fbpx
ترامب الرئيس الأكثر صدقا*

د. عيدروس نصر ناصر
اعتاد الناخب الأمريكي والمراقب الخارجي أن يسمع من المترشحين للرئاسيات الأمريكية كلاما كثيرا بعضه مطاطٌ وزئبقيٌ يمكن تفسيره على عشرات التأويلات وبعضه موجهٌ لنخبٍ معينة من الناخبين لكسب أصواتهم وبعد الانتخابات يحتفظ الرئيس الفائز بالمسارات التقليدية للسياسات الأمريكية مع تمايزات معينة للتعبير عن جمهورية أو ديمقراطية الرئيس الفائز؟
أما دونالد ترامب فقد تميز منذ اليوم الأول لإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية وجاءت شعاراته الفجة منذ اليوم الأول لتؤكد ليس فقط مغازلته للفئات الواسعة من الناخبين الأمريكيين الساخطين من فشل السياسات الديمقراطية على مدى ثماني سنوات، بل ليطرح نمطا جديدا من التخاطب مع الناخبين يتمثل في الانفلات من القيود الحزبية والبروتوكولات السياسية واستدعاء المفردات العنصرية التي لها حضورٌ قويٌ لدى قطاعات واسعة من الناخبين (الجدد منهم على وجه الخصوص).
يمكن مناقشة عشرات الشعارات من تلك التي طرحها ترامب أثناء حملته الانتخابية مما يميزه عن جميع الرؤساء السابقين لكن أهم ميزه أن لم يكذب على الناخبين كما كان يفعل السابقون، فهو وعد ببناء جدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك وقد بدأ بإصدار الإجراءات التنفيذية لتحويل هذا الشعار إلى قانون، وهو وعد بمنع المهاجرين المسلمين إلى أمريكا وقد بدأت الإجراءات لتنفيذ تحويل هذا الشعار إلى قانون وبدأ اليوم تنفيذه، وربما سارع غدا إلى نقل مقر السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس وهو الشعار الذي رفعه قبله عشرات المرشحين للرئاسة الأمريكية ومنهم من فاز بالانتخابات لكن أحدا لم ينفذ هذا الشعار أما ترامب فسيفعلها.
الرئيس ترامب هو تعبير عن حالة مرضية في الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الغربية تعبر عن جنوح المجتمع نحو العنصرية والعنجهية والتمرد على التقاليد الحميدة التي ولدت ونمت مع نمو هذا النمط من الديمقراطية في مراحلها الأولى، وما إجراءاته التي اتخذت خلال الاسبوع الأول من مباشرته مهامه وما سيليها إلا بداية لسلسلة من الممارسات التي ستجعل أمريكا خارج الكثير من الالتزامات الدولية والأممية الأخلاقية والقانونية التي تعارف عليها كل الزعماء، وقد نرى في الغد القريب إجراءات أكثر كارثية، ليس فقط على العالم الإسلامي والعربي، لكن على كل العالم، وما خروج المسيرات المنددة بهذه السياسات وتحرك المنظمات الحقوقية والقانونية داخل أمريكا ضد هذه الإجراءات إلا دليل على أن الجزء المعافى من الجسد الأمريكي يقاوم هذه الحالة المرضية ويرفضها ويبحث عن طريقه للتعافي منها.
السؤال هل ستنجو أمريكا تحت رئاسة ترامب من عواقب معاكسه يمكن أن تؤدي إلى مزيد من المواجهة ليس فقط مع الجماعات الحقوقية والمدنية والقانونية، بل ومع بلدان صديقة لأمريكا تحتفظ الولايات المتحدة معها بمصالح تجني من ورائها مئات المليارات؟
إن هذا يعتمد على الجرأة السياسية لقادة تلك البلدان على اتباع مبدأ المعاملة بالمثل والكف عن التعامل مع الولايات المتحدة وكأنها ملك الغابة الذي يختار ضحاياه كل يوم من بين رعيته الخانعة دون أن ينبس أحد من هذه الضحايا ببنت شفة.