fbpx
عن التسوية السياسية في اليمن*

بقلم/د. عيدروس نصر ناصر

رغم كل ما تشهده جبهات المواجهة العسكرية في الأزمة اليمنية من احتدامات هنا وسكون هناك، ورغم ما حققته القوات المؤيدة للرئيس هادي من تقدم في بعض الجبهات وخصوصا على الساحل الغربي وبعض مديريات صعدة والسيطرة على بعض النقاط المهمة في جبهة نهم، أقول رغم كل هذا لا يبدو أن الأزمة اليمنية تسير نحو مخرج يوقف جنون الحرب ويقدم حلولا سلمية لمعضلات اليمن المتراكمة منذ أكثر من ثلث قرن.

التسريبات التي تداولتها بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عن التعديلات في خطة ولد الشيخ قد تبدو للوهلة الأولى قابلة للتعاطي وصالحة لأن تكون مدخلا لتسوية ما في هذا النزاع، لكن من الواضح أنه حتى الآن ما تزال الطبخة بحاجة إلى إنضاج، ويبدو أن اجتماع الرباعية المزمع خلال الأسبوع القادم في برلين سيتولى إنضاج هذه الطبخة لتقديمها لأطراف النزاع اليمني.

مشكلة الأطراف الدولية التي تبذل مساعي (حميدة) من أجل حل أزمات مشابهة لأزمة اليمن أنها تبحث عن حلول تقوم على مراضاة أطراف الصراع، وليس البحث عن اجتثاث سبب الأزمات، وفي هذا السياق يأتي الحديث عن حكومة وحدة وطنية، أو رئيس وزراء توافقي وبالتالي حكومة توافقية، وكما قلت في أحدث الأحاديث التلفيزيونية أن التوافق يبدأ في القناعات والاستعدادات النفسية والذهنية والأخلاقية لتقديم التنازلات ورفع قيمة المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، وليس بجمع المتقاتلين وتقسيم الكعكة السياسية فيما بينهم كما جرى مع المبادرة الخليجية وحكومة ألأستاذ با سندوة التي ظلت لسنتين تعمل كحكومتين متناقضتين لا تعرفان الوفاق ، رغم أن اسمها “حكومة الوفاق الوطني”.

تكرار تجربة المجرب لن يقود إلا إلى نفس النتيجة المخيبة، ولذلك فإن أي حل للأزمة اليمنية يجب ان يقوم على استبعاد كل الرموز السياسية المتورطة في صراعات الماضي سواء من المحسوبين على الطرف الانقلابي أو من المحسوبين على معسكر الشرعية، وفي اعتقادي الشخصي أن احتفاظ الرئيس هادي بصلاحياته وموقعه لفترة انتقالية محددة زمنيا لا تعني الإبقاء عليه رئيسا إلى الأبد، ولكن لأنه الرئيس المنتخب الذي لا يجب أن يغادر السلطة إلا كما وصل إليها عن طريق الانتخابات العامة، وبقائه في موقعه يجب أن يكون وسيلة لتشكيل حكومة كفاءات تكنوقراطية (غير حزبية) مهمتها الإشراف على الإجراءات الانتقالية الهادفة إلى نزع أسلحة المليشيات وتطبيع الأوضاع الأمنية وإعادة بناء جهاز الدولة وحل القضية الجنوبية على النحو الذي يرتضيه الجنوبيون، والتهيئة لكل ما يقتضيه ذلك من استفتاء على مشروع الدستور الجديد، بما في ذلك الاستفتاء على مصير الجنوب، والإعداد لأول انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية.

 نظرية “تقاسم السلطة” نظرية فاشلة ومدمرة أثبتت فشلها في ظل زخم الثورة الشبابية السلمية، حيث خرج المخلوع من باب السلطة ثم عاد إليها من نافذة الانقلاب وهو أمر يمكن أن يتكرر إذا ما تكررت المحاولة هذه المرة، فالساسة اليمنيون حتى عندما يقدمون التنازلات فإنهم يعتبرونها مجرد خطوات تكتيكية على طريق الانقضاض على الاتفاقات الموقعة وغدر المتوافقين ببعضهما، وهذا ما تشهد عليه كل التجارب التاريخية من مؤتمر حرض واتفاقات العمل الوحدوي واتفاق 30 نوفمبر 1990م ووثيقة العهد والاتفاق حتى المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة الذي أفضى إلى سيطرة الانقلابيين على العاصمة صنعاء ومحاصرة الرئيس وأعضاء الحكومة وما تلاها من تداعيات يعلمها الجميع.

لا أدري لماذا يصر المتعاطون مع الشأن اليمني على أن لا حل للأزمة اليمنية إلا بالإبقاء على من كانوا سببا في كل كوارث البلد، في حين المكان الطبيعي لكل هؤلاء هو دار العجزة وصندوق التقاعد إن لم يكن محاكم الجنايات الدولية نظير ما ارتكبوه في حق اليمن واليمنيين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك