fbpx
رسالة إلى الحاكم بأمره

سيدي الحاكم بأمره .. لا اشك بأنك تعمل بما سأورده هنا إلا اني لا أرى أي ضرر من تذكيرك به وتكراره عليك لعل وعسى ان أكون أفدت بما قد يكون فاتك.

سيدي الحاكم بأمره .. لاستتباب أمور حكمك والسيطرة التامة على مفاصل الحكم عليك بالتالي: اعمل على ان تضع الجاهل مكان العالم .. و وضع الصغير مكان الكبير .. واحرص على ان يكون تابعيك ضمن القيادة .. وقرب من معاليك دعاة يسبحون بحمدك ويمجدون أقوالك وأفعالك .. ألجم كل من يهمس لذاته ضدك .. وغيب كل من يدعي بأن الشعب هو صاحب القرار .. فالقرار قرارك, وحينها ستحل بهم الويلات والنكبات وستكون مأساتهم تلك جزاء لأمة ارتضت ان تضع مصيرها وطموحاتها ومستقبل أجيالها وكافة مواردها بين أيدي مفسديها وأمنت سيوفها رهينة بيد جبنائها وصغار ولاتها .. ولتأمين حدوث ذلك سيدي الحاكم, سيأتي بمعادلة ابسط ما تكون, بالإفقار والتجويع, مع عدد من الزبانية يعملون إلى ميمنتك والميسرة, وعيون بعض فاقدي الضمير تسهر على مراقبة مدى استمرار فقرهم وجوعهم، كما عليك ان تستقدم من وراء أعالي البحار من يكونوا عوناً لك, وبذلك سيسود حكمك الرشيد.

سيدي الحاكم بأمره .. حاول تروية مناقبك حتى وان كانت محاطة بهالة من الزور و البهتان .. واستعرض أمام رعيتك عنترياتك و بطولاتك الخارقة للعادة, ولا تنسى ان تستعرض أيضا قدراتك وإمكانيات بطشك، واعلم علم اليقين ان سر قوتك تكمن في ضعفهم، و اتساع مداركك وعلمك يكمنان أيضا في جهلهم، ومتعة نهارك تأتي حين يسّود ليلهم، لذلك لا تسمح لهم بنيل ما هو أكثر من ذلك, و لا تأبه لنداءات تدعو لخزعبلات هذا العصر قد تسمعها هنا أو هناك, فأنت وحدك مصدر كل السلطات ولا سلطة إلا سلطتك فقط ولا عرش إلا عرشك أنت .. واحذر صعاليكهم فأحقرهم أكثرهم خبثا, فلا تدري متى سيثور غضبهم .. لذا اعمل على تحويل أفراحهم لأتراح وأدس على كرامتهم وإنسانيتهم .. أحسسهم دائما بالدونية .. وأجبرهم على تقبيل يدك الممدودة دائما بالعطايا .. فأنت الحاكم والحاكم أنت, أنت المانح ولا احد سواك .. ولا حق لهم إلا بما تجود به عليهم وما تقرره أنت وقتما تشاء .. عظم ذاتك في خطاباتك وحتى في تخاطبك معهم .. كن دائما الأعلى والأوسم و الاشيك والأرقى وخاطبهم بفوقية الحاكم بأمره.

سيدي الحاكم بأمره .. في نطاقنا الجغرافي لك ان تأمر و تطاع .. فأنت الحاكم بأمره، وأمرك ربما يكون تنفيذا لأوامر أخرى تأتيك من خلف الستار أو من وراء أعالي البحار ربما, ومع ذلك نعدها صكوك خالصة صادرة عن معاليك .. لك الكلام والحديث كله .. ولك الأمر والنهي .. وعلى الرعية السمع والطاعة, حتى وان كنت فاقدا للشرعية أو خارج نطاق التغطية, أو ما جاورهما, لا فرق فالمسألة سيان عند رعيتك.

ولكن .. ان تجمعوا يا سيدي في ساحاتهم المعتادة واخذوا بالتكاثر وساد تجمعهم التكاتف والتآزر.. فكن مبادراً إلى استيعاب صفوتهم وقادتهم وحاول قدر المستطاع ان تستعطفهم ببيع الوهم لهم واذرع وقطّع لهم من السماء قمصان – ولا أزيد لأنك امهر في ذلك – ولا تكل من سرد أمجادك وتاريخك وفرده أمامهم حتى وان كان جله وهميا.

سيدي الحاكم بأمره .. اقلب الصفحة وتابع معي .. حينما يختلط الحابل بالنابل ويوضع الحق في مرتبة يعلوها الباطل، ليصبح الباطل سيد الموقف، وحين تتم تنحية التشريعات السماوية, لابد من إعادة النظر في كافة المفاهيم وتعاريفها والتوافق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد الأسس و المعايير التي من خلالها يمكن تحديد حقيقة الموقف، واستشفاف طبيعة المعادلة الفعلية لخارطة التناقضات التي تتحكم في الفعل ورداته، وتأثيرات الحدث على مختلف المستويات, تكون تلك هي المعضلة, معضلة ما تقدم من فقرات .. ومع ذلك دعنا سيدي الحاكم نسير بذات النسق مع الأخذ في الاعتبار الواقع الحالي و تجارب سابقة لأمم شهدت أحداث مماثلة, ودعنا نتساءل .. ماذا لو لم ينفع كل ذلك وخرجت الحشود من رعيتك هاتفين ضد معاليك وتجرؤوا على خدش كرامتك والتهكم على تاريخك, ماذا ستفعل حيال ذلك؟ إذا ما استثنينا أي تهور يصدر من جنابك, وأنت المزهو بنياشينك وعدد النجوم التي نزين منكبيك .. لن يكون لديك أي جواب طبعا, وفي كل الأحوال عليك ان تعلم حينها يا سيدي بأنك منتهي الصلاحية وبأنك راحل لا محال .. وأبحث سريعا عن سبل ودرب الرحيل واختطه, ان لم تكن قد أعددت نفسك مسبقا لمثل تلك اللحظة.. ولا تركن إلى أصدقاءك أو مناصريك أو قارعي طبول تمجيدك أو حملة المباخر .. ولا تجهد تفكيرك كثيرا فالكل سيتخلى عنك حينها, وينفض الجمع بمولدهم من حولك وقد تأتيك الضربة القاضية لترسم مشهد نهايتك من حيث لا تحتسب وقد لاحت تباشيرها .. لا تمعن كثيرا سيدي في البحث عن أسباب هزيمتك و انكسارك وتقويض عرشك الذي بالكاد أكمل حوله الأول .. ففي كل ما تقدم تكمن الأسباب الفعلية لزوال عرشك .. ولا حاكم بأمره دون عرش وبطش .. حينها أيها الحاكم بأمره المنتهية ولايته قبل ان تبدأ فعليا .. ان تلفت يمينا ثم يسارا و استجمع ما استطعت من بقاياك وعلى جناح السرعة اهرب وابحث كالجرذ المذعور عن جحر يأويك .. وتهيأ نفسيا لمشاهدة الألعاب النارية لمن كانوا رعاياك وهي تزين السماء وأنصت لقرع طبول انتصاراتهم وزغاريد نسائهم, فقد استعاد الصناديد حريتهم و حرية بلدهم وانتزعوها من بين يديك ومن بين أنياب أسيادك وأصبح لا مفر من الانقضاض على تاريخ حكمك القصير وتاريخ أسيادك .. حينها كل ما عليك فعله هو ان تصمت .. اصمت وادخل ذاتك بذاتك إلى غيبوبة الصمت الأبدي ولا عزاء لأمثالك.