلامية مسعورة ضدها وضد المجلس الانتقالي.

وأجدني مجبراً هنا بالقول: إنه للأسف الشديد، فقد وعت قوى الشمال مدى أهمية المجلس الانتقالي بالنسبة للجنوب، وهي تعمل – ليل نهار – للإضرار به داخليا وخارجياً، فيما لا تزال بعض القيادات الجنوبية لم تعِ بعد ما تحمله فكرة إيجاد القيادة السياسية الجنوبية الموحدة “المجلس الانتقالي” بغض النظر عن الأشخاص الذين يقودونه، فالأشخاص زائلون والرؤية والأفكار باقية إلى حين تحقيق هدفها.

وأعتقد – جازماً – أن نائب المبعوث الأممي لليمن، الذي زار عدن الشهر الماضي، بعد لقائه بقيادات المجلس الانتقالي، واستماعه منهم وبصوت واحد “بأن الجنوب يجب أن يمثله أبناؤه وقياداته الحقيقيون”، قد تعمد – وبناء على توصيات من قوى معادية للجنوب – اللقاء بقيادات جنوبية أخرى من الحراك، وللأسف بعضها هاجم المجلس الانتقالي.

ذلك عادةً ما يضر الهدف السياسي الجنوبي الذي إن تحقق سيصب في مصلحة كل جنوبي، بمن فيهم القيادات أو الأشخاص المعارضين للمجلس، بل وللجنوبيين المنتمين للمؤتمر والإصلاح ذاتهم، فالهدف الوطني هو للجميع ولمصلحة ومستقبل كل الجنوبيين.

المرحلة تتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى الابتعاد عن سفاسف الأمور، والعداوات الشخصية، وعدم الانصياع بغباء خلف ادعاءات أعداء الجنوب، والعمل لأجل المصير الجنوبي الواحد المشترك، ومعرفة أن استقلال الجنوب لن يكون بمجرد النصر الميداني، فهناك عوامل للاستقلال، تتمثل أبرزها بمدى الاستعداد والتأهيل الجنوبي ليكون دولة، أي وجود قيادة سياسية موحدة، لتطمين المحيط والمجتمع الدولي بشكل كامل ونيل اعترافهم، وإعادة بناء المؤسسات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية.

إن ما نشهده اليوم، في هذه المرحلة، يمكن لي وصفه بـ “المخاض السياسي العسير”، الذي يجب أن يرتقي الجنوبيون إلى مستواه، ويلتفوا حول المجلس الجنوبي الذي قام وفقا لمقتضيات المرحلة ومتطلباتها العاجلة، وسيضاف لقوامه صف كبير من القيادات الجنوبية، بغض النظر عن بعض القصور الذي يمكن تفاديه عمليا في الفترة القادمة.

كل تضحيات الجنوبيين الجسيمة توجب قطعياً العمل من أجل أن يكون الجنوب رقماً سياسيا يصعب تجاوزه، بعد أن ظل سنوات طويلة مجرد هامشاً تُزوّر إرادته ويُنتحل صوت شعبه.

أملنا بشعبنا وقياداتنا كبير، فالشعب وقياداته الذين كسروا حاجز الخوف في أوج قوة الاحتلال، واستطاعوا الصمود في أسوأ المراحل والظروف، قادرون اليوم على تتويج نضالات الشعب الجنوبي، بالنصر السياسي الذي سيتكامل مع النصر الميداني، ويحقق إرادة الشعب الجنوبي وهدفه الاستراتيجي.

 

  • عن الايام