fbpx
فن الاغتيال السياسي : خوف قاتل في متاهة سريالية !!
شارك الخبر

 

” كتاب غولدمان شهادة على الوجود المؤكد لهذا الاغتيال وللأمل في أن الكتابة الفاضحة له سوف تسهم في إيقافه هنا أو هناك”

الأمم : عرض وتحليل *

أحد أساليب فن الاغتيال السياسي في العالم، حيث يتم قتل الشخص المطلوب التخلص منه والادعاء بأن شخصاً له علاقة عاطفية شاذة به هو الذي قتله، وذلك لتشويه سمعة القتيل، وإسقاطه سياسياً في نظر الناس، وإنهاء الخوض في الجريمة بهذه الطريقة الخبيثة.

عاش  فرانسيسكو غولدمان لعقدٍ من الزمن مع هاجس الإجابة على السؤال المطروح  في العنوان الفرعي لكتابه :

“فن الاغتيال السياسي: مَنْ قتل الأسقف ؟”

وكان  يفعل ذلك وهو يعيش داخل شبكة غواتيمالية مبهمة للاغتيالات العسكرية  المنظمة، في بلدٍ أقيم نظامه الحاكم ليعيق العدالة ويحمي العقول المدبرة  الكامنة وراء الاغتيالات السياسية من العقاب، كما تقول سيلفانا باتيرنوسترو  في عرضها للكتاب.

 

 

وكان من المستحيل الاصطدام بغولدمان ولا يُسمع شيء عن الانعطاف الجديد في التحقيق، وهو تحقيق مخيف ومنافٍ للعقل على الدوام. وتمثّل مقدمة كتابه هذا مقدمة عمل يتّسم بالإثارة ــ جريمة اغتيال تُرتكب فينطلق كاتب للعثور على الفاعل ــ إنه عمل غير قصصي يمهّد لعمل روائي مثير يصطدم بحواجز النوع الأدبي.

 

فقد اغتيل الأسقف خوان جيراردي البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً بعد يومين من تقديمه وثيقةً تتهم جيش غواتيمالا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكان أكثر من 200,000 شخص ماتوا أو أصبحوا مفقودين خلال الثمانينيات. وكانت الحرب الأهلية أمراً نموذجياً لتلك الفترة، حيث كانت القوات المسلحة، المدرَّبة من قِبل الولايات المتحدة، تطارد الثوّار الشيوعيين والمتعاطفين معهم في حرب العصابات. (ولعِلم الذين كانوا صغاراً آنذاك على التذكّر، فإن أميركا الوسطى كانت أشبه بالشرق الأوسط اليوم). وقد جلب انهيار جدار برلين آنذاك هدنةً بين الجانبين. كما أوجد، وبفضل حركة حقوق الإنسان العالمية، الوثيقةً التي تُظهر مَن قتل الأسقف. وقد أورد تقرير حقوق الإنسان المكوَّن من أربعة مجلدات أسماءً وكشف عن فظاعات لا يمكن أن تُنسى.

 

ولا يوفر المؤلف أي تفصيل من تفصيلات ليلة الاغتيال: عدد السكائر التي دخّنها المتسكعون الذين ناموا خارج دار أبرشية القس؛ الفيلم التلفزيوني الذي كانوا يشاهدونه في حانة دون مايك؛ الطريقة الوحشية التي ضُرب الأسقف بها على وجهه تكراراً بلوحٍ من الكونكريت. ويدعُنا غولدمان نعرف أنه يأخذنا إلى مكانٍ أن تحدث فيه أمور مرعبة فعلاً.

 

 

 

إن قراءة الكتاب بمثابة دخول في متاهةٍ سريالية، شديدة العتمة، أو رحلة على مدى 300 صفحة من الخوف القاسي. ولم يكن على غولدمان أن يكوّن أدواراً للشخصيات. وقد مضى فريق دفاعي بعيداً في ادعاءاته ليبرهن على أن الأسقف قُتل في جريمة عاطفية. واتهم زميل الأسقف في السكن، وهو قس آخر، بكونه شاذاً جنسياً * وبإقامته علاقة جنسية مع امرأة عضو في عصابة، ابنة غير شرعية لقس آخر. ثم وجّهوا اللوم لكلب القس في مقتل الأسقف، آتين بخبير في عضّات الكلاب بالطائرة من مدريد!
ويُدرك القارئ أن غولدمان، مع كل دقته، لا يكتب جريمة قتل غامضة ليوفر لنا متعة حل لغز الجريمة في نهاية الكتاب. فقد ألّف هذا الكتاب كشجب غاضب، كتبصير بالأمور من أجل أن يدَع العالم يعرف أن قتَلة الأسقف أحرار آنذاك، بصرف النظر العمل المتماسك للجان المصالحة والحقيقة. ورسالة غولدمان عالية وواضحة: أن العقول المدبرة للفظاعات، في غواتيمالا، تمضي في حالها من دون عقاب. وأن الجهد الشاق الذي يبذله رجال ونساء يقضون أيامهم وينفقون رواتبهم المحدودة لتتبع كل دليل، يمكن أن يجلب على أيٍّ منهم حكماً بالموت، أو حياةً يعيشها في خوف، أو في المنفى.

 

و إن (فن الاغتيال السياسي) يحتوي على جوهر غواتيمالا، وأميركا اللاتينية، اليوم: كيفية دمج الماضي الإقطاعي والعنيف حيث تسود الحصانة مع الجيل الجديد المكافح من أجل غواتيمالا يعمل فيها حكم القانون. وهو كتاب، يمكن القول، موحٍ بالرعب ومثبط للهمة معاً: فقد أتقن المؤلف فن اللاقصة عن طريق توضيح كيف أن غواتيمالا أتقنت فن الاغتيال السياسي. وما جرى للأب جيراردي في غواتيمالا يحدث في أي مكان آخر أيضاً. وكتاب غولدمان هذا شهادة على الوجود المؤكد لهذا الاغتيال السياسي وللأمل في أن الكتابة الفاضحة له سوف تسهم في إيقافه عن الحدوث هنا أو هناك.

 

*ترجمة : عادل العامل

أخبار ذات صله