fbpx
محنة المقاومة الشمالية

 عيدروس نصر

 

يرى الكثير من الجنوبيين أن الحديث عن الصراع في شمال اليمن لا يعنيهم وأنا أرى العكس إن الجنوبيين معنيون بسير الصراع في جبهات المقاومة في الشمال لأن القضية تعنينا من قريب أو من بعيد.

 

صحيح أن صراع الجنوبيين مع تحالف ٧/٧ مركب من حيث أن أطراف هذا التحالف توزعت بين التحالف الانقلابي وتحالف الشرعية في حين يصرون على التمسك بنتائج ٧/٧ بيد إنه من المفيد ان نتوقف عند نقاط قوة وضعف خصومنا حتى نتمكن من معرفة توازن القوى بيننا وبينهم مع الإشارة إلى أن لا خصومة للشعب الجنوبي مع الشعب في الشمال ولا مع مقاومته الوطنية الشريفة ولا مع الشرفاء من مفكريه وقادته ومناضليه الذين يقرون بحق الشعب الجنوبي في اختياراته المستقبلية الحرة.

 

هذه المقدمة كان لا بد منها لإيضاح سبب تناولي لأزمة المقاومة الشمالية وسبب إخفاقاتها المتواصلة في تحقيق أي تقدم منذ سنتين وأكثر إلى درجة أن بعض المحطات الإعلامية حدثتنا ثلاث مرات عن تحرير ميدي ومثلها عن تحرير صرواح وما يزال التحرير مستمرا.

 

لا بد من الاعتراف أن الشعب الشمالي شعب مقاتل ولديه الجسارة والقدرة على خوض المعارك وتقديم التضحيات دونما خوف أو تردد ويكفي أن نعرف أن المقاتل الشمالي ما أن يبلغ الرشد حتى تغدو البندقية جزءً أصيلا من مظهره الخارجي وأن الكثير من القبائل تفقد العشرات من أبنائها في نزاعات قبلية بسبب شبر من الأرض أو شتيمة تعرض لها شيخها أو احد أبنائها فما بالنا وموضوع الخلاف وطن وارض ومستقبل.

 

تذكرت هذه المحنة بعد احد حواراتي مع إحدى القنوات الفضائية حينما كان ضيفها الآخر يبرر عدم تقدم مقاومة الانقلاب في محافظات الشمال بالدور التخريبي للإمارات العربية المتحدة وطعن الجنوبيين لهذه المقاومة من الخلف عند إعلان المجلس الانتقالي.

 

إن السبب في إخفاق المقاومة الشمالية ليس تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي فقضية الجنوب حية منذ العام ١٩٩٤م وتضاعفت حضورا وتصاعدا وزخما بعد اندلاع الثورة السلمية الجنوبية في العام ٢٠٠٧م حينما كان معظم من يتبوأون قيادة المقاومة في محافظات الشمال يعتبرون المساس بالرئيس صالح خطاً أحمرَ، كما إن المقاومة الشمالية ظهرت ونشأت قبل إعلان المجلس الانتقالي الذي لم يمض على إعلانه اربعة اشهر، وبطبيعة الحال ليس السبب أن الشعب الشمالي اقل كفاءة قتالية أو أقل حبا لوطنه ومستقبله بدليل تقديمه آلاف الشهداء خلال مواجهة الحكم الإمامي وأثناء الحرب الأهلية في مواجهة الملكيين وإبان الثورة الشبابية السلمية، ولا هو (اي السبب) تفوق القوات الانقلابية التي تعيش صراعا داميا أوشك أن يتحول إلى حرب وقد يتحول إليها دونما تغيير في الميزان لصالح المقاومة.

 

إن أحد الأسباب لمحدودية نجاحات المقاومة في الشمال سياسي بامتياز وهو يرتبط بتعدد الأجندات لدى القائمين على قيادتها وانصرافهم لتنفيذ أجندات أحزابهم ورموزهم السياسية بدلا من وضع تحرير الأرض واستعادة الدولة في المقام الأول.

 

لكن هذا ليس السبب الرئيسي لإخفاق المقاومة في الشمال ، إن السبب الرئيسي هو أن من يتبوأون قيادة هذه المقاومة يكتظ تاريخهم بالتورط في كثير من القضايا المشبوهة ليس اقلها مشاركة نظام علي عبد الله صالح كل جرائمه على مدى ثلث قرن، حتى وإن تحججوا بأنهم قد واجهوه في ٢٠١١م، فراكب السفينة الغارقة يرمي نفسه منها فوق أصغر قارب قريب منه، وقد يتسبب في غرق القارب عندما يتحول من مجرد باحث عن إنقاذ الى قائد للقارب ومتحكم في حركته واتجاهات مساره.

 

مشكلة المقاومة الشمالية ان معظم قياداتها من أصحاب السجلات السيئة سواء في مساهمة علي عبد الله صالح كل جرائمه وتاريخه المشوه أو في الإشراف على عمليات القمع والتنكيل برموز الحركة الوطنية الشمالية أو في التنقل بين مواقف سياسية متناقضة لا تعبر عن اي قدر من الرصانة السياسية والتماسك القيمي، والأهم من هذا ان معظم هؤلاء متورطين في قضايا فساد ونهب واستحواذ يندى لذكرها الجبين.

 

تلك القيادات هي من يجعل الكثير من المواطنين يقارنون بينها وبين الطرف الآخر فلا يجدون فرقا كبيرا يستحق ان يجازفوا بارواحهم ودمائهم من اجله.

 

ستعاني المقاومة الوطنية الشمالية الشريفة بملايينها الأبية التي قدمت اطهر الدماء وأزكى الارواح في مواجهة التحالف السلالي العفاشي – ستعاني من الرتابة والخذلان والركود المؤقت قبل ان تتخلص من هيمنة الانتهازيين والفاسدين وتجار الحروب والمستثمرين فيها واصحاب السوابق ، وترهن مستقبلها لقيادة شريفة أصيلة قادمة من بين صفوف الشعب من أصحاب السجلات النقية وما اكثرهم.

 

*من صفحة الكتب بالفيس بوك