fbpx
الفسادُ شرٌ أضاعَ البلاد!

 

لم تبتلِ الأمة الإسلامية والعربية خصوصا بشرٍ أسوأ من الفساد وأن يتوارث حكامها الفاسدين ويسيّر أمرها المفسدين، فمن بعد خروج الاستعمار الغربي للوطن العربي حرص على صنع قيادات فعلت بالمواطن أشد مما صنعه المحتل وكله باسم الثورة والتحرر.

امتلأت السجون وعلقت المشانق واغتيل البعض ونُفِي آخرون ، حرب شعواء على الوطنيين الأحرار.

يواكب ذلك إعلام خبيث صوّر تلك الشرذمة الحاكمة بصور الصلاح وألبسها دثار الوطنية وقذف في قلوب الناس الخوف وملأ عقولهم بالترهات .

استغلت تلك الأنظمة فقر الناس وحاجتهم للأمان والاستقرار بعد عقود من الاحتلال والتشرد والضياع كما ساعدها في التغلغل في المجتمع الجهل الذي أحدثه المستعمر في عقول العامة.

استمرت تلك الأنظمة تعبث بمقدرات الشعوب حتى أثروا ثراء فاحشا في حين تدهورت أحوال الناس وزادت رقعة الفقر بل وعمل الحكام على إشغال الناس بسفاسف الأمور، فاغرقوا الشارع بالفساد الأخلاقي وتحت أسماء متعددة، هذه العقلية لدى الحاكم العربي صارت عرفا بينهم فمن هلك أو اغتيل أو تم الانقلاب عليه يأتي الذي بعده يكمل ما بدأه سابقه وبنفس الطريقة مع اختلافات بسيطة في أدوات التضييق على الشعوب.

بل كانوا أسوأ في الحكم بالحديد والنار والقبضة الأمنية المخيفة وظل الحال كما هو عقودا متعاقبة، حتى بدأت تظهر بعض النخب تطالب بحقوق المواطن وتنادي بتحسين الأوضاع خاصة في الجانب الاقتصادي فبرع منها أطباء وعلماء ومفكرون واقتصاديون، كانت لهم بصمات في المجتمع وسدّت كثيرا من عوار الحكومات في كثير من الخدمات الأساسية للمواطن لتتجه بعد ذلك عين النظام لأولئك النخبة، فبدأوا في ملاحقتهم والتضييق عليهم.

وأيضا كان الإعلام الذي يشبه سحرة فرعون أحد أهم أدواتهم في محاربة أولئك الوطنيين فقلب الحقائق وبث بين الناس صورا مخيفة عن أولئك الناس، وبدأ في تلميع صورة الحاكم ورد كل مفسدة لغيره ووصموا من يحاول أحداث تغيير لصالح المواطن بالإرهاب، وأنتجت لذلك عشرات ومئات المسلسلات والأفلام والبرامج لتشويه الوطنيين. ولم تنس تلك الأجهزة الإعلامية أن تعد بعضا من حلقات برامجها لنقد الحاكم والحكومة بشكل لطيف لتشعر المواطن أنها تمارس حرية إعلامية تتجاوز حتى الرئيس!!

ومع كل التضييق تنامى التوجه العام نحو الرغبة في التغيير وبدأ الناس في إظهار التبرم الشديد من فساد الحاكم وحاشيته الذي بلغ حد السفه والاستخفاف بالناس، ولكن الحاكم العربي ظن أنه ضمن الولاء والخنوع خاصة وأن القبضة البوليسية زادت شدة وإحكاما على رقاب الناس.

عانى الناس كثيرا ولعقود طويلة، كرامة مهدرة، خدمات معدومة، وأخرى موجودة لكنها رديئة، حقوق مسلوبة، رشاوى ومحسوبيات، غلاء في المعيشة.

وحين طفح الكيل خرجت الشعوب لا للمطالبة بالحقوق أو لرفض الظلم الواقع من زمن طويل فهم يعلمون يقينا أن لا فائدة من الحكام، فقد أدمنوا الاستخفاف بحقوق المواطنين والتصقوا بالكراسي بطريقة لن ينفع فيها مطالبة بتحسين شروط العبودية.

خرج الناس مطالبين بتغيير الحاكم ورحيله عن كرسي السلطة، قوبل المواطنون بالقتل والسحل والاختطاف، لكن إرادة التغيير كانت أقوى فمن خرج للشارع كان يعلم يقينا أنه قد لا يعود حيا.

كانت تونس صاحبة الشرارة الأولى وكان بن علي الزعيم الوحيد الذي رحل وانتهى حكمه.

تلتها مصر وشهدت عرضا دراماتيكيا عجيبا أسقط حسني مبارك وسجن، انتخب محمد مرسي فلم يلبث أن غدر به السيسي ليضعه في السجن ويخرج عدو الشعب حسني مبارك وليفعل السيسي بمصر في عامين فوق ما فعله حسني مبارك في عقود وماتزال الدراما قائمة..

وفي ليبيا قُتِلَ القذافي وبدأت الناس تتنفس الصعداء لتتدخل قوى خارجية تدعم فصائل مخربة وتُدخِلَ ليبيا في دوامة من الانفلات لا نعرف آخره.

وأما سوريا فمشهد دموي منذ أول يوم لشرارة الثورة وكأن النظام هناك كان منتظرا تلك اللحظات ليحتسي براميلا من دماء الشعب السوري ثورة أُغرِقَت بالدماء وتدخلت قوى عالمية لتشارك الأسد افتراس أهل سوريا فلكم الله ناصرا ومعينا يا شعب سوريا.

اليمن كانت متفردة بأحداثها فيها اختلط الحابل بالنابل كما يقولون بعد أن دفع الكثير من الشباب حياتهم ثمنا لحرية الشعب بأكمله، غادر علي صالح السلطة وانتقل من الحاكم العاضّ على الكرسي إلى الجبهات يدير حربا انتقامية ضد الشعب بأكمله ليشكل حلفا مع الحوثي عدو الأمس مستعينا بجيش عائلي عقيدته الولاء للزعيم وشرفه يباع لمن يدفع.. ودخلت اليمن حربا لم تُطفأ لليوم، اختلط فيها الجانب السياسي والمذهبي.

صارت اليمن تدار بحكومتين شرعية في عدن وانقلابية في صنعاء.

في صفوف الشرعية من يعبث بالمال العام ويسيء للشرعية أكثر من عدوها المباشر والواضح.

يداه في جيوب الشرعية يغترف منها وتمتلئ أرصدته من أموال الشعب بعد أن كان لا يمتلك حتى بضعة ريالات في حصالة صغيرة في غرفته.

يُحمّلُ فشله ويعزو فساده إلى أرواح شريرة لا تُرَى إلا بعينيه وعيون أتباعه، يصر على اقناع العامة أنه بريء مما يحدث، وأن تلك الأرواح تعيث فسادا ولكنه يطمئن الناس أنه لها بالمرصاد وهو بصدد إعداد تعاويذ ستقضي على تلك الأرواح الهلامية.

محسوب على الشرعية وقلبه معلق مع انقلاب صنعاء يلهج بالحمد للزعيم ويدعو للحوثي بالتمكين، وفي العلن يقدم فروض الطاعة للشرعية قد عُرِفَت نواياهم وافتُضِحَ أمرهم والبعض لا يزال ضميرا مستترا قد تظهره يوما حركة ما في آخره.

وهناك بين قواعد الانقلابيين من يتحين الفرصة للفرار والالتحاق بصفوف الشرعية مجبرا على البقاء وهو لهم من الكارهين.

في الوطن العربي فقط أحداث تجعل الحليم حيرانا، كلها تصب لمصلحة الحاكم فيها ضاعت حقوق الشعوب وذاق الناس الذل والهوان، ولكن لكل ظالم نهاية.

 والله وعد عباده الصالحين بالنصر ولو بعد حين.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.