fbpx
شرعية «التشتوش»

كان لي صديق في الصف السابع اسمه مختار. كان مختار دائماً ما يتعرّض للضرب المبرّح من قبل شاب يكبرنا بسنوات يُدعى «جعيص»، ولـ«جعيص» هذا أتباع لا يعصون له أمراً.
ولكي يشفي صديقي مختار غليله، ويبرّر عجزنا المتواصل عن مجابهة «جعيص» القوي وأتباعه، يقوم بضر فتى أصغر منّا سناً يُدعى «تشتوش». وإذا ما شاهد والد مختار آثار الجروح والكدمات على جسده، وسمع بخبر تعرّضه للضرب، نفى مختار ذلك، ورفع صوته وحلف أغلظ الأيمان بأنه لم يُضرب مطلقاً.
ولتعزيز روايته أمام والده وإخوته يطلبني للشهادة، وبطبيعة الحال – وشعوراً منّي بالذنب والمسؤولية – أدلي بشهادتي، مستعرضاً الجزء الأخير فقط من ملحمة المدرسة التي تُظهر انتصار صديقي على «التشتوش».
وفي أحد الأيام، صعّد «جعيص» وأتباعه من وتيرة اعتداءاتهم المتكررة على صديقي، مختار، وسلبوه ماله بعد أن أشبعوه ضرباً، ما أدّى إلى إصابته بمزيد من الجروح والكدمات المتناثرة في مواقع مختلفة من جسده. والد مختار، الذي لم يكن مقتنعاً يوماً بما نقول، قرر الوقوف على حقيقة ما يحدث؛ فشهادتي المحذوفة منها مشاهد تعرّض صديقي للتنكيل والرفس لم تعد تقنعه أبداً.
فما كان منه إلا أن أخذ إجازة من العمل، خصيصاً ليتفرّغ لمراقبة نشاطنا اليومي عبر زجاج سيارة قريب له استلفها لتنفيذ المهمّة.
وكالعادة، كان «جعيص» وجماعته قد نصبوا حاجزهم الإستفزازي على الطريق المؤدي إلى منازلنا، وبإصراره العجيب، يأبى مختار إلا أن يمرّ وسط الحاجز لينهال عليه «جعيص» وأصحابه بالضرب مجدداً.
وفيما كان مختار، بجسده النحيل، يقاوم – من دون فائدة -، إذ إن موازين القوى غير متكافئة البتّة، قرر ساعتها والد صديقي التدخل، وأخذ بيد مختار لينهضه عن الأرض، ونهرَ «جعيص» الذي انفضّ عنه أصحابه، متوعّداً إيّاه بالعقاب، وقال له: «لو أن فيك شجاعة ورجولة لقاتلت مختار الذي يصغرك جسماً وعمراً، رجلاً لرجل»، واستدار صوب ابنه مختار ونفض عن ثيابه الغبار، وقال له: «لا تفتجعش. أنا جنبك أنتقم وأضرب أبوه».
وبينما كان صديقي مختار يستجمع شجاعته استعداداً للمعركة الفاصلة برعاية والده، كان «التشتوش» قد اصطف بجانب «جعيص» لتخليص جردة حسابه السابقة هو أيضاً. وقبل أن يتوثّب مختار إلى الحلبة مجدداً، اقترب من أذن والده، وقال له: «إيش رايك أضرب لك التشتوش؟».
عقدة «جعيص» عند صديقي مختار، حفظه الله ورعاه وأطال في عمره، تذكرني دائماً بالحكومة «الشرعية»؛ فكلّ جهدها ومكرها ودهائها تستخدمه في عدن.
فهي تحشد وتجندّ الألوية، وتستعرض قواتها وعضلاتها، وتمارس عملها السياسي ضد «التشتوش» في عدن، مع علمها الأكيد بأن «جعيص» وأصحابه هناك… في عاصمة الأقاليم الستّة، صنعاء.