fbpx
حتى لا نقع في فخ الخلط بين مهام الدولة والثورة

 

عبده النقيب
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو سوء الفهم الشائع لدى الكثيرين وما نلمسه منهم من خلال المقالات والنقاشات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.. هذه المسألة الهامة يصعب التعرض لتفاصيلها وتوضيح جوانبها المختلفة والمتعددة في مقال صحفي , فالخوض في ذلك يحتاج الى حيز كبير للتمكن من الايضاح. وللحاجة الماسة لتجنب عدم الخلط بين مهام الثورة والدولة فإني سأحاول ايجاز ذلك في حيز هذه المقال المختصر.
مر مصطلح الثورة السياسية بمراحل طويلة وعديدة اكتسب خلالها تعريفات مختلفة وكثيرة حتى استقر مفهومة المعاصر الى تغيير النظام السياسي والاجتماعي الذي لم يعد يحظى بإجماع او برضى الشعب. التغير تقوم به فئة او جماعة بنقل السلطة من نظام سياسي الى آخر بوسائل مختلفة عادة يصاحبها العنف وممكن تمتد التغييرات الى التعديلات الدستورية او الى تغيير الدستور وتغيير الهياكل الاجتماعية السائدة كما ان الثورة لا ترتبط باي شرعية قانونية.
بينما يحمل مفهوم الدولة : انها عبارة عن تجمع سياسي، يوجد نظاما سياديا في إقليم معين، ويمارس السلطات من خلال مؤسساته ومنظوماته وأجهزته المختلفة.
شتان ما بين مفهوم الثورة والدولة وبالطبع ينسحب ذلك على مهمات كل منهما.
إذا نظرنا لواقعنا على الأرض التي عرفت بالجنوب العربي ( اليمن الجنوبي) حاليا فإننا نلحظ غياب مقومات الدولة بشكل تكاد تكون شبه كاملة.. لا يوجد دستور ساري المفعول يطبق او يعترف به ..ولا توجد مؤسسات تفرض سيطرتها على هذه الأراضي ناهيك عن غياب الحكومة المعبرة عن السلطة. كل هذه المقومات الهامة والاساسية تشير الى غياب الدولة وهيمنة الاشكال البديلة لها او بمعنى آخر وجود حالة فراغ للسلطة كمعبر أساسي عن وجود الدولة وحضرت بدلا عنها اشكال وتعبيرات مختلفة مثل المقاومة الجنوبية وحالة الضبط القبلي المؤثر والقائم في مناطق الجنوب المختلفة والى جانب ذلك وجود قوى سياسية وعسكرية تحمل السمة المناطقة او القبلية اكثر منها وطنية ناهيك عن وجود سلطات فعلية لدول التحالف العربي.
هنا نستبعد الحديث عن مهام الدولة في ظل غيابها عند التعرض لحالة الجنوب العربي.. فمهام الدولة تقتضي بدرجة أولى في فرض سلطتها ممثلة بالقانون والدستور عبر ادوت القمع ممثلة بأجهزة القضاء والمؤسسات المسلحة الأخرى وحماية أراضيها وإدارة شئون البلد بما يمثله من حاجة لتقديم الخدمات ويمتد ذلك الى إدارة وحماية العملية السياسية كالمشاركة في السلطة والمعارضة.
يبدو لي من خلال حديث الكثيرين انهم لا يفرقوا بين مهام كل من الثورة والدولة ويجمحون بخيالهم حول ضرورة تطبيق الديمقراطية والمشاركة السياسية بما يتصوروا وجوده مستقبلا  وما فشلت في تحقيقه دول عريقة وقائمة فما بالنا في وضع بلادنا الذي نصارع فيه من اجل إقامة دولة. هذا الفهم القاصر اوقعنا في نظري في اخفاقات جمة و كان سبب رئيس للعثرات التي رافقت نشاط الحراك السياسي الجنوبي على مدى عقد ونصف على الاقل.
عندما انبرى نفر من قادة المقاومة الجنوبية وجلهم ممن لم يكن لهم حضور لامع او لم يكونوا مشاركين في الحراك السياسي الجنوبي انبروا لقيادة المقاومة التي تصدت للمواجهات العسكرية الشاملة مع قوات الاحتلال اليمني منذ عام 2014 وحتى اللحظة. رغم ان المقاومة الجنوبية هي جزء اصيل من الحراك السياسي وهي صنيعته الا اننا نسجل عجز الحراك السياسي بكل أطيافه عن التصدي لقيادة للمعركة السياسية ناهيك عن العسكرية خلال هذه المرحلة. وهذا تعبير حقيقي عن وجود اشكال رئيس في البنية التنظيمية والسياسية للحراك ونتيجة مباشرة للفشل التام في حل هذا الاشكال ولا أراها مهمة سهلة بكل تأكيد.
الحراك السياسي الجنوبي لم يغب كقوة فاعلة خلال المعارك العسكرية التي طالما جند لها الشارع الجنوبي خلال اكثر من عقد ونصف بل وانه فشل في العودة للشارع حتى بعد حسم المعركة وخروج قوات الاحتلال اليمني من الجنوب وأكتفى متفرجا بتوجيه سهامه للمقاومة الجنوبية بطريقة تشير الى انهم يقولوا نحن أصحاب الحق وليس انتم.
وقف الكثير منهم ضد معارضة ومشاركة أي جنوبي في إدارة شئون الجنوب دون ان يقدموا لنا تصور واضح ومقنع عن كيفية تحقيق الأهداف التي نسعى اليها جميعا في التحرر و الاستقلال.
لم أرى أي مبرر مقنع لغياب الاحتجاجات التي يفترض ان يقوم بها الحراك وتعبئة الشارع الجنوبي للوقوف في وجه محاولات عصابات الإرهاب والفساد التي تسعى حثيثا للانقضاض على منجزات المقاومة الجنوبية العسكرية وتحولها الى كرباج يجلد به شعب الجنوب ليل ونها وبطريقة وحشية لم تفعله حتى سلطات الاحتلال اليمني رغم بشاعتها.
الم يكن حري بالحراك الجنوبي وقياداته المتعددة والمتشعبة وفي ظل هذه الأجواء الأمنة والغير قمعية أن يسعى لتحريك الشارع بدلا من الاكتفاء بتخوين قيادة المقاومة والجنوبين المشاركين في السلطة. فاقت قيادة الحراك فقط الان عندما اثبتت المقاومة الجنوبية ان إدارة مؤسسات السلطة امر بالغ الأهمية ووسيلة للتغير الثوري التدريجي على طريق الاستيلاء على السلطة كلها وفرض السيادة على الجنوب وهو الشرط الذي يقتضي معه الحديث عن الاستقلال قبل أي شيء آخر.
هكذا بدأت ترتفع بعض الأصوات في الحراك الجنوبي بانه يجب دعوة مختلف المكونات لتشكيل الحامل السياسي للثورة الذي دعي له اعلان عدن التاريخي.. هذه الدعوة تحتاج الى وقفة جادة ومسؤولة امام مضامينها والنتائج المترتبة عليها.
يقولون الان نحن هنا لكنهم لم يقولوا ذلك لعصابات الشرعية التي لم تترك وسيلة قبيحة واجرامية والا استخدمتها ضد شعب الجنوب ومقاومته. فقط يقولوه لقيادة المقاومة تأكيدا على ضرورة ان يكونوا هم أصحاب إدارة المجلس الذي سيتشكل.
كان ذلك منطقيا وضروريا اذا كان الحراك يمتلك المقومات الضرورية والكفاءة والقدرة على انتاج مثل هذه السلطة وهو بدون شك ليس كذلك والا لكان قاد الشارع نحو هذه المواجهة مع المجاميع الإجرامية التي تختفي تحت عباءة الشرعية المزعومة ولكان الشعب ملتفا حولهم ولكانوا في وضع يفرضوا فيه شروطهم على السلطة.
أحاول ان اقدم هذه القراءة ليس من باب جلد الذات ولكن من باب الخوف على ان لا يتحول الحراك الى عامل يعيق مسيرة المقاومة في انجازها لمزيدا من المكاسب وفي اتخاذ مزيدا من الإجراءات الثورية والتي بدأت ملامح توجيه الضربة القاضية لما تبقى من وجود لهذه العصابات تلوح في الافق بعد ان تم استئصال خلايا الإرهاب وضرب المجاميع العسكرية التي تتبعها في مختلف مدن الجنوب وخاصة في حضرموت وعدن.
الدعوة لمختلف مكونات الحراك لتشكيل الحامل السياسي هي بمثابة الدعوة لمؤتمر وطني وهو ما فشل الحراك لمرات عديدة في انجازه لأسباب موضوعية وذاتية كثيرة وبهذا سيتحول بيان عدن الذي اجمع عليه شعب الجنوب الى حالة من الجدل السياسي يفرغ من مضمونه ويفوت معه الفرصة التاريخية الحاسمة وسيعرض الثورة للنكوص الخطير والقاتل.
سنفشل في تشكل المجلس اذ اوكلنا المهمة للحراك الجنوبي كما فشلت المؤتمرات الوطنية الجنوبية من قبل للأسباب التالية:
1-    وجود  عدد كبير من المكونات على الرغم من انها تحمل نفس البرامج وترفع شعار التحرير والاستقلال وهنا نضع عليه علامة استفهام كبيرة.
2-    تفكك عدد من المكونات لحظة قيامها وتحولت الى شعب وأجنحة لا تمثل أي ثقل بل مجرد اطلال تشوه جمال المكان وتعيق البناء فيه.
3-    وجود بعض  المكونات على الورق ولانعرف عنها سوى من خلال البيانات الثورية القوية التي تمثل حفنة من الناس بل وان البعض تمادى في اعلان جبهات بمكونات ورقية وهمية.
4-    وجود اختراقات كبيرة  للحراك من قبل الأحزاب اليمنية وسلطات الاحتلال ويكفي ان نلتفت لعدد من رموز الحراك المعروفين وذهابهم في اللحظات الحاسمة بالاتجاه المعاكس تماما ومازال هناك عدد غير قليل من رموز الحراك الجنوبي يعملون لصالح الاحزاب اليمنية وتعلو اصواتهم للمطالبة بالاستقلال على غيرهم لكنهم في الحقيقة لا يعدون سوى انهم عبارة عن  قضيب وضع في دولاب الحراك الجنوبي.
اذا فان الدعوة لمكونات الحراك الجنوبي لتشكيل الحامل السياسي هي غير منطقية ولا يمكن ان يكتب لها النجاح للأسباب الانفة الذكر وبهذا سنعرض اعلان الرابع من مايو للخطر الجسيم .
الدعوة لمكونات الحراك السياسي لتشكيل حامل سياسي جنوبي هو مشروع وطني طويل المدى يحتاج الى بلورة وعمل تحضيري يستدعي معه الوقوف امام تجربة المرحلة الماضية ومعرفة اسباب اخفاق عدد من المحاولات ومراجعة البرامج السياسية التي تمت صياغتها في مرحلة مختلفة تماما وايجاد تحالفات جديدة وفرز دقيق للمكونات القائمة لتحديد الموجود من تلك التي تفككت والمزروعة من الوهمية منها.
هذا لا يعني ان المكونات هذه تخلو من المناضلين والكفاءات والمفكرين وغير ذلك بل ان ما  اعني به هو وضع حالة الحراك الغير صحي ومكوناته تنظيميا وسياسيا بدرجة اولى.
خلاصة كل هذه اننا امام لحظة تاريخية حاسمة لا يوجد هنا متسع من الوقت للحوارات التي يفترض ان نكون قد انجزناها واي تأخير في تشكيل المجلس السياسي يعني اننا نمنح العصابات نفخة الحياة لتعود وتلتقط انفاسها ثم تبدا برمي السهام نحو صدورنا وهم اعداء في غاية من الخطورة ولديهم امكانيات كبيرة وما أن يفرضوا انفسهم سيكونون قد اثبتوا قدراتهم وحازوا على ثقة المراقبين الذين لن يترددوا في التحالف معهم ودعمهم..
اذا مهام الثورة في المرحلة الراهنة تتمثل في السعي التدريجي بثبات واصرار لانتزاع السلطة واعادة بناء المؤسسات حتى نكون في وضع يتيح لنا تحقيق طموحاتنا واهدفنا المستقبلية. هذه المهام لن يكتب لها النجاح ولن تتحقق الا اذا ابتعدنا عن الانانية وساهمنا بشكل فعال عبر الالتفاف حول قيادة المقاومة التي هي من انجازات الحراك السياسي على ان يتشكل المجلس الذي ارى بأنه سيكون بمثابة حكومة لا حزبا سياسيا وفقا للمعايير الوطنية والكفاءة والاخلاص وبكل تأكيد ستشارك الكثير من الكفاءات الجنوبية والرموز الجنوبية من الحراك ومن خارجه في تشكيلة المجلس او في الوظائف العامة المدنية والعسكرية وفي صناعة خارط الطريق السياسية للحراك الجنوبي الذي سيظل حاضنا سياسيا للمقاومة والثورة ومدرسة لها يتطلب منه وقتا زمنيا لإعادة قراءة أوراقه وتصحيح اوضاعه حتى يكون قادرا على عقد مؤتمره الوطني بشكل ناجح.
واخيرا وبكل تأكيد لن نجمع على راي لأن هذا امر مستحيل لكن ما هو معلوم ان الاغلبية الساحقة تتوحد خلف قيادة المقاومة الوطنية وقائدها عيدروس الزبيدي وستنشأ خلافات حول الوسائل والطرق التي بها نسعى لتحقيق اهدافنا وهو ما يتطلب وجود معارضة جنوبية وطنية تحتضن الرأي المخالف وتساهم في البناء الوطني وتسعى لإقناع الاخرين بصواب رؤيتها دون أي اعاقة للمسيرة التي تجمعنا وتمثلنا جميعا.