fbpx
المفكر الاميركي نعوم تشومسكي يدعو إلى هدم أركان الإعلام المكرس لـ”السيطرة على العقل”
شارك الخبر

واشنطن – الأمم : حوار*

يتحدث المفكر الاميركي نعوم تشومسكي عن رؤيته لحرية الصحافة في هذا الحوار الذي أجراه “ديموكراسي ناتشر ” :

 

* سبق وان ذكرت  في كثير من الأحيان انك  تعتبر الولايات المتحدة الأميركية المجتمع الأكثر حرية على الأرض بمعنى، على سبيل المثال، أنه (نتيجة للنضالات الماضية) فان الحق في حرية التعبير مكفول اليوم في الولايات المتحدة الأميركية بشكل اكبر مما عليه في أي بلد آخر على وجه الأرض. ولكن  الماركسيون ينكرون  هذا النوع من الحريات ويعتبرونه نوعا من الحريات الرسمية، تبعا لمقولة ماركس “ان الحق في المساواة  يعني  حق البرجوازية وحدها” بمعنى أنه يفترض مسبقا عدم المساواة.

 

ومن ناحية أخرى، كان بعض الفوضويون يطلبون  على نحو مماثل إزالة هذه الحريات على أساس أنها مستمدة من مؤسسات السلطة. في ضوء السيطرة المطلقة اليوم على وسائل الإعلام من قبل النخب الاقتصادية والسياسية، والتي وصفتها بدقة ما معنى وجود  الحق في حرية التعبير في الولايات المتحدة الأميركية وخاصة حرية الصحافة عندما، يحرم  كل صوت مخالف  لتوافق الآراء السائد فعليا من الوصول إلى وسائل الإعلام ويتعرض للإسكات أو التهميش؟ ما رأيكم في الرأي القائل بأن حرية الصحافة هي في الواقع مسألة شكلية ، وعلى الرغم من أنه  لا معنى لها بالنسبة للغالبية العظمى من الناس، فهي مهمة جدا بالنسبة للنخب الاقتصادية ، وبشكل عام  في اخفاء دورها الحقيقي في إعادة إنتاج أيديولوجية مجتمع استغلالي متسلسل هرمياً؟
– من أجل الوضوح، يجب أن نميز حرية التعبير عن حرية الصحافة. وهكذا، حتى لو كانت حرية الصحافة واجهة، فإن حرية التعبير تستحق الدفاع عنها. وأعتقد أنه من الحقائق، المهمة، أن المقاييس المقارنة تعطي الولايات المتحدة معايير عالية في حماية حرية التعبير.أما بالنسبة لحرية الصحافة، ففي  حين لا يوجد شك في أن التركيز الشديد للقوة الاقتصادية والسياسية له تأثير ساحق على وسائل الإعلام (وكل جانب آخر من جوانب الحياة)، لكني  لا أريد أن نسميها “السيطرة المطلقة”. وحتى في الدولة الاستبدادية أو الديكتاتورية العسكرية أو مجتمع الرقيق، فإن السيطرة ليست مطلقة مطلقا. في مجتمعات مثل بلدنا، حرية الصحافة بعيدة كل البعد عن مجرد واجهة. هناك العديد من الاحتمالات للضغط على وسائل الإعلام، وهناك مسارب للعمل من خلالها  وهناك أيضا خيارات أخرى كثيرة تتجاوز وسائط الإعلام الجماهيري، وقد استغل بعضها بصورة فعالة جدا.

 

 

ومن المهم التأكيد على دور النخب المتعلمة، كما تفعل، في استنساخ أيديولوجية مجتمع استغلالي متسلسل هرمياً “. إن فهم هذا الأمر شرط مسبق للعمل البناء، ولهذا فإن الفرص كثيرة.

كما أنني أشعر بعدم الارتياح إزاء فصل “الحقوق البورجوازية” والحقوق “المستمدة من مؤسسات السلطة”. فالحقوق التي كسبها النضال الشعبي هي بالضرورة جزءا لا يتجزأ من المجتمع القائم “المجتمع البرجوازي”،. ولكن هذه الحقوق ليست ضئيلة. وعلاوة على ذلك، فهي ليست “مشتقة” من مؤسسات السلطة. ولكن معيبة، وقد نال الناس  هذه الحقوق من خلال النضال ضد تلك المؤسسات. إن الانتصارات الجزئية والحقوق التي تم كسبها يجب أن تحظى بالاعتزاز،
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن قدرة الدولة على الإكراه محدودة، بمعايير مقارنة، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين لديهم حصة من اسهم الشركات – وهم أغلبية كبيرة من السكان في مجتمع غني جدا. هذا هو السبب الرئيس، كما أعتقد، في ان تتطلب  السيطرة على الرأي العام مثل هذا الاداء العالي المتقن “.

 

* إذا قبلنا أن ملكية وسائل الإعلام وخاصة الإذاعة والتليفزيون لها أهمية حاسمة فيما يتعلق بحرية الإعلام وحرية التعبير بشكل عام، وأنه كما يبين التاريخ بشكل واضح، لا تملك ملكية الدولة ولا الملكية الرأسمالية تأمين هذه الحرية ما هي البدائل؟ ماذا يمكن أن يكون دور وسائل الإعلام في المجتمع “؟

 

– البديل عن الدولة أو السلطة الخاصة هو الديمقراطية. فالديمقراطية تعمل مسبقا على المساواة النسبية، وهو أمر منطقي يعود إلى أرسطو. كما يتطلب حل السلطة المركزة، الدولة أو القطاع الخاص. وعلى غرار المؤسسات الأخرى، ينبغي أن تكون وسائط الإعلام تحت سيطرة القوى العاملة والمجتمعات التي تعمل فيها. وينبغي أن تكون متنوعة مثل مصالح وشواغل عامة السكان، وينبغي أيضا أن تسعى إلى توسيع وتعميق تلك المصالح والشواغل: التشكيك والاستكشاف، على حد سواء لعرض وتحفيز المشاركة الشعبية.

 

أما بالنسبة للخطط التفصيلية للمجتمع الذي نصبو اليه . فنحن لا نمتلك  سوى فهم محدود للشؤون الإنسانية والإمكانيات البشرية. يمكننا أن نتعلم من أنفسنا والآخرين من خلال الاستكشاف والخيال والتجربة، التي ينبغي تشجيعها. بعض هذه التجارب تبدو لي ملهمة حقا. على سبيل المثال، قبل بضع سنوات، أتيحت لي الفرصة لمشاهدة برامج التلفزيون التي تعرض  في الساحات العامة في المناطق الفقيرة جدا والطبقة العاملة في ضواحي ريو دي جانيرو. وكانت البرامج مكتوبة وموجهة من قبل السكان المحليين، وكانت هناك مشاركة حية من قبل الجمهور. وقد تحققت النجاحات التي تبدو لي حقيقية جدا بعد سلسلة من الجهود الفاشلة، وهذا أمر لا ينبغي أن يكون مفاجئا على الإطلاق. يمكننا أن نتوقع الشيء نفسه مع نماذج أخرى. وينبغي لنا أن نتطلع إليه في الواقع، لأن هذا هو السبيل الوحيد للحصول على نظرة ثاقبة إلى طبيعتنا الداخلية وإمكانيات التحرير المجدي.

 

 

* كيف ترى الانتقال إلى مجتمع من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها ديمقراطيا؟ ويأخذ هذا السؤال أهمية موضوعية معينة اليوم نظرا إلى أن من الواضح الآن أن المجموعات الصغيرة، وإن كانت تؤدي عملا رائعا في إنشاء شبكات بديلة للمعلومات، فهي غير مؤاتية وغير ناجحة في محاربة المنظمات الاقتصادية الضخمة التي تتحكم اليوم في وسائل الإعلام. فهل سنواصل دعم هذه الجهود أم أننا ربما نوجه جهودنا نحو دمج هذه المحاولات في كفاح من أجل بناء حركة سياسية واجتماعية جديدة تكافح من أجل نظم بديلة للتنظيم الاجتماعي تتجاوز السيطرة الاستبدادية للاقتصاد

– يبدو لي أن الاحتمالات التي تصفها كلها تستحق المتابعة، ولا ينبغي اعتبارها بدائل. وينبغي أن ندعم جمعيات صغيرة ومساعدتها على النمو والازدهار وتشكيل جمعيات أوسع مع الآخرين، على المدى الطويل لافشال المؤسسات المكرسة ل “السيطرة على العقل العام”. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن نشارك في الحركات الشعبية التي تسعى إلى بناء أشكال التنظيم الاجتماعي التي هي أكثر حرية وأكثر عدلاً. وسيكون للأفراد بالطبع أولوياتهم الخاصة. الوقت محدود. والقدرات والمصالح متنوعة.

 

* جريدة الامم.. عن : موقع ديموكراسي ناتشر – ترجمة أحمد الزبيدي.

أخبار ذات صله