fbpx
“حنشل”… استشهد واقفاً كتب/ عبدالخالق الحود
شارك الخبر
عاد من أسره عقب اعتقاله في خطوط التماس على جبهة بيحان. عاد “الشهيد القائد حسن حنشل” بجراح فوق جراحه التي مني بها في معركة العند أربعين يوماً أو يزيد، قضاها هناك ابن الحراك الذي وهبه كل وقته وروحه وحياته. عام 2007، وقف “حنشل” وسط عتق مع بضعة رجال، يوم كانت عاصمة محافظة شبوة تأبى رفع علم الجنوب، هو نفسه العلم الذي توسّده اليوم على نعشه شهيداً، ولُفّ به جسده لتشيّعه عتق كلها عن بكرة أبيها، شعباً وحراكاً ومقاومة.
يقول سالم الدياني، رفيق “حنشل”، ورئيس اتحاد شباب الجنوب، “من حنشل كنا نستمد الأمل مهما زادت الإحباطات. تراه دائماً ما يفتح كوّة للنور، ولا يكتفي بذلك، بل يسارع للتنفيذ والمبادرة. بفقد حسن خسر الجنوب قائداً ميدانياً شاباً من الصعب إيجاد مثيل له”. أسس حسن حنشل وعدد من رفاقه جمعية شهداء شبوة، تلك المحافظة التي كان نصف الجيش اليمني يحرس آبارها النفطية ليتمتع بقيته بثرواتها دون أهلها. واقع رفضه الشهيد، وسعى لأجل تغييره إلى تأسيس مجلس الحراك في عتق ومجموعة من المناضلين من أبناء شبوة، وهو الأمر الذي واجهته السلطتان العسكرية والمحلية آنذاك بالقوة.
 حسن، أوسط إخوته، ينحدر من مديرية الصعيد لأسرة فلاحية معدمة. سوء حالتها المادية أجبره على عدم إكمال دراسته بعد تخرجه من الثانوية. غادر الصعيد وإخوته قاصداً عتق التي أسس فيها مشروعاً صغيراً يكفيه وإخوته الحاجة، ويتيح لهم عيشاً كريماً. وما طابت له حياة أو قعود في غير ساحات النضال السلمي، ناشطاً وداعياً شعب الجنوب وأهله في شبوة إلى الانتفاض ضد القهر والظلم والاقصاء والتهميش، ومن أجل حق أبناء الجنوب في استعادة الدولة وتقرير المصير.
جاب محافظات الجنوب مرات ومرات، من أقاصي جبال جحاف في الضالع إلى قمة شاهق العر في يافع، وصولاً إلى ساحة الحرية في المكلا، وحط رحاله قبل الحرب في خيمة نصبها وسط ساحة العروض بعدن، معتصماً وبقية ثوار الجنوب لأكثر من تسعة أشهر، حتى اندلعت معركة الأمن المركزي في الصولبان شمال شرق عدن. شارك في رسم الخطط وابتكار أساليب النضال السلمي، ولم تفته مسيرة أو احتفال أو ذكرى جنوبية إلا وكان حاضراً فيها، وحول ورفاقه عتق إلى حراك دائم، ونموذج لفنون النضال السلمي كانت بقية محافظات الجنوب تقتدي بأساليبه وتقلدها.
وإن يصح القول بأن عبود الخواجة قائد أوركسترا شعب الجنوب، فـ”حنشل” وحده ثورة. في حرب 2015، لبى “حنشل” نداء السلاح، وحمله مدافعاً عن أرضه، صائلاً جائلاً في جبهات بيحان وعتق والعند والصعيد. أصيب أثناء ذلك مرتين، وظلت جراحه ناكئة حتى استشهاده، وما سُمع يوماً يطلب ثمناً لمشاركته في المعارك والجبهات، وما نال كغيره كثيرين درهماً ولا ديناراً ولا منصباً، وما ارتضى جزاء لنضاله. وحين اشتدت إصابته، عاد إلى عتق يحمل عدته، يفترش بها دكانه الصغير ليأكل من كد يده.
“حنشل” هو من أشرف على معرض شهداء شبوة في فعالية أكتوبر بعدن، وفاء لرفاق صحبهم طويلاً، ولم يتأخر طويلاً أيضاً حتى لحق بهم شهيداً. نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً. سقط برصاصات غادرة أنهت حياته القصيرة الحافلة بمحطات نضال ناصعة. وآخر ما سمعته أذناه جمل قالها شقيقه صالح قبل دفنه وبعد تشييعه في موكب جنائزي مهيب، هامساً: “وداعاً سيدي. نم قرير العين هانئ البال، فراية الجنوب اليوم وحدها في عتق خفاقة على الشرفات وأعمدة النور، وفوق أسطح المنازل وأعلى سواري مدارس المدينة، وستظل كذلك مادام فينا عرق ينبض”.
أخبار ذات صله