fbpx
في حوار صحفي.. د. عيدروس النقيب: عجلة المجلس الانتقالي الجنوبي دارت ولا يمكن أن تتوقف
شارك الخبر

د. عيدروس نصر ناصر النقيب، رئيس «مركز شمسان للدراسات والإعلام»، الناشط والمفكر السياسي والأديب والأكاديمي والبرلماني الجنوبي المخضرم، المنظر المتزن للقضية الجنوبية وصاحب الإقتراحات المرنة لحلول لها، يتحدث عن «المجلس الإنتقالي» وشكل الدولة الجديدة شمالاً وجنوباً، ويقترح حلولاً ليس للقضية الجنوبية فحسب بل و«للقضية الشمالية» أيضاً.

 

ويرى أن الجنوبي قد تعلم الدرس جيداً مما حدث له من معاناة بسبب «الإجتياح الشمالي» للجنوب في 1994 و2015م. ويدعو «المجلس الإنتقالي» إلى توسيع رقعة المشاركين فيه ليشمل الأطياف كلها، ويشدد على ضرورة الإبتعاد عن الإقصاء والتهميش لأي تيار أو مكون. كل ذلك وغيره تحدث عنه في الحوار التالي مع «العربي»:

 


القضية الجنوبية رأس القضايا اليمنية. ما هو مستقبلها من وجهة نظرك؟

 
القضية الجنوبية تكتسب يوماً عن يوم مزيداً من الوضوح والتأصيل، مما يؤكد عدالتها ومشروعيتها التي ظلت لفترة طويلة محل تعتيم وتجاهل، بل وحتى محاربة من كثير من أنصار الحريات وحقوق الإنسان؛ بسبب تفوق الطرف الآخر (تحالف 1994م) مالياً وإعلامياً ولوجستياً ودبلوماسياً وعسكرياً. ربما لم يتغير كثير في مجال التوازن بين الشعب الجنوبي وقدراته وبين تحالف 1994م، الذي رغم ما شهده من انقسام وحروب ومواجهات إلا أن طرفيه ما يزالان عند نفس الموقف تجاه الجنوب، لكن التغير العاصف الذي حدث هو أن الشعب الجنوبي تعلم من تجربة الإجتياح الثاني في 2015م كيف يواجه التحديات، ويحصد ثماراً إيجابية، وكانت هزيمة تحالف الغزو الثاني في فك الحصار عن عدن ومدن الجنوب ورد العدوان على أعقابه. كل ذلك كان مؤشراً على أن الجنوبيين قادرون على إدارة قضيتهم ورسم ملامح مستقبلهم. كما أن إعلان المجلس الإنتقالي قد مثل مدخلاً لحل قضية العامل الذاتي للثورة الجنوبية الذي تحدث عنه الكتاب والسياسيون والمفكرون والمثقفون طويلاً.

 

بعد عودة «المجلس الإنتقالي» إلى عدن، كيف تقرأ مستقبله؟ وهل سيحقق المأمول؟ 

الوضع الطبيعي أن يكون كل أعضاء هيئة رئاسة المجلس الإنتقالي في عدن، ومن اضطر للسفر لمهمات تتعلق بنشاط المجلس فهذه الحالة لن تكون أبدية. واعتقادي أن ما تمخض عنه نشاط هيئة الرئاسة خلال الأسبوع الأول منذ عودة أعضائها ورئيسها يشير إلى أن الإخوة يعرفون ماذا يريدون وماذا يريد الناس منهم، وقد جاءت القرارات الأخيرة للهيئة والمتعلقة بتشكيل اللجان المتخصصة وإقرار الوثائق الأساسية للمجلس لتؤكد أن العجلة دارت ولا يمكن أن تتوقف.

 

ثمة أصوات جنوبية ترى أن «المجلس الإنتقالي» لا يمثلهم، لأنه لم يأت توافقياً من جهة ولا عبر انتخابات من جهة أخرى؟ ألا ترى أن هذه النقطة قد تشكل عائقاً أمام هذا الكيان الناشئ؟ 

أولاً، من حق أي إنسان أن لا يعترف بأن المجلس يمثله، وليس هناك أي شك بأن الميول السياسية والفكرية لمواطني الجنوب ليست ذات لون واحد، لكن مقولة أنه لم يأت عبر انتخابات ليست مبرراً لرفض المجلس ومواجهته، والكل يعلم أن رئيس الجمهورية الشرعي لم ينتخب منذ ثلاث سنوات ونيف بعد انتهاء فترته الرئاسية، بسبب الأوضاع التي تمر بها اليمن، وأن البرلمان (اليمني) لم يجدد انتخابه منذ 2009م، فهل المجلس الإنتقالي جاء من خارج اليمن حتى نطلب أن يكون هو الهيئة الوحيدة المنتخبة؟ أما موضوع التوافق فإنني دعوت وما زلت أدعو إلى توسيع دائرة المشاركة في نشاط المجلس من خلال الإنفتاح على كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي، وتجنب الإقصاء والتخوين والتهميش، وإبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع كل الشركاء بما في ذلك المعارضون للمجلس، وأشير إلى أن موضوع التوافق يغدو أحياناً مستحيلاً إذا لم يقترن بحسن النوايا والتنازلات المتبادلة بين أطرافه.

 

من وجهة نظرك، ما هي أهم العوائق التي قد تعرقل نجاح «الإنتقالي»؟ 

لا شك أن التحديات التي تقف أمام «المجلس الإنتقالي» كثيرة وشائكة ومعقدة ومتشعبة، وهو ما يستدعي رفع وتيرة العمل والمثابرة في ترسيخ أقدام المجلس على الأرض. وفي ظني أن العراقيل الكثيرة التي تقف أمام عمل المجلس يمكن تجاوزها من خلال التقيد ببرنامج سياسي وخطة عمل دقيقة ومزمنة، لكن أكبر المشكلات التي يمكن أن يواجهها المجلس هي سوء التقدير والخلط بين المهمات العاجلة والآجلة، أو الجنوح للإرادوية والعشوائية وعدم تقدير قدرات الآخرين، أو فتح عداوات لا ضرورة لها، أو ما يسمى بثقافة «حرق المراحل» التي وقع فيها كثير من الثورات ودفعت لها ثمناً باهظاً، وأتصور أن الإخوة في هيئة رئاسة المجلس يدركون ذلك جيداً.

 

لديك كتابات كثيرة تدعو فيها لإنشاء جبهة وطنية جنوبية عريضة، فهل تخليت عنها بعد تأييدك لـ«المجلس الإنتقالي الجنوبي»؟

لا أخفي تأييدي لقيام كيان سياسي جنوبي يعبر عن القضية الجنوبية ويقدمها للعالم ويمثل الجنوب في أي تسوية قادمة، وأعتقد أن المجلس الإنتقالي قادر على لعب هذا الدور. وعندما كنا ندعو إلى قيام جبهة وطنية جنوبية عريضة كنا نقصد بناء إطار وطني تحالفي جنوبي عريض يمثل كل الجنوبيين المؤمنين بعدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها، وفي ظني أن المجلس الإنتقالي يستطيع أن يمثل هذا النوع مما كنا ندعو إليه من خلال تعميق حضوره بين كل القوى السياسية، وفتح أبواب الحوار مع الآخرين، والانتقال إلى العمل المؤسسي، ورسم الملامح الرئيسية للمرحلة الراهنة والمراحل اللاحقة، والقبول بالتنوع والتعدد والتباين المشروع، ورفض الإلغاء أو التخوين أو التكفير أو الهيمنة على حقوق الآخرين في التعبير عن أنفسهم في إطار الشراكة الوطنية الواسعة.

 

ما هي المخاطر التي قد يخشاها الجنوبي في حال فك الإرتباط؟ 

الجنوب كان دولة واحدة لها حضورها الفاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي، وقد نجحت هذه الدولة في إحراز تقدم تفوقت فيه على كثير من الدول المجاورة الغنية، كمحو الأمية، وتعميم التعليم المجاني، ونزاهة القضاء، واستئصال العديد من الأوبئة كالملاريا والكوليرا والجذام وغيرها، رغم الحصار المادي والإعلامي الذي عانت منه. هذا يعني أن أي شعب يمتلك الإرادة ولديه القيادة السياسية المحنكة والماهرة يستطيع أن يصنع كثيراً من الأشياء التي قد تبدو مستحيلة، لا تقلقني دسائس الأعداء ولا أعمالهم التخريبية، ولا حتى الحصار الإعلامي والدبلوماسي الذي ما تزال تتعرض له القضية الجنوبية، لأنني مؤمن بأن بذور الحق حتى وإن طمرتها رمال الظلم وكثبان الباطل لا بد أن تنبت ذات يوم، لكن ما يمكن أن يقلق أي نصير للقضية الجنوبية هو غياب الإنسجام في الجبهة الداخلية الجنوبية، أو انصراف القوى الجنوبية الفاعلة للتنازع في ما بينها على الجزئيات أو التفاصيل والانصراف عن المهمات الوطنية والتحديات الجسيمة التي ينبغي أن تصرف لها كل الطاقات. هذه المخاوف تنبع من تجربة مرة مرت بها الثورة الجنوبية منذ الستينات، ولم يسلم منها الحراك الجنوبي منذ نشأته، وهذه المخاوف يمكن أن تشكل المنفذ الذي تتسلل منه القوى المتضررة من الثورة الجنوبية والرافضة لاستعادة الجنوب لدولته.

 

كيف كان ينظر المثقف الجنوبي إلى الوحدة قبل 7/7، وكيف أصبح ينظر إليها بعده؟ 

وحدة اليمن تجسدت في الوعي الجمعي الجنوبي كرديف لأحلام الحرية والديمقراطية والتنمية والكرامة الإنسانية، ولم تكن حلماً رومانسياً، بل كانت تطلعاً واعياً ارتبط بزمن الزخم الثوري القومي واليساري وحتى الإسلامي، لكن الإنتكاسات التي تعرض لها هذا الوعي، وصعود تحالفات لا تمت بصلة إلى تلك التطلعات النبيلة أدت إلى منتج مشوه جاء مغايراً للتطلعات النبيلة التي رسمها المؤسسون في وعينا. كان المثقفون الجنوبيون جزءاً من المشهد الثقافي اليمني الذي رسم الصورة الوردية لليمن الموحد، ونتذكر جيداً أن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين جرى تأسيسه في مدينة عدن العام 1972م، ومثل الصوت الثقافي والفكري اليمني الواحد. لكن ما إن جاءت صفقة 1990م، حتى اتضح أن إجراء الوحدة الإندماجية قد جاء في الزمان والمكان الخطأ ومع القيادة الخطأ، وجاءت حرب 1994م لتؤكد هذا الإستنتاج على أرض الواقع، ولست بحاجة إلى استعراض ما تلى حرب 7/7 من تدمير للجنوب والعودة به القهقرى عقوداً من الزمن. في تصوري أن المثقف الجنوبي اليوم قد انتقل من الطوباوية والرومانسية النبيلة المحلقة في أجواء التطلعات السامية العصية على التحقق إلى الواقعية التي تتعاطى مع التعقيدات والتمظهرات الشائكة كما هي، والبحث عن معالجات قابلة للتحقق لكل مشاكل وتحديات اللحظة الراهنة والمستقبلية، وهو ما يعني أن الجسد الثقافي الجنوبي يتعافى ويستعيد دوره ومكانته في صياغة الوعي الوطني الجنوبي لرسم ملامح المستقبل.

 

بعد الأخطاء التي حدثت في مسار هذه الوحدة، هنالك من ينادي بتغيير الهوية الجنوبية تماماً، وكذلك تغيير تسمية الدولة القادمة بإلغاء يمنيتها وصبغها بصبغة جنوبية كلية «الجنوب العربي»، كيف ترى ستكون هوية هذه الرقعة الجغرافية مستقبلاً؟ 

للأسف الشديد هناك خلط بين مفهوم الهوية الجنوبية للشعب وتاريخه وتراثه، وبين الموقع الجغرافي للجنوب، وغالباً هذا يأتي نتاج ردود فعل عاطفية مرتبطة بالحملة الإعلامية الموجهة لتصفية حسابات مع مرحلة الثورة والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الفتية بعد العام 1967م. وإذا ما اتفقنا أن مفردة اليمن لا تعني عبر كل التاريخ إلا كل ما يقع جنوب الكعبة كما أكدها اللغويون والمؤرخون والجغرافيون، فإن تسمية الدولة الجنوبية بعد استعادتها لن تشكل أي مشكلة. للأسف هناك حالة من التسرع في التنازع على صغائر لا أهمية لها بالنسبة إلى مصير القضية الجنوبية ومستقبلها، وعندما يكون السياسيون هم من يتسابق على هذه الصغائر فإن النتيجة تكون كارثية. في نظري أن قضية تسمية الدولة الجنوبية القادمة يجب أن تكون مهمة المؤسسات الدستورية والتشريعية الجنوبية القادمة، وليس هناك أفضل من ترك هذه القضية للاستفتاء الشعبي ضمن كثير من القضايا التي لا بد من العودة فيها إلى الشعب. لكن القضية الجوهرية التي أرى أنه لا بد من إدراكها تتمثل في أن الدولة الجنوبية القادمة لن تكون تكراراً لتجربة اتحاد الجنوب العربي في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، ولا تكراراً لتجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1967ـ 1994م)، بل إنها ستكون شكلاً جديداً من الدولة اللامركزية القائمة على التعددية والحريات العامة، دولة النظام والقانون والحياة المؤسسية والتداول السلمي للسلطة.

 

أثارت حادثة اغتيال الشابين عمر باطويل وأمجد عبد الرحمن من قبل جماعات متطرفة سخط المجتمع والمثقفين. ما هي قراءتك لهاتين الحادثتين وهل ترى أنهما ستستمران؟ وهل تقترح حلاً في هذا الصدد؟ 

هاتان الحادثتان تكشفان كثيراً من الأبعاد لما يراد لعدن والجنوب أن يذهبا إليه، وفي يقيني أن من وقف ويقف خلف هذه الأفعال المشينة والإجرامية أراد أن يوصل رسالة لدعاة الحرية والصوت المستقل فحواها: «نحن من يحدد لكم ما ينبغي وما لا ينبغي»، لكن الأخطر من هذا ليس وجود هذا النوع من التفكير الإلغائي الإجرامي الإرهابي، بل الأخطر أنه يبين أن الدولة غائبة، وأن المؤسسات المقابلة التي يفترض أن تملأ الفراغ الذي تركه غياب الدولة وعجز أجهزتها عن القيام بأي دور غير قادرة على القيام بدور فاعل في حماية المجتمع من الفكر الضال ومواجهة حامليه، والتصدي لدعاة التطرف والإرهاب. المطلوب اليوم تكوين رأي عام رافض لنزعات العنف والإرهاب، والجنوح باتجاه مصادرة حق التفكير، رأي عام يشكل حائط صد لكل ما من شأنه توطين العنف وإثارة الكراهية داخل المجتمع الجنوبي، وبالمقابل على السلطة «الشرعية» أن تعلم أنها مسؤولة عن أرواح الناس ودمائهم، وأن كل الجرائم التي ترتكب بسبب ضعفها وغيابها لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وعلى أجهزة الأمن عدم إغلاق مثل هذه الملفات أو تقييدها ضد مجهول.

 

عدن… مدينة الحب والتسامح والسلام، كيف تنظر إليها قبل الأحداث التي عصفت بها في 2015 وبعدها؟ وهل ستنعكس تلك الأحداث على البنية الإجتماعية فيها؟ .

كانت عدن على مدى تاريخها مركز استقطاب لكل الباحثين عن التمدن والاستقرار والحرية واللحاق بركب الحضارة، وطوال تاريخ عدن كان من يدخل إليها يكتسب ملامحها وهويتها وتميزها، وبذلك فقد خلقت عدن ذلك الطيف الجميل من التنوع الثقافي والفكري والسياسي المتعايش والمتسامح الذي ظل مصدر إغناء وإثراء لملامح المدينة. لكن ما جرى بعد غزو 1994م هو اجتياح عدن ومحاولة طمس روحها المدنية المتعايشة والمتسامحة، وبسبب كثافة الإجتياح وشموليته لكل مجالات الحياة فإنه يمكن القول إن ما جرى خلال العقدين ونيف الماضيين قد أجرى عملية عكسية في العلاقة بين المدينة والوافدين إليها، وبدلاً من «تمدين الوافدين» إلى المدينة، ومعظمهم قدموا من مناطق ريفية بثقافتهم وملامحهم وطباعهم، وهذا ما ظلت تفعله المدينة مع الوافدين إليها، جرى «ترييف المدينة»، وطمس تميزها الثقافي، وتحويلها إلى قرية كبيرة بملامح ريفية، والمقصود بالملامح الريفية ليس البراءة والنبل والكرم والنخوة التي يتميز بها أبناء الأرياف، بل المظاهر السلبية القادمة من الريف كاستخدام السلاح، وخرق القانون، وعدم التقيد بالضوابط المنظمة لعلاقات الناس، ووصل الأمر إلى إعلان مشائخ وشيوخ مشائخ في صورة كانت مستفزة لكل معاني المدنية والتحضر. في اعتقادي أن هذا لم يكن عفوياً، بل كان مخططاً له من قبل أعداء المدنية والتحضر، وبالذات الذين لهم حسابات مع عدن والجنوب، أرادوا من خلال ما جرى تفريغ عدن من روحها المتميزة القائمة على التعايش والتسامح واستيعاب الآخر. أعتقد أن عدن ستستحضر روح العنقاء في داخلها، ولن تلبث أن تنهض من تحت ركام الحرائق التي أشعلت فيها. وإذا كانت السلطة المحلية قد قطعت شوطاً تُشكر عليه خلال السنتين المنصرمتين في تطبيع الأوضاع فيها، فإن التحديات ما تزال ماثلة، والمهمات ما تزال عديدة لتثبيت الإستقرار والأمن، ومن ثم الإنطلاق نحو مشروع نهضوي يستدعي تكاتف كافة الأطراف السياسية وجميع المكونات الإجتماعية وكل الطاقات المادية والذهنية لاستعادة عدن لروحها التي حاول أعداء عدن طمسها والقضاء عليها.

 

كيف تنظر إلى الصراع الحاصل في اليمن؟ وهل ترى أن انفراجة قريبة تلوح في الأفق؟ 

للأسف الشديد لا يلوح في الأفق ما يبشر بحصول انفراج في الأزمة السياسية اليمنية، ما عدا ما يشهده الجنوب من تبلور بدأ يتشكل للمشروع الجنوبي الذي ما يزال بحاجة إلى مزيد من التأصيل والتمتين وطمأنة الأشقاء والأصدقاء. طرفا الصراع في أزمة «الشرعية ـ الإنقلاب» فشلا في إبراز نقاط تفوقهما؛ فمعلوم أن الطرف الإنقلابي بلا مشروع واضح يمكن من خلاله التعبير عن تطلعات المجتمع، سوى الإنتقام من الشعب اليمني الذي أزاح الإمامة في العام 1962م وأزاح صالح (ولو جزئياً) في العام 2011م، ومعروف أن هذا التحالف يحمل عوامل فنائه في داخله، ولذلك من الخطل أن ننتظر منه ما يمكن أن يلبي تطلعات شعبية مشروعة. لكن الغريب أن السلطة الشرعية التي تحظى بالمشروعية الوطنية والدعم العربي والدولي والمساندة العسكرية والدبلوماسية والمادية من دول التحالف العربي، توقفت عند آخر نقطة وصلت إليها في العام 2015م، وعجزت في المناطق المحررة عن أن توفر الدواء لضحايا الكوليرا والكهرباء للمناطق الحارة التي تكتوي بنيران الصيف والتلوث والأوبئة. الشرعية تخسر كل يوم ليس بسبب تفوق الطرف الآخر، بل بسبب عجزها وانعدام أي برنامج سياسي ووطني لديها، وفشلها في إدارة المناطق المحررة وتنميتها وإعادة الإعمار فيها، هي تخسر آمال الناس ومراهنتهم عليها، ولذلك لا هي استثمرت النصر الذي حققه المقاومون في المناطق المحررة، ولا هي استفادت من الدعم الإقليمي والدولي، ولا هي أقرت بفشلها وبحثت عن بديل آخر لإنهاء الأزمة، والطرف الآخر يراهن على هذا الفشل، معتقداً أنه يستطيع أن يقدم نفسه كبديل لهذه الشرعية الفاشلة، وهو أعجز من ذلك بكثير. إذن لا أمل في حصول انفراج إلا بصفقة جديدة تحظى بدعم المجتمع الدولي والتحالف العربي، وفي نظري أن هذه الصفقة يجب أن تشمل:

1. الاعتراف بالقضية الجنوبية ووضع خارطة طريق تنتهي بمنح الجنوب تقرير ما يريد أبناؤه بما في ذلك حقه في استعادة دولته.

2. إستبعاد كل المتسببين في ما وصلت إليه اليمن من ويلات ونكبات، وبالتحديد الواجهات الرئيسية لتحالف الإنقلابيين وأسرتي عفاش والحوثي وشركائهم من زعامات هذا التحالف، على الأقل لعقد من الزمن.

3. إنفتاح الشرعية على وجوه جديدة ليست متورطة في الصراعات التاريخية (الشمالية الشمالية، والشمالية الجنوبية، والجنوبية الجنوبية)، واختيار طاقم جديد يمتلك الإبداع والابتكار، ويقبل بحل القضية الجنوبية وفق اختيار الشعب الجنوبي، والتهيئة لاعتزال قادة الشرعية حياتهم السياسية خصوصاً ومعظمهم من المتورطين في كل الحروب والصراعات القديمة والجديدة، لإخراج البلد من ورطتها ووضع أسس جديدة للانتقال إلى مراحل تطبيع الأوضاع وإعادة بناء الدولة في الشمال وحل القضية الجنوبية.

أخبار ذات صله