fbpx
بن دغر عندما يرتدي مسوح الرهبان

عيدروس نصر ناصر

تداول الناشطون السياسيون والإعلاميون على نطاق واسع رسالة رئيس وزراء الشرعية الدكتور أحمد عبيد بن دغر التي لم يعنونها إلى أحد لكنه كان واضحا أنه يقصد بضمير المخاطب الذي وجه إليه الرسالة، الإخوة رئيس وأعضاء هيئة رئاسة المجلس الانتقالي.
كثيرون قرأوا هذه الرسالة بحسن نية واعتبروها خطابا متزنا مسؤولا وحريصا على دماء المواطنين وعلى السلام الاجتماعي ، بل وعلى الشراكة الوطنية التي كررها أكثر من مرة طوال خطابه.
لكن القراءة المتأنية تكشف أن ما يتحدث عنه بن دغر هو قضايا أخرى ليست أكثر من أمنيات في رأس الرجل ولا وجود لها على أرض الواقع، وفي الحقيقة أن عشرات النقاط يمكن التوقف عندها لكن الحيز لا يتسع وسنتناول هنا أهم ما يفترض أن يعلم بن دغر أن الناس يعلمون أنه يريد الوصول إليه.
أولا: يتحدث بن دغر عن الصراع على النفوذ، وهو يعلم أن هذه القضية ليست مطروحه لدى كل القوى السياسية الجنوبية إلا عند بن دغر وجماعاته، أما المقاومة الجنوبية والشعب الجنوبي فلو كانوا يريدون النفوذ لما كانوا سلموا السلطة والنفوذ لبن دغر وأمثاله بعد أن طردوا المحتلين واستعادوا الأرض حينما كان بن دغر مسترخيا تحت برد المكيف في ضيافة الأشقاء، وكان الشهداء يتساقطون والجرحى ينزفون والأحياء يجوعون ويتشردون ويواجهون قوات عفاش والحوثي الذين يهددنا بهم بن دغر اليوم.
ثانيا: يتحدث بن دغر عن طرفي صراع تقليديين: وهو هنا بطبيعة الحال لا يقصد الشعب الجنوبي ومؤيدي استمرار احتلال الجنوب من قبل تحالف 1994م الذي ما يزال يتحكم في صناعة قرارات السلطة الشرعية، كما في سياسات الانقلابيين، والذي صار بن دغر جزءً منه بعد أن طور خياراته منذ التحاقه بصف عفاش في العام 2006م، بل ما يقصده بالطرفين التقليديين هو طرفان آخران لا وجود لهما إلا في رأس بن دغر ومن على شاكلته.
في هذا السياق أسطيع أن أجزم بثقة أن الطرفين الذين يقصدهما قد تجاوزا هذه الصفحة ودفنا جميع الصراعات وفتحا بوابة التصالح والتسامح لجميع أبناء الجنوب، . .إلا من تبقى في نفسه مرضٌ وهؤلاء قلة قليلة لم تعد مقبولة لدى أبناء الشعب الجنوبي ويمكن أن يكون بن دغر هو أحد هؤلاء باعتباره كان محسوبا ذات يوم على أحد الطرفين الذي يعنيهما.
ثالثا: يتحدث عن الإقصاء بقوله “إن إدارة المصالح المشتركة مع الآخرين شيء وإقصاؤهم شيء آخر”، وفي الحقيقة إن الحديث عن الإقصاء حتى الآن لم يطرح، ولم تفتح بعد ملفات الوظائف التي توزع بـ”الهبل” (كما تقول العامة) على الأبناء والمحاسيب والزوجات والصهور وأبناء الفخائذ وأبناء العموم، كما إن استبعاد قادة المقاومة وصانعي انتصاراتها على الغزاة الذين يستمتع بن دغر بتهديدنا بهم لم يتطرق له أحد، فمن أقصى من يا دولة رئيس الوزراء؟ . . .إن الجنوبيين ليسوا غاضبين على بعض المناصب التافهة كما يحاول بن دغر أن يصور القضية، بل لقد أعلنوا ثورتهم لسبب آخر لا أتصور أن بن دغر لا يفهمه، لكنه تجاهله طوال كل رسالته حتى يوهمنا بأن الجنوبيين يبحثون عن وظائف، أما سبب ثورة الجنوبيين المتواصلة منذ العام 1994م والمتصاعدة منذ العام 2007م فهو النضال من أجل استعادة دولتهم التي دمرتها حرب 1994م وجاءت حرب 2015 استمرارا لنهج التدمير نفسه ويحاول بن دغر وما يمثله من اصطفاف أن يدفعوننا إلى نسيانه.
نأتي لآخر ما يتحجج به بن دغر من عنوان رسالته، وهي الحفاظ على عبدربه تجنبا لمجيء عبد الملك، فأولا لم يتحدث أحد عن الرئيس عبد ربه منصور هادي باعتباره مشكلة مع الجنوبيين وكل الجنوبيين يقرون بأنه الرئيس الشرعي للدولة المخطوفة من قبل الحوثيين وصالح وشخصيا كنت قد قلت عدة مرات: إن الرئيس عبدربه منصور هادي هو جزء من حل القضية الجنوبية، ولا يمكن بدونه التحدث عن هذا الحل، وهذا ما أكد عليه الأخ رئيس المجلس الانتقالي في أكثر من مناسبة، إذا لماذا يشير بن دغر إلى هذه الجزئية؟
لأنه يريد أن يحرض الرئيس هادي ضد الجنوب والجنوبيين بل ويتمنى أن يقف الجنوبيون في وجه الرئيس هادي ليقف هو متفرجا بانتظار “الفرج” الذي تحدث عنه، خصوصا وقد سمع عن مبادرة كيري ونقل صلاحيات الرئيس إلى نائب رئيس متفق عليه وربما قال لنفسه: لماذا لا أكون أنا هو ذلك النائب.
وأخير للذين قرأوا رسالة بن دغر بحسن نية أن يعلموا أن بن دغر قد أراد تتويه الناس عن القضية الجنوبية التي هي جوهر الثورة الجنوبية وقضية القضايا بالنسبة للشعب الجنوبي، وراح يخوض في قضايا لا علاقة لها بموضوع الاحتقان السياسي الذي يشهده الجنوب، كما شحنها بمفردات التحريض لعبا على العواطف ومحاولة لدق الإسفين بين الجنوبيين من باب ادعاء القلق على أرواح الناس ودمائهم التي لا يهددها شيء أكثر من وجود حكومة يترأسها بن دغر عجزت عن توفير سائل الإرواء لضحايا الإسهالات ووباء الكوليرا بينما يكتفي أعضاؤها بالجولات السياحية والتسابق على الصور التلفيزيونية.
وللرئيس هادي أن يعلم أن رئيس وزرائه يحرض المواطنين ضده ويتمنى منه (أي من الرئيس) أن يقف في وجه المواطنين ليقف هو ومن يؤازره متفرجين باستمتاع لمشهد المواجهة بين الشعب والرئيس بانتظار التصفيات ليظفروا بالغنيمة بعد خروج المغلوب.