fbpx
الهدم ليس كالبناء

ما أسهل قيام الثورة وما أصعب تأسيس الدولة الثورة إرادة وحلم ورغبة جماعية بالتغيير أو التحرر أو التحرير من وضع جائر تستمد طاقتها الخلاقة من المظالم والغضب والحماس والشجاع والإيمان والتضامن والتضحية إما تأسيس وبناء الدولة فهو مشروع واقعي عملي عقلاني مهني تقني يستمد مقوماته من ممكنات ومعطيات حسابية عقلية دقيقة لا مجال فيها للعواطف والانفعالات والنوايا الطيبة ولا ينجزه الإ نخبة متخصصة من الخبراء من ذوي التأهيل العالي في القانون والإدارة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والسياسة وعلم النفس والجغرافيا والرياضيات والهندسة والفلسفة وفِي مختلف مجالات الحياة الممكنة ويمكن تشبيه الحالين بين الثورة والدولة بحصن قديم أراد سكانه هدمه وبناء حصن جديد مكانه.

في العملية الأول يمكن لأي أحد المشاركة في الهدم وفِي الحالة الثانية حالة البناء لابد من توفر فريق من الاختصاصيين في الهندسة والتصميم والتشكيل والبناء والإدارة والحدادة والكهرباء والديكور والمياة والمجاري وكل شيء تقريبا وهكذا يمكن فهم السر في كوّن العرب قد قاموا بثورات كثيرة منذ عشرات العقود من السنين ولازالوا في حالة ثورية مستمرة ولكنهم عجزوا بعد أكثر من مئاتي عام من التحديث والحداثة عن تأسيس وبناء دولة عادلة مستقرة واحدة جديرة بالقيمة والاعتبار مثل الدول التي بناءها أشبههم من البشر منذ اكثر من أربع قرون ومازالت راسخة وسوف تستمر الى ما شاءلله

وأتذكر أن ثوار الجهة القومية في أحد المناطق الريفية قرروا ذات مساء من منتصف سبعينيات القرن الماضي هدم مبنى آثري مكون من سبعة طوابق وفِي صباح الْيَوْمَ التالي ذهبوا في مبادرة جماهيرية يرددون الأناشيد والزوامل الثورية لمباشرة الهدم ولَم يأتي المساء حتى ساووه في الأرض ولو طلب منهم إعادة بناءه بذات التصميم والصفات لما استطاعوا حتى بعد مئات السنوات.