fbpx
عن عرب آيدول؟

 

محمد عبدالله الصلاحي

نعيش في عالم سطحي، عالم تواسيه الأوهام وتُبكيه مظاهرها، حينما تتغلب النجاحات الوهمية في مسرح فني راقص، على انتصارات يجب تقديمها، انتصارات حفظ المال والنفس والعرض والأرض.

نسكب كماً وافراً من الدموع لأن فناناً بكى في وصلة غنائية أدّاها، وذات العيون التي بكت خشوعاً في حضرة الفن، لم تبكي على حقيقة مؤلمة يُعايشها وطنها، ويُكابدها شعبها.

يقولون كذباً لمواساة قناعاتهم: أن الفن الراقص في زمن الحرب وسيلة نبيلة للتعبير عن مغادرة العالم الحقيقي المُثخن بالدماء! والعيش في خيالٍ يُراد للناس معايشته، بعيداً عن واقع مؤلم يستوجب تغييره!

حين يكون الفن سلاحاً ينتصر أصحابه لقضايانا كالفن العربي الأصيل وروّاده، سيكون هذا فناً جميلاً لا يُمانع الكل في تأييده، لكن أن يكون الفن الراقص وسيلة يدّعي أنصاره أنه غطّى حزن بلد أثخنته الحرب، فهذه مغالطة على قدسية الدم وحرمته، الدم الذي لم تبكي له عين، ولم تتحرك المشاعر لوقف نزيفه، كما تحرّكت لتأييد فوز فنان!

وسنظل في دوامة من الصراع، وسنغرق أكثر في الدماء، لأن توافه الأمور وببساطة تلقى رواجاً في مجتمعنا، ويُنظر إليها على أنها من مُسبّبات رفعة بلد ما، وسقوط آخر!
لأننا نرى حب الوطن في أغنية، بها تتحرك المشاعر، ومن تأثيرها تبكي العيون، ولا نرى هذا الحب في واقع الوطن الأليم، والمُبكي!

وستظل جوائز هذا المسابقات حكراً على مواطنين من دول مسحوقة، تارة يفوز بها يمني، وتارة سوري، وتارة فلسطيني! وهكذا، حتى تظن شعوب هذه الدول أن الفوز بهذه المسابقة هي أسمى أمانيها! وحينها لا تعجب إذا رأيت حكامها يحشدون لفوز ابن بلدهم، فهم أيضاً يَرَوْن في هذا فرصة يذهب فيها اهتمام الشعب عنهم وعن تسببهم في إنحطاطه وسقوطه، إلى اهتمامه بهذه المسابقات!

هكذا يُراد لنا، أن ننشغل طويلاً عن تغيير واقعنا، والعيش في حضرة أغنية لن تجلب الانتصار، ولن تُوقف الدماء، ولن يُعد ما سيحققه الفنان -إن انتصر- إنجازاً وطنياً يستحق كل هذا الاهتمام والاحتفاء، بقدر ما هو نجاحاً شخصياً فنياً يعود على شخصه فقط.

سحقاً لشعوب لم تحتكم لعقلها، ولم تُوحّد شملها، وتحفظ حقوق بعضها، وتُوقف سفك دمائها، في حين تُجمع على تأييد فنان!

ووسط هذا الصخب الزائف، والنجاحات الوهمية، لا غرابة إن تم منح جائزة الموسم القادم لفنان من ليبيا، فقد أخذت حقها من الدمار، والخراب، والقتل، وآن أوان منحها جائزة عرب آيدول، حتى لا تذهب الدماء التي سُفكت فيها هدراً دون الفوز بالمسابقة.

وختاماً، أنا لست ضد الفن، ولست ضد المسابقة، وإن كنت شخصياً لا أُتابعها . لكنني ضد إيلائها اهتماماً أكبر من قضايا واقعنا.
ولست أيضاً متخلفاً، ولا رجعياً، ذلك أن نقيضهما “التقدم والتطور والثقافة” ليسوا مرتبطين بالفن والغناء.