fbpx
التربية .. ماذا نريد أن نكون؟!

د. قاسم المحبشي

ملاحظات في فلسفة التربية المنشودة

كل الكائنات الحية ولدت مكتملة الهوية وجود في ذاته ولذاته ولا يمكنها أن تصير غير ما ولدت عليه في فطرتها الأصلية فالعصور هو العصفور منذ أن تنفقس بيضته والكلب هو الكلب منذ كان في رحم أمه والحمار حماراً وهكذا سائر الحيونات، بينما الانسان هو الكائن الوحيد الذي ولد ناقصاً، أي غير مكتمل الهوية ، وهذا النقص الفطري في الكينونة هي ميزته الجوهرية وهي التي تجعله دائم البحث عن ذاته الناقصة إما بالتسامي الخلاق وإما بانحطاط الأخلاق ، ولا يمكن للإنسان أن يكون إنساناً بدون اللغة والثقافة والتربية والتعليم المستمرة على الدوام وحينما يوقف المرء عن أن يغير ذاته ويسعى في تنميتها إنسانيا يمكنه أن يتحول الى كائن ماهوي بل ودون الحيوانات الدنيا، وهذا ما تفصح عنه الخبرات والتجارب الكثيرة التي نعيشها كل يوم في حياتنا الراهنة، إذ نشاهد فضائع وأفعال من بني الإنسان لا يمكن أن تفعلها أشد الحيونات توحشاً ودموية!
كم تثيرني رؤية أناسا توقفوا عن النمو عند لحظة محددة ليس بسبب ضيق ذات اليد ولكن بسبب اعتقادهم بأنهم امتلكوا الحقيقة وأن ما بلغوه من تربية وعلم وتعليم وفهم وإعتقاد هو سدرة المنتهى ، ولم يعدوا بحاجة الى المزيد من التربية والتعليم والمعارف الجديدة. وحينما يكف المرء عن البحث فيما يجعله إنساناً وأكثر إنسانية مما كان قبله فقد منح ذاته هوية مكتملة مثلة مثل الكائنات الفطرية. كائناً في ذاته وبذاته وليس من أجل ذاته !
وما كان صالحا في تربية وتعليم الأطفال في عهد العيش بالبراري وسفينة الصحراء زمن الماوري والكندي والغزالي لم يعد صالحا لتربية الجيل المعاصر واجيال المستقبل في هذا العالم المتزايد النضج والتعقيد والمتسارع التغيير والإيقاع ، ففي كل عصر يختار الانسان ذاته ويكيفها ويشكلها في الصورة التي تتواكب مع متغيرات الحياة الجديدة وتعقيداتها المتسارعة. يقول عالم التربية الأمريكي: “إن التغيرات المتسارعة في مختلف مناحي حياة المجتمع اليوم تجعل مفاهيم التربية والتعليم التقليدية موضع تساؤل : إذ كيف نعلّم التلاميذ بينما هناك نظريات ومناهج وموضوعات يكون قد عفا عليها الزمن قبل أن يترك التلاميذ مقاعدهم في المدرسة ويضيف أننا نعيش لحظة تاريخية فارقة تجعل التغييرات في الأشخاص عاجزة عن ملاحقة سرعة التغيرات الاجتماعية والثقافية والعلمية المتسارعة في العالم المعولم الذي يشهد انفجار الثورة العلمية والتقنية الرقمية على نحو لم يسبق له مثيل من آدم حتى الآن “يقصد إن المعارف العلمية والقيم التربوية في عصر إنكماش الزمان والمكان عصر العلم والميديا الجديدة تعيش حالة من التغيير والتبدل بوتيرة متسارعة في بضع ساعات فقط. أن تحديات الحياة المعاصرة لا يمكن مواجهتها الإ بالاستجابة الإيجابية الفعالة وتلك الاستجابة لا يمكنها أن تكون الإ بتغيير جذري في أدوات ومحتويات ووسائل وطرق التربية والتعليم التقليدية المهترئة التي لم تعد صالحة لإشباع تحديات الحياة الإنسانية الراهنة. فمجتمع الغد أما أن يكون في الروضة والمدرسة أو لا يكون. وهكذا يظل سؤال التربية الملح كما كان في كل العصور. ماذا نريد أن نكون ؟!