fbpx
تجربة النقد السردي عند عبدالحكيم باقيس – بقلم: محمد ردمان علي
شارك الخبر


عبد الحكيم باقيس واحد من النقاد الأكاديميين الذين يسهمون بفاعلية في أثراء الدرس الأدبي والنقدي في جامعة عدن،
وكذلك الإشراف على عدد من الرسائل العلمية ، في الماجستير والدكتوراه ، والاشتراك في لجان مناقشتها..أو من خلال الكتابات النقدية التي قدمها، وسجل في السنوات الأخيرة حضورا بارزا في المنتديات والملتقيات الثقافية، إلى جانب مشاركته في عضوية تحكيم كبرى الجوائز المحلية (جائزة عمر الجاوي، جائزة مؤسسة السعيد، جائزة البحث العلمي بجامعة عدن، جائزة رئيس الجمهورية للقصة القصيرة) وسنحاول في هذه الوقفة أن نتلمس بعض الكتابات النقدية التي نشرت منذ العقد الأول من هذا القرن ، فنبحث في المرجعيات التي انطلق منها، ونكتشف الوسائل والأدوات النقدية التي درس بها الخطاب السردي اليمني خصوصا النوع الروائي ، عبر منهجية وصف النقد وليس نقد النقد.
لقد قدّم الناقد عبد الحكيم باقيس منذ بداية هذا العقد عددا من الدراسات والأبحاث التي تشي بتوجهه نحو السرد، وكانت فاتحة هذه الدراسات دراسته الموسومة(بناء السرد في الرواية اليمنية) التي نال بها درجة الماجستير من معهد الدراسات العربية بالقاهرة عام2001م.ثم في عام 2006م قدم إلى المعهد نفسه دراسته الموسومة( تطور الخطاب الروائي اليمني) التي نال بها درجة الدكتوراه. وكانت السنوات التي تلت عودته من الدراسة سنوات خصبة، إذ قدم عددا من الدراسات والأبحاث: - الرواية التعليمية عند محمد علي لقمان ـ بحث مقدم ومنشور ضمن كتاب أبحاث ندوة محمد علي لقمان، المنعقدة بجامعة عدن في نوفمبر2006م. - حركة الدستوريين الأحرار في المتخيل الروائي ـ بحث مقدم ومنشور ضمن كتاب أبحاث مؤتمر الأدب اليمني السادس، أكتوبر2007م. -عدن مدينة التحولات في السرد الروائي ـ بحث مقدم في مهرجان عدن الثقافي الثاني، مارس2008م. - التجربة الشعرية لأحمد بامعبد ـ ندوة الشاعر بكلية التربية بشبوة ـ جامعة عدن، مايو2008م. - فتاة قاروت والريادة الروائية المهمشة ـ بحث مقدم ومنشور ضمن كتاب أبحاث مهرجان صنعاء الرابع للقصة والرواية، يوليو2008م. - العنوان وتحولات الخطاب في الرواية اليمنية ـ ملتقى قراءة النص التاسع (الرواية في الجزيرة العربية) ـ النادي الأدبي الثقافي بجدة ـ مارس 2009م. - شعرية البداية ودلالتها في رواية الرهينة ـ  بحث مقدم ومنشور ضمن كتاب (ندوة زيد مطيع دماج: سيرة وطنية حافلة بالإبداع) المنعقدة بمركز البحوث والدراسات اليمنية ـ صنعاء ـ يوليو 2009م. - البدايات والنهايات في روايات علي أحمد باكثير التاريخية ـ بحث مقدم إلى (ندوة باكثير ومكانته الأدبية) رابطة الأدب الإسلامي العالمية واتحاد الأدباء والكتاب العرب ـ القاهرة ـ يونيو2010م. - نرجسية الكتابة الميتاقصية (تجربة الميتاقص في رواية عقيلات لنادية الكوكباني) ـ بحث مقدم إلى مؤتمر الأدب اليمني السابع ـ صنعاء ـ مايو 2010.
وفي السنوات الأخيرة أبدى اهتماما ملحوظا بالسيرة الذاتية لذلك سينشر الأبحاث الآتية:
– باكثير وكتابة السيرة الذاتية، قراءة في شذرات سيرته الذاتية والفكرية، بحث مقدم إلى ندوة الذكرى المئوية لميلاد الأديب المفكر علي أحمد باكثير الذي أقامته جامعة عدن في ديسمبر2010م.
– الكتابة الذاتية عند عبدالله سالم باوزير، بحث مقدم إلى الندوة التي أقيمت عن عبدالله سالم باوزير عام 2014م.
– نصية سيرة عمارة اليمني الذاتية في كتابه النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية، مجلة كلية الآداب، جامعة طنطا،يناير 2017م .
– السيرة الذاتية التراثية من سرد الآخر إلى سرد الذات.
– السيرة الذاتية المتشظية، الإمام الشوكاني نموذجاً.
وفي عام 2014م سينشر كتابه (ثمانون عاما من الرواية في اليمن- قراءة في تاريخية تشكل الخطاب اليمني وتحولاته).
والملاحظ أن بعض الأبحاث السابقة التي نشرت ضمنها الناقد بعد ذلك في كتابه (ثمانون عاما من الرواية)، مثل الرواية التعليمية عند محمد علي لقمان، و حركة الدستوريين الأحرار في المتخيل الروائي ، وعدن مدينة التحولات في السرد الروائي، وفتاة قاروت والريادة الروائية المهمشة، والعنوان وتحولات الخطاب في الرواية اليمنية، ونرجسية الكتابة الميتاقصية . لذلك يمكن أن يمنحنا استعراض القضايا التي عالجها الناقد في الكتاب الآنف الذكر مؤشرات هذا الوعي النقدي الذي بدأ مستوعبا لموضوعه، وثمرة لجهوده في القراءة والبحث التي بدأها بدراسته (بناء السرد في الرواية اليمنية) متخذاً من روايات (الرهينة، السمار الثلاثة، ركام وزهر، زهرة البن) نماذج تطبيقية بيَّن بنيتها السردية على وفق المنهج البنيوي.
يرصد الناقد مسيرة هذا النوع الأدبي في بلادنا منذ بدء ظهوره في أواخر عشرينيات القرن الماضي إلى الوقت الحالي. ولكي يمسك بكلية المواضيع المطروحة يتخذ عددا من المؤشرات التي تشي بتحولات الخطاب الروائي وتشكله، منها: التحول الإحصائي الذي يتصل بعدد الأعمال المنشورة، وقد رأى الباحث هوة كبيرة فاصلة بين ما كان ينشر في الماضي وما ينشر في الحاضر، وثاني المؤشرات يرتبط بالتحول من الموضوعات التقليدية التي شكلت شواغل الخطاب الروائي مثل قضية الثورات، وقضية الهجرة وقضايا الريف وغيرها من الموضوعات الكبرى التي شغلت كتاب تلك المرحلة إلى مجالات جديدة في التناول، اهتمت مثلا بالذات الفردية اليمنية في همومها اليومية في معركة الحياة والغوص في سرد تفاصيلها، وأبرز مؤشر من مؤشرات التحول هو ظهور خطاب روائي للمهمشين تتجلى أوضح صوره في الخطاب الروائي النسوي الذي انشغل بهموم المرأة، كما توجه هذا الخطاب من ناحية أخرى إلى تناول موضوع الآخر والتركيز على تسريد حيوات المهمشين اجتماعيا بأصدق تفاصيلها على نحو ماهو معروف في رواية علي المقري(طعم أسود.. رائحة سوداء) التي تناولت موضوع الأخر اليهودي الذي بات يشكل أحد أهم ظواهر الخطاب الروائي اليمني. ولم يكن هذا الخطاب الروائي بعيدا عن ظاهرة الإرهاب ،إذ يحفل هذا الخطاب بتأريخه لظاهرة الإرهابية وتجلياتها، أكانت في ممارسة سلطات سياسية كما تصدت له رواية سعيد عولقي(السمار الثلاثة) نهاية الثمانينيات، ثم رواية( الملكة المغدورة) لحبيب سروري، أو على مستوى ممارسات جماعات التعصب الديني في نصوص روائية لاحقة. وعلى وفق المؤشرات السابقة التي لامست أبرز مؤشرات التحول في موضوع الخطاب الروائي وتجلياته في عدد من الأعمال الروائية يقوم الباحث بتحقيب ذلك الخطاب إلى ثلاث مراحل زمنية مختلفة تمثلت في البدايات الأولى التي حاول كتابها تمرير خطابهم الفكري والإصلاحي وتمثل ذلك في رواية (فتاة قاروت) للسقاف، و(سعيد) و(كملا ديفي) لمحمد علي لقمان و(واق الواق) للزبيري…ثم الرواية الواقعية والتي اهتم أصحابها بقضايا الواقع والموضوعات الكبرى، ويتقدم هؤلاء الكتاب محمد عبد الولي، وزيد مطيع دماج وسعيد عولقي…وأخيرا الرواية الجديدة ويسمي الباحث كتاب هذه المرحلة بالجيل التسعيني الذي بدأ يمارس الكتابة بوعي تام لطبيعة النص الروائي واشتراطاته.()
من ريادة أحمد بن عبدالله السقاف في روايته (فتاة قاروت) الصادرة عام 1927م التي مثلت البدايات الأولى لهذا النوع الأدبي ثم روايته الثانية (الصبر والثبات) 1927م تلك الريادة التي ظلت مهمشة بحجة أن صاحبها كان مهاجرا خارج اليمن وصولا إلى رواية محمد علي لقمان (سعيد) الصادرة عام 1938م ثم روايته الثانية(كملاديفي) 1947م يمضي الباحث في قراءة متأملة لمضامين ذلك الخطاب الذي اتسم بالنزعة التعليمية والإصلاحية شأن كل البدايات، وهو يتفحص كل رواية مبينا متنها الحكائي ومستوى البناء الفني. ومن البدايات ينتقل الباحث إلى شواغل الخطاب الروائي وتحولاته، ومنها قضايا الريف وكل ما له صلة بالبيئة المحلية من معتقدات، وقد تعاطى الخطاب الروائي مع هذه القضية على وفق رؤيتين فنيتين، تمثلت الرؤية الأولى في الواقعية النقدية كما هو الحال في روايات محمد عبد الولي، أما الثانية فتمثلت في الواقعية الاشتراكية كما هو الحال في (مرتفعات ردفان) و(طريق الغيوم)،(القرية التي تحلم) .هكذا تمحور الخطاب الروائي بين قضايا الريف والنضال والهجرة والعلاقة بالغرب ثم المدينة، وكان أهم ملمح ميز هذا الخطاب على وفق الناقد هو علاقته بالتاريخ، إذ اتجه التمثيل السردي لمسيرة الإنسان في تحرره من القهر والاستبداد، لذلك بدأ أكثر اشتغالا بالقضايا الكبرى، هذا الأمر ظل مهيمنة كبرى على الخطاب الروائي حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي. لذلك يضرب الناقد مثلا بموضوع الدستوريين الأحرار في الخطاب الروائي الذي جاء في إطار المعالجة الفنية لوقائع التاريخ اليمني المعاصر كما هو الحال عند الزبيري في (واق الواق)،و(زهرة البن) لعلي محمد زيد. إنَّ الاعتماد على التاريخ ، أدى في كثير من الأحيان إلى تضاؤل المتخيل السردي. كما أن معظم الروايات ذهبت تتلمس التجارب الخاصة وتقترب في كثير من الأحيان من السيرة الذاتية، وذلك ما يفسر الاحتفاء الكبير بالتاريخ وأحداثه المرتبطة بالتجارب الشخصية. وهي إشارة ذكية جديرة بالأهمية تتطلب الوقوف عندها، ويبدو أن الناقد أوردها ملاحظة عامة في سياق الحديث عن علاقة الخطاب الروائي بالتاريخ، ولم يضرب لها بأمثلة، لأنها كانت مهيمنة مركزية تعلن عن نفسها في أكثر من رواية.
يعالج الناقد ظاهرة الميتاقص في الرواية؛ أي الكتابة الواعية لذاتها، التي تجعل من الكتابة والقص ومواضعات التعبير موضوعًا لها داخل العمل القصصي. وترتبط هذه التقنية على وفق الناقد بالرواية الأنثوية التي تعد الكتابة أداة مهمة تدافع بها عن هويتها وتخوض معركة وجودها تجاه الرجل الذي ظل على مدى قرون طويلة يمارس القهر والاستلاب بحق المرأة ذاتا وإبداعا() ، ويعرض نموذجا لذلك برواية(عقيلات) لنادية الكوكباني التي حققت أحد أهم مبادئ الميتاقص، والمتمثل في إفساد الإيهام بواقعية المروي، إذ تتوجه في بعض المقاطع السردية بالحديث مباشرة إلى القارئ. كما تحفل بحشد كبير من النصوص الموازية ذات الطبيعة الميتا قصية().
ولأن النص على وفق جوليا کريستيفا هو عبارة عن “لوحة فسيفسائية” من الاقتباسات، وکل نص هو تشّرب وتحويل لنصوص أخرى”، فإنَّ الناقد يعالج ظاهرة التناص في بعض النصوص الروائية في (واق الواق) للزبيري و(صنعاء مدينة مفتوحة) لمحمد عبد الولي و(ركام وزهر) ليحي علي الأرياني و(السمار الثلاثة) لسعيد عولقي.
ومن ملامح التحولات في الخطاب، ذلك التحول الذي شهده العنوان بوصفه مفتاح النص وقائد المتلقي إلى الموضوع. وقد ارتبط الوعي بالعنوان على وفق الناقد من حيث الممارسة بالوعي الكتابي، فنُظر إليه بوصفه ضرورة كتابية اقتضاها التحول من المرحلة الشفاهية، حيث الاتصال والتلقي المباشران بين المرسل أو المتكلم مع المستقبل أو المستمع()، ومن خلال تتبع العنوان في الرواية اليمنية اتضح للناقد أن السيرة النصية للعنوان تتطابق مع سيرة العنوان في الرواية العربية بفعل التلقي والتأثر المباشر بالنص العربي منذ البدايات في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، ولذلك حاكت الرواية اليمنية نظيرتها العربية موضوعا وعنوانا. وعلى هذا النحو يصف الناقد مسار العنونة في الرواية اليمنية في ثلاث مراحل تمثلت في البدايات الروائية، حيث العنوانات الرومانسية التي تحمل أسماء الشخصيات، والرواية الواقعية وفيها كانت الهيمنة للعنوانات التقليدية المكانية، أما في الرواية الجديدة، فقد جاء العنوان تعبيرا جديدا عن الوعي بالكتابة().
واضح من خلال ما وقفنا عليه أنَّ الناقد باقيس استطاع أن يحدد المعالم والخصائص الأساسية لهذا النوع الأدبي في بلادنا اعتماداً على المعطيات المعرفية للنظرية السردية من جهة وعلى قراءة واستقراء النماذج الروائية ذاتها، واستخراج خصوصياتها الموضوعية التعبيرية والبنائية والدلالية، وتحديد طبيعتها الخاصة وعناصرها الداخلية، وهو ينطلق من قراءات معرفية متعددة، من كتابات أجنبية مترجمة، وكتابات عربية اهتمت بقضايا السرد على وفق الدراسات البنيوية التي عالجت شكل الخطاب، وموضوع الخطاب.
….
* أستاذ الأدب الحديث كلية التربية طور الباحة

أخبار ذات صله