fbpx
قصة قطر في جبال صعدة كتب/فهد طالب الشرفي
شارك الخبر

في النصف الثاني من عام 2007، بعد ما بلغت الحرب الرابعة ذروتها، وكادت تحقق أهدافها في استئصال شأفة التمرد الحوثي، ببلوغ جحافل الجيش اليمني مداخل «مطرة» التي تعتبر المعقل الرئيسي والثكنة المركزية للقيادة الحوثية منذ الحرب الثانية في 2005، وفي الوقت الذي بات فيه اللواء الخامس عشر مشاة بقيادة العميد الركن الشهير ثابت مثنى جوّاس (قائد عسكري جنوبي اشتهر بأنه من صفّى مؤسس الحوثية حسين بدر الدين في جبال مران)، كان هذا اللواء العسكري الفتاك الذي شكل رأس حربة هجوم تسانده وحدات عسكرية مسنودة بالقبائل من الميمنة والميسرة، وهو بالقلب يكتسح مزارع أطراف صعيد صعدة وتبابها البركانية، متوغلاً حتى بلغ جبل «عزان» الاستراتيجي المهم، آخر ساتر تختبئ خلفه مطرة، وما أدراك ما مطرة!

لقد كان الجيش على وشك تكرار ما حدث في مرّان، وكان جوّاس ورفاقه قد شحنوا أسلحتهم يسابقون الزمن لبلوغ رأس القائد الحوثي عبد الملك المحاصر والمختبئ في أحد كهوف مطرة العميقة.

في هذا الوقت العصيب جداً على الحوثية كمشروع، الذي وصفه لي شخصياً أحد القيادات الحوثية المقربة من عبد الملك، بأنه أصعب ظرف مرت به الجماعة بعد النكسة الأولى في مرّان بالهزيمة الساحقة وفقدان المؤسس، مفيداً بأن عناصر الحركة لم تكن بحوزتهم حتى خمس «شناط» من ذخيرة الكلاشنيكوف، وأنهم بدأوا في مطرة يتهامسون ويتدارسون عن المصير المظلم القادم الذي كان ماثلاً أمامهم.

في هذه الأثناء التي يحتفل فيها الجيش والمواطنون باقتراب ساعة الحسم النهائية، أتى المنقذ الإيراني عبر القفّاز القطري الجاهز للاستخدام، ليقدم للحركة خدمة جليلة ما كانت تتخيلها في أحلامها!

في مساء مشؤوم تلقت غرفة العمليات الحربية المتقدمة بصعدة، توجيهات تحت بند «سري للغاية»، تقضي بإيقاف الزحف في جميع المحاور، فنزل التوجيه كالصاعقة على قادة قدموا خيرة زملائهم وضباطهم وأفرادهم في معركة شرف استمرت نحو 5 أشهر، قدم فيها الجيش مع أنصاره أبناء صعدة أروع صور التضحية والفداء نصرة للجمهورية، ودحراً لمشروع الإمامة البغيض، الذي أطل بوجهه من جديد غير آبه برفض المجتمع اليمني له، ولمن يدعمه من طهران من الملالي والآيات المحرضين على الشر والفساد.

لقد مثّل ذلك الموقف أحد أهم محطات الخيانة الوطنية، وقدّمت قطر نفسها منذ ذلك اليوم كعدو للدولة الوطنية، وشريكاً لإيران في مشروع الإجرام الحوثي، الذي أباح الدماء وانتهك الأعراض وداس على كل الثوابت والقيم، ونسف كل الالتزامات، إرضاء لنزوات الولي الفقيه.
كانت تلك البداية، ليعقبها إعلان وقف إطلاق النار وقبول الحكومة رسمياً لوساطة قطرية كانت بداية القبول الرسمي لتدويل تمرد الحوثي، بعد أن كان قضية وطنية محسومة دستورياً كتمرد يجب مواجهته وإخماده.

لامتصاص الغضب أعلن القطريون أن الحوثي وافق على شروط الدولة بالتخلي عن السلاح، وإنهاء التمرد والالتزام بالمواطنة الصالحة و… و…إلخ.

لكن اللجنة القطرية بقيادة الدبلوماسي القطري «أبو عينين» باشرت عملها في صعدة بنقاط أخرى غير تلك المعلنة.

نقاط مخيبة للآمال نفذت على أرض الواقع، عندما نزلت مواكب القطريين المصفحة وسياراتهم المحملة بالمال والمؤن تحت نظر أجهزة الدولة وسمعها، ليقدموا للحوثيين ليس طوق الإنقاذ فقط، بل عملوا على إحياء الحركة وتمويلها وتسليحها ودعمها بشكل سخي للأسف الشديد.

يتذكر أبناء صعدة الذين كان جلهم في ذلك التاريخ ضد الحوثية، مناهضين ومحاربين لها بصدق وإخلاص وولاء، أن قطر هي التي طعنت صعدة في مقتل وقدمتها قرباناً لخامنئي، لعدة أسباب، أهمها وقوعها على حدود جبلية طويلة مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي جعلهم يستميتون في محاولة تحويلها إلى معسكر إيراني مؤذ للمملكة ومهدد لها، وفق مخطط شيطاني رأينا فصوله تنفذ بدقة عاما بعد آخر، حتى تم إسقاط صنعاء وبلوغ عدن، وإسقاط الدولة اليمنية، وإعلان حرب الإيذاء وعدوان الصواريخ الباليستية على المدن السعودية.

لقد قامت قطر بشراء ولاءات العسكر ورجال القبائل في صعدة. كان الدبلوماسي القطري «أبو عينين» يمكث أسابيع في منزل الشيخ الحوثي «علي ناصر قرشة» وتاجر السلاح المطلوب دولياً «فارس مناع»، وحتى في منازل ومقرات الحوثيين تحت ستار الوساطة، لكن ما حصل هو إعادة بناء ودعم الحوثية، التي حصلت على ولاء مدفوع الثمن من قادة عسكريين ورجال قبائل لصالحها، وهذا ما حدث لتخوض بعده الحركة الحرب الخامسة في 2008 – 2009 بزخم عال، ضمن لها إسقاط نحو 90 في المائة من مناطق صعدة في أقل من شهرين، بعد أن كانت لا تسيطر على 2 في المائة من الأرض، قبل نجدة قطر لها باسم الوساطة المشؤومة.

في هذا الموضوع نحتاج لتقارير مفصلة، وما أردته – كأحد أبناء صعدة – هو دعوة وسائل الإعلام لفتح ملف تآمر حكومة الدوحة على صعدة، وما جاورها من مناطق، ودورها في نشوء ودعم وتكوين حركة الحوثي الإرهابية المسلحة، ولكي يعلم الجميع أن ذاكرة الشعوب ليست مثقوبة.

*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط

أخبار ذات صله